ترامب يغرق برمال التحقيقات: بين "خيانة" كوهين والخيارات الصعبة

24 اغسطس 2018
أكد البيت الأبيض أن ترامب ليس قلقاً (Getty)
+ الخط -
يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب واقفاً فوق رمال متحركة تهدد بإغراقه في أي لحظة، بعد انقلاب محاميه الشخصي السابق مايكل كوهين عليه لإنقاذ نفسه من السجن، واعترافه بأنه دفع بتعليمات من الرئيس الحالي وبهدف "التأثير على الانتخابات" أموالاً لامرأتين لقاء التزامهما الصمت على علاقة أقامها ترامب معهما، بل حتى تلميح محامي كوهين بأن الأخير لديه معلومات مفيدة للتحقيق الذي يقوده روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 وعلاقة ترامب به.

وعلى الرغم من تشديد البيت الأبيض على أن الرئيس ليس قلقاً على الإطلاق من احتمال توريطه من قبل كوهين، إلا أن ترامب بدأ يدرك أنه في أزمة تهدد بقاءه، وهو ما دفعه إلى التهديد أمس بأن أسواق المال "ستنهار" في حال إطلاق إجراء لعزله.
ويعي الجميع، بمن في ذلك ترامب، أن للأزمة الحالية تداعيات لم تظهر بعد، خصوصاً مع دخول مسؤولين ديمقراطيين على الخط، لتزداد الضغوط السياسية على ترامب والجمهوريين قبل الانتخابات التشريعية في نوفمبر/تشرين الثاني والتي يسعى خلالها الديمقراطيون إلى استعادة السيطرة على الكونغرس.

وبعدما سدد كوهين ضربة مدوية لترامب الثلاثاء بتأكيده تحت القسم أنه تحرك بتعليمات منه وبهدف "التأثير على الانتخابات" حين دفع أموالاً لامرأتين لقاء التزامهما الصمت حول علاقة تقولان إن ترامب أقامها معهما، تتزايد التساؤلات حول إلى أي مدى يمكن أن يصل كوهين في اتهاماته للرئيس الأميركي، وهل يملك عناصر تورط الأخير يمكن أن يسلّمها للمحققين في ملف التدخّل الروسي؟ ورجّحت أستاذة القانون في جامعة جورجيا ديان ماري أمان، في حديث لوكالة "فرانس برس"، أن يشارك كوهين في التحقيق حول الملف الروسي، مضيفة "إن حصل تعاون (من فريق ترامب) مع روسيا، فهو كان على الأرجح على علم".

ويعزز هذا التوقّع تلميح محامي كوهين، لاني ديفيس، إلى أن موكله يمكن أن يكون مفيداً لروبرت مولر في تحقيقاته حول احتمال وجود تواطؤ من فريق حملة ترامب مع روسيا للتأثير على نتيجة الاقتراع. وقال ديفيس لشبكة "إم إس إن بي سي" التلفزيونية إن "مايكل كوهين لديه معلومات قد تكون مهمة للمدعي الخاص، سواء لجهة معرفة (فريق حملة ترامب) بوجود مؤامرة روسية لتشويه الديمقراطية الأميركية، أو رفضه نقل هذه المعلومات لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)". وأضاف ديفيس: "ثمة إفادات يمكن أن يدلي بها" كوهين تُظهر أن ترامب كان على علم بالحملة الإلكترونية الروسية للتأثير على الانتخابات، "لكن لا يمكنني قول المزيد".

كوهين الذي عمل لحساب ترامب على مدى أكثر من عشر سنوات، قد يكون يملك عناصر في عدة ملفات "محورية" في التحقيق حول التدخل الروسي، بحسب المحامي والمدعي العام الفدرالي السابق في نيوجرسي، ميتشل إيبنر، الذي أشار في حديث لـ"فرانس برس" إلى أن كوهين قد يدلي بمعلومات حول الرحلة التي قام بها إلى براغ عام 2016 للقاء موفدين روس، بحسب ما أفادت وسائل إعلام. وكان كوهين قد نفى أن يكون قام بهذه الرحلة، من غير أن يقدّم حجة متينة تدعم هذا النفي.

وبحسب إيبنر، "من الواضح أن مايكل كوهين يحاول التعاون" مع مولر، لكن السؤال المطروح الآن هو معرفة "إن كان يملك أدلة مادية تؤكد أقواله". وأضاف "إذا كان كل ما يمكن أن يقدّمه هو شهادة، فهذا لا يساوي الكثير، لأن مايكل كوهين لا يملك الكثير من المصداقية". والشكوك في مصداقية كوهين، يمكن أن تبرر عدم وجود بند في اتفاق الإقرار بالذنب الذي نُشر الثلاثاء، ينص على التعاون مع المحققين. وأوضح إيبنر "من الصعب القبول بمايكل كوهين كمتعاون. فهو قال الكثير من الأشياء الخاطئة في الماضي، هناك تسجيل له يهدد فيه صحافياً، والمحلفون لا يحبون المتعاونين إذا لم يكن لديهم دليل مادي". غير أنه لم يستبعد أن يكون كوهين قد وقّع اتفاق تعاون سرياً مع المحققين لن يُكشف إلا عند تحديد القاضي العقوبة "كما يجري في غالب الأحيان".

وحددت جلسة إعلان العقوبة بحق كوهين في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، لكن إذا تم التفاوض على اتفاق تعاون، فمن المنطقي ان يتم تأجيلها بحسب إيبنر. وبعدما كان كوهين يؤكد قبل عام أنه "مستعد لتلقي رصاصة من أجل الرئيس"، فهو يواجه الآن على ضوء الاتهامات الموجّهة إليه عقوبة بالسجن تتراوح ما بين أربع وست سنوات وفق الخبراء. وقال إيبنر إن العقوبة ستخفف مع توقيع اتفاق تعاون و"قد يصل القاضي إلى تخفيضها لعقوبة مع وقف التنفيذ". ومن المؤكد برأيه أن مايكل كوهين اختار "استراتيجية تهدف بوضوح إلى خفض المدة التي سيقضيها بعيداً عن عائلته".

على الضفة الأخرى، فإن ترامب انتقل إلى مرحلة التهديد بانهيار الأسواق في حال إطلاق إجراءات عزله بعدما كان لا يزال متمسكاً بنفي ارتكابه أي مخالفة، وهو ما جدد التأكيد عليه بإعلانه أن الأموال التي قال كوهين إنه دفعها قبل انتخابات 2016 لا تشكّل انتهاكاً لقوانين تمويل الحملات الانتخابية. وأوضح ترامب في مقابلة مع شبكة "فوكس" الإخبارية الأميركية أن الأموال "لم تُدفع من صندوق الحملة، أنا دفعتها وكتبت تغريدة في هذا الشأن". ولطالما نفى ترامب معرفته بتلك الدفعات في حينه، إلا أنه أقر بأنها سُددت من أمواله الخاصة التي كان كوهين مخولاً التصرف بها. وأكد ترامب خلال المقابلة أنه "علم لاحقاً بالأمر". وسلّط ترامب الضوء على تقرير أشار إلى مخالفة ارتكبها سلفه باراك أوباما بتسديد 375 ألف دولار بعد انتخابات 2008. وقال ترامب إن أوباما "ارتكب مخالفة كبرى لكن المدعي العام حينها كان شخصاً آخر، وتعاطى مع الأمر بشكل مختلف".

ولاحقاً أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أن ترامب ليس قلقاً من احتمال توريطه من قبل كوهين، في التحقيق الذي يجريه مولر. وقالت ساندرز "لا أعتقد أن الرئيس قلق على الإطلاق"، مضيفة أن ترامب "يعلم أنه لم يرتكب أي خطأ وأنه ليس هناك تواطؤ وسنواصل التركيز على الأمور التي تهم الأميركيين والتي يمكننا إحداث تأثير فيها".


ومقابل هجومه الحاد على كوهين، فإن ترامب يبحث العفو عن مدير حملته الانتخابية السابق بول مانافورت الذي أدين يوم الثلاثاء بالاحتيال المصرفي والضريبي، بعدما وصفه ترامب بأنه رجل "شجاع" لعدم تعاونه مع السلطات الاتحادية، بما يدل على رسالة قد يكون الرئيس الأميركي يحاول توجيهها لمسؤولين آخرين لحثّهم على عدم التعاون مع التحقيقات حول التدخل الروسي.

في موازاة ذلك، لم يتأخر خصوم ترامب السياسيون للدخول على الخط محاولين استغلال هذه الأزمة قبل الانتخابات التشريعية في نوفمبر المقبل، فقد وصف زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر، في كلمة أمام المجلس، ترامب بأنه "شريك في المؤامرة"، في ملف التدخّل الروسي. وطالب بتأجيل جلسة تأكيد ترشيح بريت كافانا لتولي رئاسة المحكمة العليا حتى أوائل سبتمبر/أيلول بعد تطورات قضية كوهين.

هذه التطورات المتسارعة تطرح تساؤلات عن الخيارات المتوفرة أمام ترامب لتجنّب احتمال عزله، خصوصاً أن الإدانات بحق كوهين ومانافورت أظهرت أن انتقادات الرئيس المتكررة فشلت في إعاقة تحقيق مولر. وبحسب خبراء قانونيين تحدثوا لوكالة "فرانس برس"، فإن لدى الرئيس الأميركي ثلاثة خيارات استراتيجية رئيسية، لا يُعد أي منها جيداً.

أول الخيارات هو التراجع عن محاولته تعطيل تحقيق مولر و"تبنّي سياسة انفتاح بشكل كامل"، الأمر الذي سيدعم حملة البيت الأبيض في وصم تحقيق مولر بأنه حملة "مطاردة شعواء"، بحسب أستاذ القانون الدستوري في جامعة "هوفسترا" إريك فريدمان. وسيتطلب القيام بذلك تخلي الرئيس عن دعمه لمستشارين سابقين على غرار مانافورت. لكن روبرت بينيت، وهو محامي دفاع في القضايا الجنائية في واشنطن عمل لدى الرئيس السابق بيل كلينتون في التسعينات، رأى أن الوقت تأخر كثيراً للقيام بذلك. وقال لوكالة "فرانس برس": "قرروا (في إدارة ترامب) منذ مدة طويلة مهاجمة المدعي الخاص. سيكون من الصعب الآن تغيير مواقفهم". وأشار بينيت إلى أنه من المؤكد أن التعاون مع تحقيق مولر الآن لن يغير اتجاهه إلا إلى الأسوأ. وسيكون إجراء مقابلة مع مولر مسألة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لترامب المعروف بتبديل رواياته على الدوام. وقال بينيت "أرجح أنه لن يكون بإمكانه التعاون بصدق من دون تجريم نفسه بشكل إضافي". وسيضع التعاون الرئيس كذلك في موقف صعب إذا تركزت أنظار مولر، كما يعتقد كثيرون، على نجل الرئيس، دونالد ترامب جونيور، أو غيره من أفراد العائلة.

أما ثاني الخيارات المتاحة أمام الرئيس الأميركي، فهي استمرار مهاجمته التحقيق ومحاولة شراء الوقت. وقبل انتخابات الكونغرس في 6 نوفمبر المقبل، يطالب البيت الأبيض مولر بالالتزام بسياسة لوزارة العدل تقضي بألا يقوم المدعون قبل 60 يوماً من الانتخابات بأي تحرك قد يؤثر على أي مرشح. لكن عميل مكتب التحقيقات الفدرالي السابق مايكل جيرمان رأى أن هذه السياسة لا تمنع مولر من مواصلة تحقيقه.
في المقابل، يمكن لترامب أو أحد أفراد عائلته ممن يواجهون اتهامات، رفع مسألة إجرائية إلى المحكمة العليا، وبالتالي جعل القضية عالقة في المحكمة على خلفية مسائل دستورية، ما قد يؤدي لجعل المسألة تستغرق نحو عامين للبت بها، أي حتى انتهاء مدة ولاية ترامب، وبالتالي سيكون في وضع أفضل.

أما الخيار الأخير الذي يتوفر لترامب، فهو المعروف بـ"الخيار النووي" والذي هدد به مراراً، ويقوم على إقالته مولر وإلغاء التحقيق. غير أن نواباً حذروا الرئيس من أن ذلك قد يتسبّب بعزله. ولم يساعد "الخيار النووي" الرئيس السابق ريتشارد نيكسون عندما أقال المحقق الخاص أرشيبولد كوكس الذي كان يتولى التحقيق في قضية "ووترغيت" في أكتوبر/تشرين الأول 1973. وأدى ذلك إلى تقلص دعم نيكسون، بينما تابع المحقق الذي حل مكانه القضية إلى أن استقال نيكسون بعد نحو عام.


(فرانس برس، رويترز)