تجري انتخابات مجلس الدوما (البرلمان)، اليوم الأحد، في ظروف استثنائية تختلف عن الانتخابات السابقة، إذ عادت روسيا بقوة إلى الساحة الدولية بضمها شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014، كما تشنّ منذ نحو سنة عملية عسكرية في سورية. وهي أول عملية من نوعها تنفذها القوات الروسية خارج فضاء الاتحاد السوفييتي منذ تفككه في عام 1991 (جورجيا وأوكرانيا كانتا دولتين سوفييتيتين).
لكن من جانب آخر، تمر روسيا بأكبر أزمة اقتصادية منذ أكثر من 15 عاماً، بسبب تهاوي أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو على خلفية الوضع في أوكرانيا. ومن مظاهر هذه الأزمة، انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 3.7 في المائة في العام الماضي، وانهيار قيمة الروبل من 33 روبلاً للدولار في منتصف عام 2014 إلى نحو 65 روبلاً حالياً، وارتفاع معدل التضخم إلى 12.9 في المائة في العام الماضي، وارتفاع نسبة الفقراء إلى قرابة 23 مليون شخص في الربع الأول من العام الحالي، أي حوالي 16 في المائة من إجمالي سكان روسيا البالغ عددهم أكثر من 146 مليوناً.
وبذلك ركزت الأحزاب المشاركة في الانتخابات عبر حملاتها على الملفات الاجتماعية، وقطاعي الصحة والتعليم، ومكافحة الفساد، بينما يساعد الارتفاع الأخير لأسعار النفط في إجراء الانتخابات في أجواء هادئة، وسط استقرار معدلات التضخم وإقدام البنك المركزي الروسي على خفض سعر الفائدة الأساسية من 11 في المائة إلى 10.5 في المائة أولاً، ثم إلى 10 في المائة يوم الجمعة الماضي.
وفي ظل تأييد أغلبية السكان للسياسة الخارجية المتبعة حالياً واستيائهم من الوضع الاقتصادي المتأزم، يسعى حزب "روست" (النمو) إلى جذب هؤلاء، لأنه يجمع بين دعم سياسة بوتين الخارجية والمطالبة بخلق ظروف أفضل لقطاع الأعمال، وفق توضيحات مديرة المكتب الصحافي للحزب يكاتيرينا أرخانغيلسكايا.
ولفتت أرخانغيلسكايا لـ"العربي الجديد" إلى أن "حزب روست يؤيد السياسة الخارجية لبوتين، لكننا نحاول إقناعه بتخفيف السياسة النقدية - الائتمانية ودعم الأعمال وتحفيز الاستثمار، ونحن الحزب الوحيد الذي له برنامج اقتصادي أعده خبراء مختصون". وأضافت: "ركزنا في برنامجنا على الملف الاقتصادي وضرورة وضع حد للاعتماد على تصدير النفط، وكنا نتوقع نقاشات أكثر حوله في إطار حملة الانتخابات، لكن لم يتم التركيز عليه كثيراً".
وحول الناخبين المحتملين الذين قد يصوتون لـ"روست"، قالت أرخانغيلسكايا إن "ناخبينا هم أشخاص وطنيون يشاركون مواقفنا في مجال الاقتصاد ويرغبون في العمل وكسب أموال، وهذه الطبقة كبيرة وتضم عمالاً ورجال أعمال وأصحاب المهن الحرة".
وبحسب برنامج الحزب الذي نشر على موقعه، فمن أهدافه "خلق وظائف جديدة وحديثة بإنتاجية وأجور عالية". ويرى القائمون على الحزب أنه يمكن تحقيق ذلك عن طريق "الانتقال من اقتصاد بيع المواد الخام إلى اقتصاد النمو والمبادرة الخاصة والمنافسة الحقيقية".
مركزاً على الاقتصاد، يعتبر "روست" أنه "لا يمكن تحقيق الحريات الأساسية للإنسان إلا في بلد ذي اقتصاد تنافسي متطور، وأن الطريق نحو الديمقراطية يكون عن طريق تطوير الاقتصاد". أما الأحزاب الأخرى، بما فيها حزب "روسيا الموحدة" الحاكم بزعامة رئيس الوزراء، دميتري ميدفيديف، فركزت في حملتها على ملفات اقتصادية – اجتماعية، لا على قضايا اقتصادية بحتة.
وبدوره، أطلق حزب "روسيا العادلة" على برنامجه اسم "25 قانوناً عادلاً" تتعلق بفرض ضريبة الدخل التصاعدية بدلاً من الثابتة بواقع 13 في المائة حالياً، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، وتخفيف العبء الضريبي على رجال الأعمال والعدول عن رفع سن التقاعد وغيرها.
ومن بين أحزاب المعارضة "غير النظامية" وغير المتمثلة في المجلس المنتهية ولايته، يدعو حزب الخضر في برنامجه إلى تعزيز وتطوير روسيا كدولة ديمقراطية يسودها القانون واحترام الكرامة الإنسانية والاحتياجات الاجتماعية والبيئية للمواطنين، بينما يوجه حزب "بارناس" الذي يعتبر أشد الأحزاب معارضة، انتقادات إلى السلطات الحالية ويدعو إلى إجراء إصلاحات سياسية.