01 يناير 2024
تركيا إلى انتخابات مبكرة.. كيف ولماذا؟
"أفرزت نتائج الانتخابات واقعاً جديداً في تركيا، وربما يكون ائتلاف حكومي بقيادة حزب العدالة والتنمية أو لا يكون، لكن البلد سيشهد في الغالب انتخابات برلمانية مبكرة في غضون عام من الآن، سيراجع فيها الناخب التركي نفسه، وسيميل إلى إعطاء الحزب الغالبية اللازمة للحكم مفرداً. ولكن، من دون امتلاكه القدرة على تعديل الدستور، أو كتابة آخر جديد، كون الأمر مرتبط حتماً بالتوافق الوطني وأغلبية الثلثين في البرلمان أو الشارع. بينما ستظل عملية التسوية على سكة الحل، وهي كانت وستظل مصلحة وضرورة وطنية، بغض النظر عن تجاوز حزب الشعوب نسبة الحسم أو لا".
كانت الفقرة السابقة الخلاصة أو الاستنتاج الأخير في مقال لصاحب هذه السطور، بعد الانتخابات البرلمانية التركية التي أجريت أوائل يونيو/ حزيران الماضي، ونشرته "العربي الجديد" في الرابع عشر من الشهر نفسه.
إذن، أحدثت الانتخابات النيابية واقعاً سياسياً مختلفاً، فقد فيه حزب العدالة والتنمية الغالبية البرلمانية التي تمتع بها منذ بداية الألفية الجديدة، ما منع تشكيل حكومة ائتلافية، لأسباب ذاتية موضوعية، وأدى حكماً إلى اتخاذ القرار غير المفاجئ بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، أوائل نوفمبر/تشرين ثاني المقبل.
صبيحة اليوم التالي لانتخابات يونيو، أعلن حزبا الحركة القومية اليميني والشعوب الديمقراطية الكردي رفضهما المشاركة في ائتلاف حكومي مع "العدالة والتنمية" اليميني المحافظ ذي الجذور الإسلامية. بينما أبقى حزب الشعب اليساري الباب مفتوحاً، الأمر الذي جعل المفاوضات الائتلافية الجدية تجري مع هذا الحزب تحديداً.
وعلى الرغم من ذلك، أجرى أحمد داود أوغلو، بعد تكليفه رسمياً تشكيل الحكومة أوائل يوليو/تموز، مشاورات جدية مع زعيم الحزب اليميني، دولت بهشلي، الذي طرح شروطاً، بعضها مستحيل، وحتى تعجيزي، وهى تضمنت إيقاف (أو إلغاء) عملية التسوية، أي السلام الداخلي مع الأكراد التي يراها حزب العدالة والتنمية ضرورية وحيوية لحاضر البلاد ومستقبلها، وعدم تعديل البنود الأربعة الأولى من الدستور التي تتحدث عن هوية البلاد ونظامها السياسي، والتي لا يمكن إنجاح عملية التسوية بدونها، خصوصاً فيما يتعلق بالمواطنة الكاملة. أما التزام الرئيس، رجب طيب أردوغان، بصلاحياته الدستورية، وإعادة محاكمة الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد، فيما يعرف بأحداث أو قضية ديسمبر/كانون أول 2013، فهي مطالب سياسية قابلة حتماً للأخذ والردّ ومرتبطة بالتوافق الوطنى على الدستور الجديد، كما موازين القوى في البرلمان نفسه.
كان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، قد أعلن، أيضاً، رفضه المشاركة في الائتلاف الحكومي، مع دعمه أي ائتلاف محتمل، يضم حزبي العدالة والشعب اليساري، وهو موقف غير صحيح، ولم يتقبّله حتى الزعيم الكردي المعتقل، عبدالله أوجلان، على اعتبار أن التحالف بين الحزبين كان الأمر الصحيح، قياساً إلى ما فعله الأول للأكراد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كما أن المفاوضات الطويلة التي كان حزب الشعوب فيها بمثابة وسيط بين الحكومة وأوجلان، إلاّ أن تطرّف عسكر جبال قنديل، ورفض تنفيذ مطلب الأخير إلقاء السلاح، وذهاب زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش، بعيداً في مهاجمة أردوغان في أثناء الحملة الانتخابية، لنيل أصوات متطرفي اليسار وجماعة فتح الله غولن، أوجدا حاجزاً، أو هوة عميقة من الشك وعدم الثقة بين الجانبين.
قياساً للمعطيات السابقة، اقتصرت المفاوضات الائتلافية الجدية على حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وهما عقدا خمسة لقاءات، وصلت إلى حائط مسدود، بسبب الخلاف السياسي والأيديولوجي العميق بين الجانبين، كما لتجاهل حزب الشعب حقيقة، أنه حاز على مقاعد يقارب عددها نصف العدد الذي ناله حزب العدالة، وهو ليس في وضع يسمح له بفرض رؤاه وتصوراته الخاصة كاملة على خصمه.
الآن، وبنظرة إلى الوراء، يمكن الاستنتاج أن كل الأحزاب فهمت مبكراً ومبكراً جدّاً أن الظروف غير ناضجة بعد لتشكيل حكومة ائتلافية، وأن خيار الانتخابات المبكرة حتمي، ولا مفر منه. ولذلك، عملت على تحصين مواقعها وتقوية روايتها للحملة الانتخابية وتمتينها. وهكذا، رفض حزب الشعوب أي فكرة للائتلاف مع العدالة والتنمية، مصرّاً على خطابه الانتخابي الشوفيني في المناطق الكردية والعلماني اليساري المتطرف في المناطق التركية، بينما فهم حزب الحركة القومية أن لا جدوى من الإعلان عن رفض الائتلاف مبدئياً طارحاً، في المقابل، شروطاً تعجيزية تتماهى مع قناعات قاعدته اليمينية القومية المتطرفة وحزب الشعب فعل الشيء نفسه. ولكن، بالاتجاه العكس، أي الدخول إلى مفاوضات، وطرح مواقف سياسية تتماشى، أيضاً، مع قاعدته العلمانية واليسارية. وقبل ذلك وبعده، راهن حزب العدالة والتنمية، ومنذ صباح الثامن من يونيو/حزيران، على العودة إلى صناديق الاقتراع، على أمل حصد اثنين أو ثلاثة في المائة إضافية، وهو كما زعيمه الفعلي، الرئيس أردوغان، لم يكن في وارد الائتلاف أو تقديم التنازلات لأي كان.
بناء على ما سبق، فشل أحمد داود أوغلو في تشكيل الحكومة، ما دفعه إلى إعادة التكليف الحكومي للرئيس أردوغان الذي يمنحه الدستور صلاحية تكليف زعيم الحزب الثاني، أي حزب الشعب، لإجراء محاولة أخرى، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، بعد التشاور مع رئيس البرلمان، وهو فضّل الخيار الثاني، كونه أكثر واقعية، ولأن لا داعي لإضاعة مزيد من الوقت في جهود ائتلافية، لا جدوى أو طائل منها.
عموماً، انطلقت الحملات الدعائية للانتخابات المبكرة بمجرد تكليف داود أوغلو تشكيل ما توصف، هنا، بالحكومة الانتخابية، والتى تتكون، حسب الدستور، من الأحزاب الممثلة فى البرلمان، حسب أحجامها، مع مستقلين من خارجه، للحقائب الثلاث المعنية بالعملية الانتخابية، وهي الداخلية والعدل والمواصلات، حيث رفض حزب الشعب المشاركة، لاتهام الرئيس أردوغان بتجاوز الدستور، وللظهور بمظهر الضحية الذي حرم من حقه في تشكيل الحكومة، وفعل الحزب اليمينى الشيء نفسه، ولكن لتصوير الحكومة وكأنها ائتلاف بين "العدالة والتنمية" و"الشعوب" الكردى الذى قبل المشاركة من جهته، لتحصين نفسه، وحصد مزيد من الشرعية السياسية، غير أن مخطط الحزب اليميني تعرّض لضربة قاصمة مع مشاركة أحد أبرز نوابه، طورغول توركش، ابن مؤسسه وزعيمه التاريخي، ألب أرسلان توركش، في الحكومة، نائباً لرئيسها، بصحبة زعيم يمينى آخر، يالتشين طوبجو، ما أعطى فكرة عن استراتيجية حزب العدالة والتنمية، الساعية إلى استعادة ما فقده من أصوات القوميين، وفي الوقت نفسه، الانفتاح على الأكراد، والاعتراف بهم عنصراً رئيساً فى المشهدين، السياسي والحزبي.
ربما يكون مبكراً التنبؤ بمآلات التطورات السابقة، وصولاً إلى الانتخابات. ولكن، ثمة استطلاعات مبدئية، تتحدث عن فرصة معقولة لـ "العدالة والتنمية" لحصد 2 إلى 3 في المائة، إضافية عن الانتخابات السابقة، أي 43% تقريباً، تكفل له الحكم منفرداً، شرط الاقتناع باستحالة قبول الشارع فكرة النظام الرئاسي أو تمريره لها. كما بإعادة النظر في مرشحّيه، خصوصاً في المناطق الكردية، والعودة إلى اللغة الهادئة والواقعية والإصرار على عملية تسوية، أو سلام داخلي ودستور ديمقراطي توافقي، يؤسس لدولة علمانية مدنية ديمقراطية لكل مواطنيها.
إذن، أحدثت الانتخابات النيابية واقعاً سياسياً مختلفاً، فقد فيه حزب العدالة والتنمية الغالبية البرلمانية التي تمتع بها منذ بداية الألفية الجديدة، ما منع تشكيل حكومة ائتلافية، لأسباب ذاتية موضوعية، وأدى حكماً إلى اتخاذ القرار غير المفاجئ بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، أوائل نوفمبر/تشرين ثاني المقبل.
صبيحة اليوم التالي لانتخابات يونيو، أعلن حزبا الحركة القومية اليميني والشعوب الديمقراطية الكردي رفضهما المشاركة في ائتلاف حكومي مع "العدالة والتنمية" اليميني المحافظ ذي الجذور الإسلامية. بينما أبقى حزب الشعب اليساري الباب مفتوحاً، الأمر الذي جعل المفاوضات الائتلافية الجدية تجري مع هذا الحزب تحديداً.
وعلى الرغم من ذلك، أجرى أحمد داود أوغلو، بعد تكليفه رسمياً تشكيل الحكومة أوائل يوليو/تموز، مشاورات جدية مع زعيم الحزب اليميني، دولت بهشلي، الذي طرح شروطاً، بعضها مستحيل، وحتى تعجيزي، وهى تضمنت إيقاف (أو إلغاء) عملية التسوية، أي السلام الداخلي مع الأكراد التي يراها حزب العدالة والتنمية ضرورية وحيوية لحاضر البلاد ومستقبلها، وعدم تعديل البنود الأربعة الأولى من الدستور التي تتحدث عن هوية البلاد ونظامها السياسي، والتي لا يمكن إنجاح عملية التسوية بدونها، خصوصاً فيما يتعلق بالمواطنة الكاملة. أما التزام الرئيس، رجب طيب أردوغان، بصلاحياته الدستورية، وإعادة محاكمة الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد، فيما يعرف بأحداث أو قضية ديسمبر/كانون أول 2013، فهي مطالب سياسية قابلة حتماً للأخذ والردّ ومرتبطة بالتوافق الوطنى على الدستور الجديد، كما موازين القوى في البرلمان نفسه.
كان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، قد أعلن، أيضاً، رفضه المشاركة في الائتلاف الحكومي، مع دعمه أي ائتلاف محتمل، يضم حزبي العدالة والشعب اليساري، وهو موقف غير صحيح، ولم يتقبّله حتى الزعيم الكردي المعتقل، عبدالله أوجلان، على اعتبار أن التحالف بين الحزبين كان الأمر الصحيح، قياساً إلى ما فعله الأول للأكراد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كما أن المفاوضات الطويلة التي كان حزب الشعوب فيها بمثابة وسيط بين الحكومة وأوجلان، إلاّ أن تطرّف عسكر جبال قنديل، ورفض تنفيذ مطلب الأخير إلقاء السلاح، وذهاب زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش، بعيداً في مهاجمة أردوغان في أثناء الحملة الانتخابية، لنيل أصوات متطرفي اليسار وجماعة فتح الله غولن، أوجدا حاجزاً، أو هوة عميقة من الشك وعدم الثقة بين الجانبين.
قياساً للمعطيات السابقة، اقتصرت المفاوضات الائتلافية الجدية على حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وهما عقدا خمسة لقاءات، وصلت إلى حائط مسدود، بسبب الخلاف السياسي والأيديولوجي العميق بين الجانبين، كما لتجاهل حزب الشعب حقيقة، أنه حاز على مقاعد يقارب عددها نصف العدد الذي ناله حزب العدالة، وهو ليس في وضع يسمح له بفرض رؤاه وتصوراته الخاصة كاملة على خصمه.
الآن، وبنظرة إلى الوراء، يمكن الاستنتاج أن كل الأحزاب فهمت مبكراً ومبكراً جدّاً أن الظروف غير ناضجة بعد لتشكيل حكومة ائتلافية، وأن خيار الانتخابات المبكرة حتمي، ولا مفر منه. ولذلك، عملت على تحصين مواقعها وتقوية روايتها للحملة الانتخابية وتمتينها. وهكذا، رفض حزب الشعوب أي فكرة للائتلاف مع العدالة والتنمية، مصرّاً على خطابه الانتخابي الشوفيني في المناطق الكردية والعلماني اليساري المتطرف في المناطق التركية، بينما فهم حزب الحركة القومية أن لا جدوى من الإعلان عن رفض الائتلاف مبدئياً طارحاً، في المقابل، شروطاً تعجيزية تتماهى مع قناعات قاعدته اليمينية القومية المتطرفة وحزب الشعب فعل الشيء نفسه. ولكن، بالاتجاه العكس، أي الدخول إلى مفاوضات، وطرح مواقف سياسية تتماشى، أيضاً، مع قاعدته العلمانية واليسارية. وقبل ذلك وبعده، راهن حزب العدالة والتنمية، ومنذ صباح الثامن من يونيو/حزيران، على العودة إلى صناديق الاقتراع، على أمل حصد اثنين أو ثلاثة في المائة إضافية، وهو كما زعيمه الفعلي، الرئيس أردوغان، لم يكن في وارد الائتلاف أو تقديم التنازلات لأي كان.
بناء على ما سبق، فشل أحمد داود أوغلو في تشكيل الحكومة، ما دفعه إلى إعادة التكليف الحكومي للرئيس أردوغان الذي يمنحه الدستور صلاحية تكليف زعيم الحزب الثاني، أي حزب الشعب، لإجراء محاولة أخرى، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، بعد التشاور مع رئيس البرلمان، وهو فضّل الخيار الثاني، كونه أكثر واقعية، ولأن لا داعي لإضاعة مزيد من الوقت في جهود ائتلافية، لا جدوى أو طائل منها.
عموماً، انطلقت الحملات الدعائية للانتخابات المبكرة بمجرد تكليف داود أوغلو تشكيل ما توصف، هنا، بالحكومة الانتخابية، والتى تتكون، حسب الدستور، من الأحزاب الممثلة فى البرلمان، حسب أحجامها، مع مستقلين من خارجه، للحقائب الثلاث المعنية بالعملية الانتخابية، وهي الداخلية والعدل والمواصلات، حيث رفض حزب الشعب المشاركة، لاتهام الرئيس أردوغان بتجاوز الدستور، وللظهور بمظهر الضحية الذي حرم من حقه في تشكيل الحكومة، وفعل الحزب اليمينى الشيء نفسه، ولكن لتصوير الحكومة وكأنها ائتلاف بين "العدالة والتنمية" و"الشعوب" الكردى الذى قبل المشاركة من جهته، لتحصين نفسه، وحصد مزيد من الشرعية السياسية، غير أن مخطط الحزب اليميني تعرّض لضربة قاصمة مع مشاركة أحد أبرز نوابه، طورغول توركش، ابن مؤسسه وزعيمه التاريخي، ألب أرسلان توركش، في الحكومة، نائباً لرئيسها، بصحبة زعيم يمينى آخر، يالتشين طوبجو، ما أعطى فكرة عن استراتيجية حزب العدالة والتنمية، الساعية إلى استعادة ما فقده من أصوات القوميين، وفي الوقت نفسه، الانفتاح على الأكراد، والاعتراف بهم عنصراً رئيساً فى المشهدين، السياسي والحزبي.
ربما يكون مبكراً التنبؤ بمآلات التطورات السابقة، وصولاً إلى الانتخابات. ولكن، ثمة استطلاعات مبدئية، تتحدث عن فرصة معقولة لـ "العدالة والتنمية" لحصد 2 إلى 3 في المائة، إضافية عن الانتخابات السابقة، أي 43% تقريباً، تكفل له الحكم منفرداً، شرط الاقتناع باستحالة قبول الشارع فكرة النظام الرئاسي أو تمريره لها. كما بإعادة النظر في مرشحّيه، خصوصاً في المناطق الكردية، والعودة إلى اللغة الهادئة والواقعية والإصرار على عملية تسوية، أو سلام داخلي ودستور ديمقراطي توافقي، يؤسس لدولة علمانية مدنية ديمقراطية لكل مواطنيها.