رفضت أنقرة كل التطمينات الأميركية لها من أنها لن تواصل تسليح "وحدات حماية الشعب" الكردية، وطالبتها بخطوات ملموسة لإنهاء دعمها المسلحين الأكراد في سورية، وسحب قواتها "فوراً" من مدينة منبج. وفيما دخلت عملية "غصن الزيتون" أسبوعها الثاني، أكدت مصادر رسمية تركية تدمير مئات الأهداف العسكرية في مدينة عفرين وريفها، مشيرة إلى أن العملية مستمرة "حتى سحق رأس الإرهاب"، فيما لم تدخل هدنة مفترضة شرقي دمشق حيز التنفيذ في ظل مخاوف من "انتقام" روسي يدفع ثمنه المدنيون جراء رفض المعارضة السورية الذهاب إلى مؤتمر سوتشي.
ومع تدهور العلاقات بين واشنطن وأنقرة، الحليفتين في حلف شمال الأطلسي، طالب وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، الولايات المتحدة بسحب قواتها "فوراً" من منبج. وقال، جاووش أوغلو بعد ساعات من توعد أردوغان بإرسال القوات التركية إلى منبج، إن على القوات الأميركية "الانسحاب فوراً من منبج" التي تبعد نحو 100 كيلومتر شرق منطقة عفرين. وينتشر مئات من الجنود الأميركيين في منبج، التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
وأضاف جاووش أوغلو أن تركيا تريد أيضاً خطوات أميركية ملموسة لإنهاء الدعم الأميركي لأكراد سورية، وذلك بعد ساعات من إعلان الرئاسة التركية أن الولايات المتحدة "أكدت" لها أنها لن تسلم أسلحة بعد اليوم إلى "وحدات حماية الشعب" الكردية. وقالت الرئاسة التركية، في بيان، إن مستشار الرئيس الأميركي، لشؤون الأمن القومي، هربرت ريموند ماكماستر، والمتحدث باسم الرئيس التركي، إبراهيم كالين، تحادثا مساء الجمعة بعد يومين على الاتصال الهاتفي بين الرئيسين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان. وتم خلال الاتصال الهاتفي، بحسب تصريحات الرئاسة التركية، "تأكيد أنه لن تسلم بعد اليوم أسلحة" إلى الأكراد. وأعلنت أنقرة أن كالين "أكد ضرورة أخذ مخاوف تركيا الأمنية المشروعة في الاعتبار". ورغم الدعوات الأميركية لضبط النفس، واصل أردوغان تهديده للأكراد. وقال، في إسطنبول، "أياً كان اسم التنظيم الإرهابي الذي تواجهه تركيا، سواء كان داعش أو حزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب الكردية، فإن قواتنا ستسحقهم جميعا بإذن الله".
إلى ذلك، حققت فصائل المعارضة السورية، أمس السبت، تقدماً بمساندة من الجيش التركي في المعارك الدائرة في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، في إطار عملية "غصن الزيتون" التي أطلقها الجيش التركي مطلع الأسبوع الماضي بهدف القضاء على الوحدات الكردية المسيطرة على المنطقة. وأكد ناشطون مواكبون للعملية أن فصائل المعارضة سيطرت على قرية علي بيسكي، التابعة لمنطقة راجو، شمال غرب عفرين، إضافة إلى السيطرة على "النقطة 740" ومعسكر تدريب تابع للوحدات الكردية، إثر انهيار دفاعات الأخيرة، مشيرين إلى مقتل عدد من عناصر الوحدات الكردية، وأسر ثلاثة آخرين، مؤكدين أن عمليات التقدم على محور راجو شمال غرب عفرين ما تزال مستمرة. ومنذ بدء عملية "غصن الزيتون" انتزع الجيش التركي وفصائل الجيش السوري الحر عدداً من القرى شمال وغرب عفرين، هي: أدمنلي، وحفتارو، وهاي أوغلو، وعمر أوشاغي، ومارسو، وشيخ عبيد، وقره مانلي، وبالي كوي، وقورنة، ومحمود أوبه سي. ويضم ريف مدينة عفرين التي تبعد عن الحدود السورية التركية نحو 25 كيلومتراً، مئات القرى التي تتراوح ما بين الصغيرة والمتوسطة.
من جانبها، أعلنت رئاسة الأركان التركية، أمس، "تحييد 394 إرهابياً، منذ انطلاق عملية "غصن الزيتون" في منطقة عفرين السورية، مشيرة، في بيان، إلى أن "مقاتلاتها تمكنت من تدمير 340 هدفاً عسكرياً منذ انطلاق غصن الزيتون في 20 يناير/كانون الثاني الحالي. وأكدت "أن العملية البرية المدعومة من القوات الجوية والمروحيات الهجومية، متواصلة بنجاح وفق المخطط"، مشيرة إلى مقتل 3 جنود، وإصابة 30 آخرين بجروح وصفتها بـ"الطفيفة"، فضلاً عن مقتل 13 عنصراً من الجيش السوري الحر وإصابة 24 خلال العملية العسكرية.
من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن اشتباكات وصفها بـ"العنيفة" تتواصل على محاور في الريفي الغربي والشمالي لمدينة عفرين، مضيفاً "تمتد الاشتباكات من محاور في محيط جبل برصايا في ريف عفرين الشمالي الشرقي مروراً بناحية بلبلة وشمال غرب عفرين وناحية راجو، وصولاً إلى ناحيتي الشيخ حديد وجنديرس وقرية حمام في غرب وجنوب غرب عفرين". ومر أكثر من أسبوع على عملية "غصن الزيتون" التي تستهدف طرد الوحدات الكردية من عفرين ومن مناطق شمال مدينة حلب في إطار استراتيجية تركية بعيدة المدى للحيلولة دون إنشاء إقليم كردي على طول الشريط الحدودي السوري التركي وهو ما تعتبره أنقرة مساساً بأمنها القومي. وظهر أردوغان وهو يرتدي بزة عسكرية في غرفة عمليات "غصن الزيتون" ما يؤكد نية الجيش التركي المضي في العملية حتى تحقيق أهدافها. وقال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أمس، إن عملية "غصن الزيتون ستستمر حتى سحق رأس الإرهاب، وتلقين قطّاع الطرق الدرس الذي يستحقونه". وأكّد أن "تركيا ستواصل عملياتها ضد التنظيمات الإرهابية، حتى تضمن أمن حدودها وسلام أرواح وممتلكات مواطنيها بشكل كامل"، موضحاً أن "بلاده لن تسمح على الإطلاق بإنشاء أي حزام إرهابي على حدودها الجنوبية".
ومن الواضح أن اكتظاظ منطقة عفرين بالمدنيين يحول دون تحقيق تقدم سريع في العملية، إذ يحاول الجيش التركي وفصائل الجيش الحر تجنب الإضرار بالمدنيين، فضلاً عن أن الظروف الجوية لا تساعد في تقدم القوات المهاجمة. ومن المتوقع ان يقوم الجيش التركي بفتح محاور قتال جديدة مع سعي فصائل المعارضة لاستعادة السيطرة على مواقع سيطرت عليها "الوحدات" الكردية في فبراير/شباط 2012، أهمها مدينة تل رفعت وأكثر من عشرة قرى في محيطها. كما تسعى المعارضة إلى ربط المناطق التي تسيطر عليها فيما اصطلح على تسميتها "منطقة درع الفرات" شمال شرقي حلب مع محافظة إدلب وريف حلب الغربي، أبرز معاقل المعارضة السورية المسلحة.
بموازاة ذلك، لم تتوقف عمليات القصف الجوي والمدفعي من قبل قوات النظام السوري على منطقة الغوطة الشرقية شرقي دمشق، وذلك بخلاف أنباء عن تأكيد روسي للمعارضة السورية في فيينا عن بدء هدنة كان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ منتصف ليل الجمعة- السبت. وأكد الناشط الإعلامي، محمد الغوطاني، لـ"العربي الجديد"، أن خمسة مدنيين، بينهم امرأة، أصيبوا السبت، جراء قصف مدفعي لقوات النظام استهدف الأحياء السكنية في حمورية، مؤكداً أن القصف طاول أيضا بلدات حزرما والنشابية وعربين، وأطراف مدينة عربين. وكان وائل علواني، الناطق باسم "فيلق الرحمن" كبرى فصائل المعارضة المسلحة في الغوطة، قد أشار إلى أن الطرف الروسي أكد في فيينا بدء هدنة في الغوطة، تتضمن دخول مساعدات إنسانية، مشيراً إلى أن "الرحمن" أمهل الروس 48 ساعة كي تبدأ قافلات المساعدات بالدخول كي يقبل بالهدنة. ويبدو أن موقف هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية الرافض لحضور مؤتمر سوتشي كان وراء عدم دخول الهدنة حيز التطبيق، إذ يُخشى من ردة فعل روسية "انتقامية" تجاه المعارضة السورية يدفع ثمنها عادة الأهالي في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة. وتلوح في الأفق نذر تصعيد روسي على المعارضة السورية جراء رفض الأخيرة الانجرار إلى مؤتمر سوتشي، وهو ما كان له أصداء إيجابية كبيرة في الشارع السوري، المعارض الذي يعتبر سوتشي محاولة لتصفية القضية السورية برمتها. ومن المفترض أن تكون الغوطة الشرقية ضمن مناطق خفض التصعيد والتهدئة، إلا أن النظام ضرب بكل اتفاقات ضامنه الروسي مع المعارضة عرض الحائط، فواصل حصار نحو 500 ألف مدني في الغوطة، كما لم تنقطع محاولاته إخضاع المنطقة عسكرياً، إلا أن هذه المحاولات تبوء دائماً بالفشل.