تتزايد الضغوط على الحكومة المغربية لإنشاء صندوق مخصّص للعلاج المجاني لآلاف المصابين بداء السرطان، وذلك بالتزامن مع الغموض الذي يلف مصير عريضة "الحياة"، التي كان قد تم إيداعها من قبل نشطاء لدى رئاسة الحكومة منذ ما يربو على أربعة أشهر، دون أن يتم الحسم في مصيرها إلى حد الساعة.
وشهدت أروقة البرلمان المغربي، أمس الثلاثاء، تحركات عدة بهدف الدفع نحو الضغط على الحكومة، بعد أن بات أمر توفير العلاج المجاني وإنقاذ حياة نحو 200 ألف مصاب بالسرطان في المغرب، بين يدَي رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وذلك بعدما كان مجموعة من الناشطين المتطوّعين قد أودعوا "عريضة الحياة" من أجل إنشاء حساب خصوصي لدى الخزينة العامة للمملكة باسم "صندوق مكافحة السرطان"، في مقرّ رئاسة الحكومة في 14 فبراير /شباط الماضي.
ووجد عدد من البرلمانيين من فرق الأغلبية (التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) كما المعارضة ( الاستقلال، والتقدم والاشتراكية)، في مسطرة الأسئلة الكتابية وسيلة للضغط على رئيس الحكومة من أجل الكشف عن مآل العريضة وتوفير العلاج المجاني لمرضى السرطان.
وفي السياق، قال البرلماني وعضو المكتب السياسي في حزب التجمع الوطني للأحرار (المشارك في الحكومة) مصطفى بايتاس، في سؤال وجهه إلى العثماني: "للأسف منذ أن تم إيداع العريضة لدى مصالح رئاسة الحكومة لأزيد من 4 أشهر، لم يتم إخبار الرأي العام بأي إفادة حول قبولها من عدمه، إن على مستوى الشكل أو الموضوع، وهو ما يتطلب قانونا 30 يوما فقط، حسب المادة 8 من القانون التنظيمي 44.14”.
وأضاف بايتاس، في السؤال الذي حصل الموقع على نسخة منه، مخاطبا العثماني: " وإن كنتم غير ملزمين بذلك، إلا أننا كنا نعول عليكم بممارستكم التواصلية هذه إقرار أعراف قانونية تسهل التواصل مع وكلاء العرائض والرأي العام، وتشجع المواطنين على الإقبال عليها كأسلوب دستوري ومدني يعزز آليات المقاربة التشاركية".
وتعليقا على مساءلة رئيس الحكومة، قال نائب وكيل لجنة تقديم عريضة لإحداث صندوق مكافحة السرطان، طه لحميداني: "لا يمكن سوى الإشادة بمبادرة أعضاء البرلمان الذين وجهوا أسئلة محورية تسائل إيمان الحكومة بالمنهج التشاركي، وإمكانية تطبيعها مع آليات المشاركة المواطنة، وقدرتها على الإنصات لمبادرة المواطنين ومدعمي العريضة الذين تجاوزوا 40 ألف مدعم"، معتبرا أن مبادرة أعضاء البرلمان وما تقوم به لجنة العريضة وصرخات المصابين وعشرات الفيديوهات التي يسجلها المواطنون لمساءلة العثماني عن مآل العريضة، تدخل في خانة إحيائها وإبقاء شعلتها متقدة، كما تندرج في إطار الترافع الواعي والتدافع الجاد مع المؤسسات بعيدا عن أي مزايدات سياسية.
وأشار لحميداني، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الحكومة تفاعلت مع دينامية العريضة في بداياتها بكثير من الانبهار والإشادة، لافتا إلى أنه من الناحية الأخلاقية وبعيدا عن الآجال كان بإمكان لجنة العرائض تدارك أمر التأخر بسبب حالة الطوارئ الصحية عبر الآليات التي توفرها التقنية اليوم للاجتماعات عن بعد.
وعن الخطوات المستقبلية للواقفين وراء العريضة، قال لحميداني: "ليس أمامنا سوى الترافع، وتعزيز المبادرات المدنية للتأثير على أصحاب القرار، لأن أي مطلب أو قضية عادلة لن تنجح بالضرورة لكونها عادلة، وإنما لوجود محامين أقوياء. الأكيد أن مرافعتنا ستتسم بالإصرار وبالشفافية، وباحترام الجميع، وفي إطار ما يسمح به القانون"، مضيفا: "أتمنى صادقا أن تستقبل الحكومة هذه الهدية ذات الشرعية المجتمعية بما يليق، وتستنبت بذرة أمل وثقة جديدة بينها وبين المواطنين".
وكان بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي والمتطوّعين المغاربة قد أطلقوا، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مبادرة لجمع التوقيعات، بهدف تقديم عريضة دستورية تطالب الحكومة بإنشاء صندوق مخصّص للعلاج المجاني لمرضى السرطان، وذلك تفاعلاً مع نداء أطلقه عدد من المصابين بالمرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال هاشتاغ #مابغيناش_نموتو_بالسرطان (لا نريد أن نموت بالسرطان). وانخرط آلاف المواطنين في داخل البلاد وخارجها، في دعم الحملة، من خلال التطوّع وتوزيع العرائض وجمع التوقيعات في المغرب، علماً أنّ منسقين خصّصوا في المدن لتنظيم العملية. كذلك تطوّع عدد من المغاربة المقيمين في الخارج للمساندة، في عدد من الدول، أبرزها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وسويسرا وإيطاليا وإسبانيا وقطر.
وجمعت "عريضة الحياة" 40,608 تواقيع من مختلف جهات البلاد مستوفية كلّ الشروط القانونية، بالتزامن مع عيد الحب في الرابع عشر من فبراير/ شباط. وهي تتعلّق بإنشاء حساب خصوصي لدى الخزينة العامة للمملكة باسم "صندوق مكافحة السرطان"، يُعنى بالتغطية الشاملة لمرضى السرطان بكلّ أشكاله.
وتُسجَّل سنوياً نحو 40 ألف إصابة جديدة بالسرطان في المغرب، بحسب الأرقام الرسمية لوزارة الصحة، فيما يبلغ عدد الأشخاص المصابين الذين يتمّ التكفّل بهم حالياً 200 ألف مريض. وتحتلّ البلاد المركز 145 عالمياً في قائمة المصابين بهذا المرض.