تشبيب في السعودية ينتظر التحديث
ثورة هادئة، تغيير تاريخي، تشبيب غير مسبوق، هيمنة الفرع السديري على كل مفاصل الحكم في السعودية. كلها عناوين لحدث واحد. إنه قرار الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، فجر الأربعاء الماضي، إنهاء حظوظ من بقوا من أبناء الملك المؤسس، عبد العزيز، في الوصول إلى عرش المملكة. انتهى عصرهم وبدأ عصر الأحفاد.
دفن سلمان آخر إرث لأخيه الملك عبد الله، وأعفى أخاه غير الشقيق مقرن، ووضع الرجل القوي في الرياض، محمد ابن أخيه نايف، ولياً للعهد، ووضع نجله محمد بن سلمان ولياً لولي العهد. وأعفى أقدم وزير خارجية في العالم، سعود الفيصل.
"المحمدان"، ولي العهد وولي ولي العهد، هما حديث الناس في السعودية اليوم، وبيدهما مفاتيح القرار والسلطة. محمد بن نايف جمع ثلاثة مناصب: وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء وولاية العهد. وجمع محمد بن سلمان، إلى جانب أنه ابن الملك المقرب، وزارة الدفاع ورئاسة لجان اقتصادية واجتماعية وأمنية. لم يكن القرار الكبير والجريء بتحويل ولاية العهد من أبناء عبد العزيز إلى أحفاده سهلاً، فعلى الرغم من أجواء التكتم التي تحيط ببيت الحكم السعودي، عادة، أشار بيان إعفاء مقرن من ولاية العهد، إلى موافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة على القرار، ولم يتحدث عن إجماع، كما العادة.
صفقت واشنطن لقرار تشبيب القيادة السعودية، لأن الأمير نايف قريب جداً من قادة البيت الأبيض وصناع القرار في واشنطن، ويُنظر إليه في أميركا حليفاً كبيراً ضد "القاعدة". ولأن التغيير الذي أعلنه الملك سلمان حمل عادل الجبير، سفير المملكة في واشنطن، إلى وزارة الخارجية. وهو من الوجوه المقبولة في واشنطن، وكما هي عادة الأميركيين و(خبثهم)، قال مسؤول أميركي رفيع لوكالة رويترز، من دون أن يذكر اسمه "إن واشنطن تشعر بالارتياح لصعود وجوه شابة إلى الحكم، وترقية عادل الجبير إلى وزير خارجية، لكن الإدارة الأميركية مازالت تعكف على تقييم هذه التغييرات، ولاسيما زيادة نفوذ السديريين في الحكم. نحن لا نعرف كيف سيكون رد فعل الفروع الأخرى في الأسرة الحاكمة".
ما الذي سرّع بعملية التشبيب في قيادة أكبر مملكة محافظة في العالم؟ إنها الأخطار الأمنية التي تشعر بها المملكة، وهناك هذا الربيع العربي "الملعون" الذي قض مضاجع الحكام العرب، وفتح إمكانات عجيبة وخطيرة وغير متوقعة لإطاحة الحكام، بالمظاهرات والمسيرات التي يقودها الشباب، الكتلة الحرجة في أي مجتمع. السعودية، وأمام نسب بطالة مرتفعة، ومنسوب حرية ضئيل وحجم فساد كبير، تخاف العدوى، وتريد استقراراً في القيادة لا يقطعها حكم الشيوخ. السبب الثاني الذي سرع قرار انتقال العرش من الأبناء إلى الأحفاد إيران وهلالها الشيعي الذي يطوق السعودية وحلفاءها في المنطقة. لها يد طويلة في اليمن والعراق والبحرين، وهذه دول مجاورة للسعودية، ولها أيادٍ في سورية ولبنان. وفوق هذا، تستعد للرجوع إلى مجتمع الدول، من خلال اتفاق تاريخي مع أوروبا وأميركا على رفع الحظر عنها، والقبول بدورها الإقليمي في مقابل تأخير وصولها إلى القنبلة النووية. أميركا، التي كانت السعودية تنتظر منها أن تقصف طهران، خرج الشهر الماضي رئيسها، باراك أوباما، في "نيويورك تايمز" يطالب العرب بالجلوس مع إيران والحوار معها!
تقارب طهران وواشنطن يرعب الرياض، ولأن الحرس الجديد لا يملك صبر الحرس القديم، ذهبت السعودية إلى حرب اليمن على متن عاصفة الحزم، وستذهب إلى حروب أخرى. ولأن الحرب تتطلب القوة وسرعة الحركة، اختارت القيادة التشبيب استعداداً للمعركة، لكنه تشبيب بلا تحديث لنظام الحكم وصناعة القرار، وهذا أكبر تحدٍّ سيواجه الأحفاد. كان رعايا المملكة ينظرون إلى حكامهم الشيوخ نظرتهم إلى أب العائلة أو زعيم القبيلة أو ورثة الملك المؤسس، لكنهم، بالقطع لن ينظروا غداً إلى محمد بن نايف (55 سنة) ومحمد بن سلمان (30 سنة) النظرة نفسها.