تضاربت الأنباء مجدداً حول مصير الأب الإيطالي، باولو ديل لوليو، الذي قضى جزءاً من حياته سورياً بمدينة النبك في القلمون، بعد نشر "الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان"، بياناً، يؤكد مقتله على يد تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" (داعش)، في حين شكك العديد من الكتاب والنشطاء في رواية الرابطة السورية، وطالبوا بتوخي الدقة وعدم نشر أخبار كهذه لأنها تؤثر على مصير الأب الإيطالي المناصر للثورة السورية.
ونقلت "الرابطة السورية" عن مصدر منشق عن "دولة الإسلام" قوله إن "أحد قادة التنظيم في الرقة قام شخصياً بإعدام الأب باولو بعد احتجازه في سجن تابع لتنظيم "الدولة" داخل قصر المحافظة، بعد ساعتين من احتجازه بتاريخ 29 يوليو/ تموز 2013".
وأوضحت أن "الأب باولو كان قد وصل إلى مدينة الرقة يوم 28 يوليو/ تموز 2013، وقام بالمشاركة في التظاهرة المسائية التي جرت في المدينة، والتقى العديد من الناشطين في الثورة، وطلب مقابلة أمير التنظيم للتوسط بالإفراج عن صحافيين أجانب تم اعتقالهم من قبل تنظيم الدولة، لكن طلبه قوبل بالرفض".
وأضافت أن "في اليوم التالي، أصر الأب باولو على مقابلة قياديين في التنظيم، فتم نقله إلى قصر المحافظة (مقر قيادة التنظيم في الرقة)، وصدرت أوامر قادة التنظيم بوضعه في السجن مباشرة. ودخل بعد ذلك قياديان سعوديان، من التنظيم، (كساب وخلاد الجزراوي) على الأب باولو بعد ساعتين فقط من توقيفه، وقام المدعو، كساب الجزراوي، بإعدامه بالرصاص بأربع عشرة طلقة من مسدسه".
من جهتها، أكدت شبكة "تحرير سورية" مقتل الأب باولو، لكنها ذكرت نقلاً عن الناشط، أبو إبراهيم الرقاوي، مدير حملة "الرقة تذبح بصمت"، أن الأب الإيطالي قتل في اليوم الثالث، بعد إصراره على مقابلة قياديي التنظيم وحضوره إلى مبنى المحافظة.
وفي ظل غياب "أمير الرقة" أبو لقمان، خرج كساب الجزراوي، وهو قيادي سعودي الجنسية في التنظيم، إلى الأب باولو، وقال له "صرلنا تلات أيام عم نقلعك ليش ما تروح"، وأمر كساب باعتقال الأب باولو في سجن المحافظة، وبدأ عناصر الدولة بالسخرية من الأب باولو والتكلم معه على أنه "كافر".
وأضافت الشبكة أن "كساب أمر بعد ذلك بوضع الأب باولو في سيارة وذهبوا به إلى السد (الذي كان محكمة شرعية) بمنطقة المنصورة، وتم إعدامه هناك، ثم طلب من عناصره إخفاء الجثة، وتم رميها في حفرة مشهورة بمدينة الرقة وتدعى "الهوتة" بجانب منطقة السلوك".
وأكدت الشبكة أن "من قام بعملية الإعدام هو الجزراوي، وبعد وصول الخبر في اليوم الثاني لأمير الرقة، أبو لقمان، حدثت مشاحنات مع الجزراوي وأمر بإخفاء الموضوع وعدم ذكره بشكل نهائي".
وكان الكاتب عبد الناصر العايد، الذي تربطه بالأب باولو صداقة قديمة، قال إنه "قبل مغادرة الأب باولو إلى سورية بيومين، بعث إليّ برسالة أخبرني فيها نيته الذهاب إلى الرقة، وطلب مني تأمين حماية له هناك، كوني ابن المنطقة الشرقية وعلى علاقة بالكتائب الموجودة هناك، فأخبرته أنني لا أستطيع تأمين تلك الحماية في المناطق التي يسيطر عليها المهاجرون المقاتلون غير السوريين".
وتابع العايد: "لقد نصحتُه بعدم الذهاب، فأخبرني أن رحلته قد تأجلت خمسة عشر يوماً آخر، وفوجئت بعدها بذهابه إلى مقر تنظيم "داعش" في الرقة.
وشكك العايد في رواية قتل الأب باولو، مشيراً إلى "أنباءً مماثلة قد وردت عن مقتل العديد من القياديين في الجيش الحر وألوية أحفاد الرسول الذين اعتقلهم التنظيم في فترة مماثلة، وظهر بعدها أنهم أحياء".
وعن الغاية من رحلة الأب باولو إلى الرقة، قال العايد "لم يكن الهدف من الرحلة تحرير الأسرى كما أشيع، وإنما بهدف التحاور مع قيادات التنظيم ضمن رسالته اللاهوتية الإنسانية، والتي تقوم على الحوار مع الجهاديين، إذ يعتبر أنهم وصلوا إلى التطرف نتيجة الاضطهاد من قبل الغرب والتي ذكرها في كتابه (عاشق الإسلام مؤمن بعيسى)".
من جانبه، نفى الكاتب الصحافي، محمد علي الأتاسي، لـ"العربي الجديد"، الخبر الذي نشرته "الرابطة السورية"، ولفت إلى أنه "يتضمن الكثير من المغالطات مثل جدول لقاءات الأب باولو قبل اعتقاله، وأنه أتى للتوسط للإفراج عن صحافيين أجانب".
وأوضح الأتاسي، صديق الأب الإيطالي، أنه "أتى أساساً للتوسط للإفراج عن فراس الحاج صالح (الكاتب الصحافي)"، محذراً من أن "توقيت وطريقة نشر الخبر فيها ما يدعو للكثير من الشكوك، وخصوصاً لجهة ملابسات زيارة باولو للرقة".
وطالب الأتاسي "توخي الدقة وعدم نشر مثل هكذا أخبار أو تداولها لأنها تؤثر على مصير الأب باولو، وتؤثر على عائلته وأصدقائه ومحبيه".
يذكر أن الأب باولو قضى 30 عاماً في دير مار موسى الحبشي في منطقة النبك في جبال القلمون، وهو الدير الذي قام بترميمه، فوصلت استضافات الدير في بعض الأحيان نحو 50 ألف زائر سنوياً. وقد تحول الدير بعد بداية الثورة، إلى مكان للاجتماعات حضرها شباب من مختلف الأديان للصيام والصلاة من أجل حرية الشعب السوري والتعايش بين طوائفه.
ومع ازدياد عنف قوات النظام في قمع المتظاهرين، أصبح الأب باولو أكثر وضوحاً في دعمه للثورة، إلى أن أُجبر على مغادرة البلاد في يونيو/حزيران 2012 بعد نشر مقاطع فيديو لزيارته إلى القصير بذريعة أنه "خرج عن نطاق مهمته الكنسية".
وفي 26 يوليو/ تموز 2013، ذهب الأب باولو إلى منطقة الرقة في الشمال السوري في مهمة سرية، لمحاورة الجبهات كلّها، الإسلاميين والكرد، المتطرفين والوسطيين، حاملي السلاح والسلميين.
وفي بداية زيارته، انتشر على مواصل التواصل الاجتماعي فيديو يظهر أهل الرقة يرحبون به ويهتفون له وبحماسة، ثم كتب على صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" أنه يشعر بالسعادة لأنه موجود في مدينة محررة ولأنه استُقبل بحماسة كبير من أهلها، وكانت تلك الكلمات آخر ما سمعه العالم من الأب باولو، الذي لم يرَ نفسه إلا سورياً.