بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على وقوع كارثة تشيرنوبيل النووية التي أسفرت عن أكبر تلوث إشعاعي في التاريخ، لم تعد المناطق المحيطة بها أرضاً مهجورة، بل تحولت إلى وجهة لعشرات الآلاف من السياح الأوكرانيين والأجانب الباحثين عن المغامرات، بالإضافة إلى بعض السكان المحليين العائدين إلى بيوتهم.
وفي الذكرى الـ32 للكارثة التي تصادف اليوم الخميس، يظهر البحث على محرك "غوغل" عددا من الشركات التي تنظم رحلات إلى المنطقة المنكوبة تراوح مدتها بين يوم واحد وأسبوع كامل.
ومن بين الرحلات التي تنظمها شركة "تشيرنوبيل تور"، مثلا، رحلة يومية من العاصمة الأوكرانية كييف إلى المنطقة المنكوبة ومدينة بريبيات الواقعة على بعد كيلومترين فقط من المحطة والتي تم إجلاء جميع سكانها على أثر الحادثة. وتبدأ أسعار مثل هذه الرحلة من 39 دولارا للمواطنين الأوكرانيين و109 دولارات للأجانب، شاملة التأمين.
ويؤكد منظمو الرحلات على أمانها، وأن جرعة الأشعة نتيجة للزيارة لن تزيد عن تلك التي يتعرض لها الإنسان خلال ساعة من السفر عن متن الطائرة، مشيرين إلى أن هذه تجربة فريدة وأن "من يرى تشيرنوبيل مرة واحدة يغير نظرته إلى (الحياة العادية) تماما، بما فيها حياته هو".
أما الرحلة التي تستغرق يومين، فتشمل مزيدا من المزارات وتعارفا على سكان عادوا إلى بيوتهم للعيش فيها، مع المبيت في فندق في مدينة تشيرنوبيل، حيث لا يتجاوز مستوى التلوث الإشعاعي حدود المسموح به.
وهناك رحلات أخرى تستغرق ما بين ثلاثة وسبعة أيام تتيح الاطلاع بشكل معمق على منشآت تشيرنوبيل والطبيعة الفريدة من نوعها بعد أن تحولت المنطقة إلى محمية طبيعية وسط ظهور أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات، والتي صمدت رغم التلوّث الإشعاعي.
وتشهد أوكرانيا إقبالاً متزايداً على "سياحة المخاطر" إلى تشيرنوبيل، ليبلغ عدد زوار المنطقة في العام الماضي حوالي 50 ألفا، ثلثان منهم أجانب، ما يدر على أوكرانيا نحو عشرة ملايين دولار إضافية سنويا.
ولما كانت الرحلات إلى تشيرنوبيل متاحة للمواطنين البالغين من جميع الجنسيات، يشترط عليهم الحصول على تصريح من "الوكالة الحكومية لإدارة المنطقة المحظورة"، بالإضافة إلى التأمين الإلزامي.
ومن أجل ضمان سلامته، يتعين على السائح اتباع بعض القواعد البسيطة، بما فيها الالتزام التام بمسار الرحلة، وارتداء ملابس تغطي أعضاء الجسم كاملة، وعدم تناول المأكولات أو المشروبات أو التدخين في الهواء الطلق (..).
وتعدّ حادثة تشيرنوبيل التي وقعت أثناء اختبار بمفاعل الوحدة الرابعة للمحطّة ليلة 26 إبريل/نيسان 1986، أكبر كارثة نووية شهدها العالم، وأسفرت عن انبعاث 190 طناً من المواد المشعة، بما يفوق التلوث الناجم عن الهجوم النووي على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في عام 1945 بمئات الأضعاف.
وعلى أثر الكارثة، هجّر أكثر من 100 ألف شخص من المدن والبلدات المحيطة، لتتحول إلى أرض مهجورة خالية من السكان. ونظراً إلى تلوث المنطقة المحيطة بالمحطة بالنظائر المشعة، فرضت السلطات السوفييتية "منطقة محظورة" امتدت 30 كيلومترا حول المحطة في أوكرانيا وبيلاروسيا نظراً لوقوعها على الحدود بين الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين.
أما المفاعل المنكوب نفسه، فتم عزله بغطاء عازل مؤقت، ليتم استبداله في نهاية عام 2016 بغطاء خراساني جديد ذي عمر افتراضي قرن كامل، ما سيسمح بإخراج المواد المشعة من المحطة.