استنزفت حرب سورية أطباء البلاد خلال السنوات الأخيرة، فيما تعرّضت مرافق طبيّة كثيرة للتدمير. رغم كلّ هذا، تستمرّ قلة من الأطباء السوريين في بذل جهود حثيثة لإنقاذ الأرواح
يشهد عشرات الأطباء السوريين الذين سخّروا حياتهم وخبرتهم في المستشفيات والنقاط الطبية المتبقية في المناطق المشتعلة، على حجم المأساة الإنسانية التي تكرر يومياً. هم يعملون وسط الخطر ونقص في المعدات، على إسعاف الجرحى الذين يتدفقون إلى المستشفيات. كذلك يبذلون جهدهم للبقاء متماسكي الأعصاب، حتى ينقذوا أكبر عدد من المصابين.
في يوم من أيام القصف العنيف على مدينة دوما، استهدفت غارة قسم الإسعاف في المستشفى الوحيد، فأدّت إلى تدميره ومقتل عدد من الكوادر الطبية فيه. باسل طبيب، كان يعمل فيه، ونجا. يروي: "بدأ نهارنا بانفجارات عنيفة هزّت المدينة وأنذرتنا بيوم صعب. كنا لا نزال نلملم جراحنا الماضية، حين وقعت الفاجعة الجديدة. صحيح أنّنا كنّا قد اعتدنا الصدمات، إلا أنّ صدمة هذه المرّة كانت من نصيبنا وفقدنا جزءاً منّا". يضيف: "أصبحنا من دون مكان للعمل. أين نعمل؟ المكان الذي اعتدنا فيه التعامل مع ما تخلّفه الكوارث، لم يعد موجوداً. في ذلك اليوم، توجّهنا إلى حيث جُمع المصابون، ووقفنا حائرين لا نعلم ما يجب فعله؟ لا أكياس دم ولا أدوات جراحية ولا شاش ولا أسرّة ولا جهاز تصوير إشعاعي ولا أدوات مخبرية، فيما الجرحى ينتظرون منّا العون والغوث ولا حيلة بيدنا". ويتابع: "أذكر ذلك الشاب الذي كان يحمل أخاه المحتاج إلى تصوير إشعاعي ليتمكّن من الخضوع لجراحة لا بديل عنها. وأذكر تلك الطفلة التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة ولا يتوفّر مكان لها للعناية بجروحها. أمضينا ذلك اليوم نفرز الجرحى ونقدّم لهم ما نستطيع في أصعب الظروف. لم نتمكّن من إنقاذ نحو 70 منهم، فقضوا".
ابن عمي
تتوالى الصدمات التي تلقاها باسل. يخبر أنّ "في أحد الأيام، بعد انتهاء القصف بدقائق، هرعنا لتقييم الوضع. تمكّنت من تمييز جريح مدمّى تحت الركام. اقتربت منه، فوجدت أنّ قلبه متوقّف فيما الدماء تخرج من فمه. رحت أصيح بمن حولي: مسّد بسرعة، افتح وريد، خذ زمرة وتصالب، انقل سوائل، اعط الداعمات بالوريد". يضيف أنّه لم يستجب إلا قليلاً. أدخلت له أنبوب تهوية في حنجرته علّنا ننقذه، وصرت أصيح مجدداً: هات الصادم، اعط سوائل، مسّد، اسرعوا يا جماعة. لكنّ القدر كان أسرع منا. نظرت إلى وجهه المدمّى ودعوت له بالرحمة قبل أن أتوجّه صوب جريح آخر. لم يخطر في بالي أن أسأل عن اسمه أو اسم غيره. هؤلاء كلّهم كانوا إخوتي وأهلي وأبناء مدينتي. وبعدما فرغت من علاج المصابين، فتحت حسابي على فيسبوك، فرأيت صورته وقد كتب عليها اسم ابن عمي. انتابني شعور غريب. كان ابن عمي بين يديّ وحاولت معالجته ووفّيته وأرسلته إلى الدفن، من دون أن أعرف أنّه هو. قبل أيام فقط، كنّا معاً".
اقــرأ أيضاً
يشهد عشرات الأطباء السوريين الذين سخّروا حياتهم وخبرتهم في المستشفيات والنقاط الطبية المتبقية في المناطق المشتعلة، على حجم المأساة الإنسانية التي تكرر يومياً. هم يعملون وسط الخطر ونقص في المعدات، على إسعاف الجرحى الذين يتدفقون إلى المستشفيات. كذلك يبذلون جهدهم للبقاء متماسكي الأعصاب، حتى ينقذوا أكبر عدد من المصابين.
في يوم من أيام القصف العنيف على مدينة دوما، استهدفت غارة قسم الإسعاف في المستشفى الوحيد، فأدّت إلى تدميره ومقتل عدد من الكوادر الطبية فيه. باسل طبيب، كان يعمل فيه، ونجا. يروي: "بدأ نهارنا بانفجارات عنيفة هزّت المدينة وأنذرتنا بيوم صعب. كنا لا نزال نلملم جراحنا الماضية، حين وقعت الفاجعة الجديدة. صحيح أنّنا كنّا قد اعتدنا الصدمات، إلا أنّ صدمة هذه المرّة كانت من نصيبنا وفقدنا جزءاً منّا". يضيف: "أصبحنا من دون مكان للعمل. أين نعمل؟ المكان الذي اعتدنا فيه التعامل مع ما تخلّفه الكوارث، لم يعد موجوداً. في ذلك اليوم، توجّهنا إلى حيث جُمع المصابون، ووقفنا حائرين لا نعلم ما يجب فعله؟ لا أكياس دم ولا أدوات جراحية ولا شاش ولا أسرّة ولا جهاز تصوير إشعاعي ولا أدوات مخبرية، فيما الجرحى ينتظرون منّا العون والغوث ولا حيلة بيدنا". ويتابع: "أذكر ذلك الشاب الذي كان يحمل أخاه المحتاج إلى تصوير إشعاعي ليتمكّن من الخضوع لجراحة لا بديل عنها. وأذكر تلك الطفلة التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة ولا يتوفّر مكان لها للعناية بجروحها. أمضينا ذلك اليوم نفرز الجرحى ونقدّم لهم ما نستطيع في أصعب الظروف. لم نتمكّن من إنقاذ نحو 70 منهم، فقضوا".
ابن عمي
تتوالى الصدمات التي تلقاها باسل. يخبر أنّ "في أحد الأيام، بعد انتهاء القصف بدقائق، هرعنا لتقييم الوضع. تمكّنت من تمييز جريح مدمّى تحت الركام. اقتربت منه، فوجدت أنّ قلبه متوقّف فيما الدماء تخرج من فمه. رحت أصيح بمن حولي: مسّد بسرعة، افتح وريد، خذ زمرة وتصالب، انقل سوائل، اعط الداعمات بالوريد". يضيف أنّه لم يستجب إلا قليلاً. أدخلت له أنبوب تهوية في حنجرته علّنا ننقذه، وصرت أصيح مجدداً: هات الصادم، اعط سوائل، مسّد، اسرعوا يا جماعة. لكنّ القدر كان أسرع منا. نظرت إلى وجهه المدمّى ودعوت له بالرحمة قبل أن أتوجّه صوب جريح آخر. لم يخطر في بالي أن أسأل عن اسمه أو اسم غيره. هؤلاء كلّهم كانوا إخوتي وأهلي وأبناء مدينتي. وبعدما فرغت من علاج المصابين، فتحت حسابي على فيسبوك، فرأيت صورته وقد كتب عليها اسم ابن عمي. انتابني شعور غريب. كان ابن عمي بين يديّ وحاولت معالجته ووفّيته وأرسلته إلى الدفن، من دون أن أعرف أنّه هو. قبل أيام فقط، كنّا معاً".
خسارة زميل
كلّما تراجع عدد الكوادر الطبية والصحية بمن فيهم عمّال المستشفى وسائقو سيارات الإسعاف، بات كل واحد ذا أهمية بالغة مهما كان دوره بسيطاً. محمد طبيب يعمل في مستشفى في ريف مدينة إدلب، يقول: "في كلّ مرة نفقد فيها عدداً كبيراً من الضحايا نصبح أكثر إصراراً على بذل جهود إضافية لإنقاذ الآخرين وابتكار طرق لتنظيم العمل وإيجاد البدائل لحفظ الأرواح. لكنّ فقدان زميل عزيز كان يعمل إلى جانبك في كل يوم، هو الأمر الأكثر إحباطاً على الإطلاق". يخبر أنّه "خلال السنتين الماضيتين، فقدت اثنين من أعز زملائي الأطباء، وفقدت صديقاً هو سائق سيارة إسعاف، وفقدت ممرضاً، وأبو أمجد المسؤول عن تعقيم الغرف والأدوات الطبية. خسارة كلّ واحد منهم كانت خسارة كبيرة للمرضى والمصابين، وخسارة وصدمة كبيرتَين لنا". يضيف: "ولعل أصعب ما خبرته هو تلقي نبأ وفاة الدكتور فؤاد في نداء مستعجل قبل أن أحلّ مكانه في غرفة العمليات الجراحية. كان عليّ إجراء جراحة بطن مفتوح لمريضه، وأنا تحت وقع الصدمة، ومن دون أن أعرف تفاصيل مقتله". يتابع: "كنت أقوم بعملي بينما تكثر الأسئلة في رأسي. كنت آمل قليلاً بألا يكون ميتاً. وبقيت متماسكاً وفاء له، خصوصاً أنّ المريض تحت التخدير وهو يظنّ أنّ الدكتور فؤاد هو من يجري له الجراحة".
حين أنهى محمد العملية الجراحية وخرج، علم بأنّ الدكتور فؤاد "قضى في غارة استهدفت نقطة طبية في قرية مجاورة. في الواقع، أظنّ أنّنا بتنا متصالحين مع الموت أكثر بعد كلّ ما حدث. معظم من يعمل في المستشفى هنا يؤمن بأنّنا جميعاً على بعد مسافة قريبة من الموت. لا نعلم كم هي، لكنّنا نتقبّل قدرنا. المهمّ أن نقوم بأفضل ما يمكن طالما أنّنا أحياء". ويؤكّد على أنّه "كطبيب، أدرك جيداً أن الموت في حالات معينة في هذه الظروف، هو نعمة وأرحم من العيش بعلّة أو إعاقة جسدية".
الأقل خطورة أولاً
من جهته تنقّل مصطفى وهو طبيب، بين مستشفيات حلب وريفها. يقول: "في الظروف التي نعمل فيها معظم الأحيان، لا نأمل كثيراً في تعافي الحالات الخطرة، كالمرضى الذين أصيبوا بنزيف حاد أو الذين يحتاجون إلى جراحات معقدة ومستعجلة. هذا ما علّمتنا إياه التجربة". يضيف أنّه "خلال الهجمات الجوية المكثفة التي استهدفت ريف حلب في الفترة الماضية، كانت غرفة الأسعاف تمتلئ بعشرات الجرحى في ساعة واحدة، فيما عدد الأطباء قليل. في الحالات الطبيعية، يُتّبع بروتوكولا معيّناً عبر إعطاء الأولوية للحالات الخطرة، أملاً بتجنّب الوفاة. لكن، حين يكون أمل هؤلاء معدوماً بسبب استحالة إجراء الجراحات، يتوجّب علينا كأطباء أن نسخّر وقتنا وجهدنا لحالات يمكننا أن نقدّم لها الفائدة، وهي الحالات الأقل خطورة بقليل". ويقرّ أنّه "بذلك، نخالف واحدة من أبسط قواعد نظام الفرز في غرف الطوارئ، والتي تُتّبع في كلّ مستشفيات العالم".
اقــرأ أيضاً
كلّما تراجع عدد الكوادر الطبية والصحية بمن فيهم عمّال المستشفى وسائقو سيارات الإسعاف، بات كل واحد ذا أهمية بالغة مهما كان دوره بسيطاً. محمد طبيب يعمل في مستشفى في ريف مدينة إدلب، يقول: "في كلّ مرة نفقد فيها عدداً كبيراً من الضحايا نصبح أكثر إصراراً على بذل جهود إضافية لإنقاذ الآخرين وابتكار طرق لتنظيم العمل وإيجاد البدائل لحفظ الأرواح. لكنّ فقدان زميل عزيز كان يعمل إلى جانبك في كل يوم، هو الأمر الأكثر إحباطاً على الإطلاق". يخبر أنّه "خلال السنتين الماضيتين، فقدت اثنين من أعز زملائي الأطباء، وفقدت صديقاً هو سائق سيارة إسعاف، وفقدت ممرضاً، وأبو أمجد المسؤول عن تعقيم الغرف والأدوات الطبية. خسارة كلّ واحد منهم كانت خسارة كبيرة للمرضى والمصابين، وخسارة وصدمة كبيرتَين لنا". يضيف: "ولعل أصعب ما خبرته هو تلقي نبأ وفاة الدكتور فؤاد في نداء مستعجل قبل أن أحلّ مكانه في غرفة العمليات الجراحية. كان عليّ إجراء جراحة بطن مفتوح لمريضه، وأنا تحت وقع الصدمة، ومن دون أن أعرف تفاصيل مقتله". يتابع: "كنت أقوم بعملي بينما تكثر الأسئلة في رأسي. كنت آمل قليلاً بألا يكون ميتاً. وبقيت متماسكاً وفاء له، خصوصاً أنّ المريض تحت التخدير وهو يظنّ أنّ الدكتور فؤاد هو من يجري له الجراحة".
حين أنهى محمد العملية الجراحية وخرج، علم بأنّ الدكتور فؤاد "قضى في غارة استهدفت نقطة طبية في قرية مجاورة. في الواقع، أظنّ أنّنا بتنا متصالحين مع الموت أكثر بعد كلّ ما حدث. معظم من يعمل في المستشفى هنا يؤمن بأنّنا جميعاً على بعد مسافة قريبة من الموت. لا نعلم كم هي، لكنّنا نتقبّل قدرنا. المهمّ أن نقوم بأفضل ما يمكن طالما أنّنا أحياء". ويؤكّد على أنّه "كطبيب، أدرك جيداً أن الموت في حالات معينة في هذه الظروف، هو نعمة وأرحم من العيش بعلّة أو إعاقة جسدية".
الأقل خطورة أولاً
من جهته تنقّل مصطفى وهو طبيب، بين مستشفيات حلب وريفها. يقول: "في الظروف التي نعمل فيها معظم الأحيان، لا نأمل كثيراً في تعافي الحالات الخطرة، كالمرضى الذين أصيبوا بنزيف حاد أو الذين يحتاجون إلى جراحات معقدة ومستعجلة. هذا ما علّمتنا إياه التجربة". يضيف أنّه "خلال الهجمات الجوية المكثفة التي استهدفت ريف حلب في الفترة الماضية، كانت غرفة الأسعاف تمتلئ بعشرات الجرحى في ساعة واحدة، فيما عدد الأطباء قليل. في الحالات الطبيعية، يُتّبع بروتوكولا معيّناً عبر إعطاء الأولوية للحالات الخطرة، أملاً بتجنّب الوفاة. لكن، حين يكون أمل هؤلاء معدوماً بسبب استحالة إجراء الجراحات، يتوجّب علينا كأطباء أن نسخّر وقتنا وجهدنا لحالات يمكننا أن نقدّم لها الفائدة، وهي الحالات الأقل خطورة بقليل". ويقرّ أنّه "بذلك، نخالف واحدة من أبسط قواعد نظام الفرز في غرف الطوارئ، والتي تُتّبع في كلّ مستشفيات العالم".
يشير مصطفى إلى أنّ "العمل في إسعاف الجرحى هو الجزء الأكثر استنزافاً لطاقة الطبيب النفسية والجسدية. فما بالك في الظروف التي نعمل بها؟ عليك أن تعمل وأنت متبلّد المشاعر، كأن تتجاهل صرخات أهل المريض وتوسّلاتهم لإنقاذ مصابهم، وأن تخبرهم بأنّك لا تستطيع المساعدة في حالته، وأن تطلب من الجريح وذويه المذعورين أن يصبروا لساعة أو ساعتين ريثما يحين دورهم في العلاج. في الواقع لا يرغب أيّ طبيب في العالم أن يعمل في مستشفى لا يمكنه إنقاذ المرضى فيه. كثيرون من الذين فارقوا الحياة، كان بالإمكان أن يبقوا أحياء، لو أنّنا نملك غرف عمليات مجهّزة وكميات أكبر من المواد الطبية وعدد أكبر من الاختصاصيين. ذنبهم أنّهم هنا، ومن سوء حظّنا أنّنا نشهد على هذه المآسي".
بالنار وأدوات التصليح
ليس الأطباء وحدهم الذين يواجهون هذه المواقف الصعبة، إذ يضطر عاملون صحيون كثر في المناطق التي تعاني من نقص في الرعاية الطبية، إلى ممارسة أدوار خارج اختصاصهم. وهو ما يتطلب منهم جهوداً إضافية، بحسب ما يؤكد أبو صلاح. هو ممرض يعيش في إحدى قرى ريف إدلب، يقول: "أواجه حالات كثيرة أعلم أنّني لا أملك الخبرة الكافية للتعامل معها. لكنّني لا أستطيع الانسحاب. الشهر الماضي على سبيل المثال، استدعيت لإسعاف أحد المصابين. كانت جروحه عميقة، ولم أستطع الاعتذار عن رتقها بسبب توسلات أهله. لم أكن أملك الأدوات اللازمة للتعامل مع الجروح وإزالة الشظايا، فقمنا بتعقيم بعض المتوفّر في طنجرة ضغط، واستخدمنا بعض القماش لعدم كفاية الشاش المعقّم. كان عليّ أن أتدبّر كلّ شيء، ريثما يبحث أفراد عائلته عن طبيب في القرى المجاورة". يضيف: "كنت أتصبّب عرقاً وينتابني خوف كبير من إيذاء أوردة ساقه أو أعصابها. فعلت ما في وسعي إلى أن تمكّنت العائلة من نقله إلى أحد المستشفيات الحدودية بعد توقّف النزيف".
من جهة أخرى، يخبر أبو صلاح أنّه "قبل أيام، طُلب منّي نزع سياخ من قدم طفلة مجبّرة، بعدما اعتذر المركز الطبي في القرية المجاورة عن استقبالها نتيجة كثرة الحالات الحرجة. قبلت بسبب الإلحاح الشديد ولأنّ الحالة لم تكن خطرة جداً. لكنّني اضطررت إلى استخدام أدوات لتصليح السيارات من أحد جيراننا، للتعامل مع الأسياخ". ويشير إلى أنّه يبلغ من العمر اليوم 55 عاماً، "وعلى مدى 30 سنة في التمريض، لم اضطر إلى التعامل مع الحالات التي أتعامل معها اليوم".
بالنار وأدوات التصليح
ليس الأطباء وحدهم الذين يواجهون هذه المواقف الصعبة، إذ يضطر عاملون صحيون كثر في المناطق التي تعاني من نقص في الرعاية الطبية، إلى ممارسة أدوار خارج اختصاصهم. وهو ما يتطلب منهم جهوداً إضافية، بحسب ما يؤكد أبو صلاح. هو ممرض يعيش في إحدى قرى ريف إدلب، يقول: "أواجه حالات كثيرة أعلم أنّني لا أملك الخبرة الكافية للتعامل معها. لكنّني لا أستطيع الانسحاب. الشهر الماضي على سبيل المثال، استدعيت لإسعاف أحد المصابين. كانت جروحه عميقة، ولم أستطع الاعتذار عن رتقها بسبب توسلات أهله. لم أكن أملك الأدوات اللازمة للتعامل مع الجروح وإزالة الشظايا، فقمنا بتعقيم بعض المتوفّر في طنجرة ضغط، واستخدمنا بعض القماش لعدم كفاية الشاش المعقّم. كان عليّ أن أتدبّر كلّ شيء، ريثما يبحث أفراد عائلته عن طبيب في القرى المجاورة". يضيف: "كنت أتصبّب عرقاً وينتابني خوف كبير من إيذاء أوردة ساقه أو أعصابها. فعلت ما في وسعي إلى أن تمكّنت العائلة من نقله إلى أحد المستشفيات الحدودية بعد توقّف النزيف".
من جهة أخرى، يخبر أبو صلاح أنّه "قبل أيام، طُلب منّي نزع سياخ من قدم طفلة مجبّرة، بعدما اعتذر المركز الطبي في القرية المجاورة عن استقبالها نتيجة كثرة الحالات الحرجة. قبلت بسبب الإلحاح الشديد ولأنّ الحالة لم تكن خطرة جداً. لكنّني اضطررت إلى استخدام أدوات لتصليح السيارات من أحد جيراننا، للتعامل مع الأسياخ". ويشير إلى أنّه يبلغ من العمر اليوم 55 عاماً، "وعلى مدى 30 سنة في التمريض، لم اضطر إلى التعامل مع الحالات التي أتعامل معها اليوم".