وأوضح شكري في تصريحات تلفزيونية، أن "مصر لم تتلقَ رداً من البلدين على الدعوة، وبالتالي نفقد فرصة أخرى لتنفيذ التكليف الصادر عن القادة"، في إشارة إلى الاتفاق السابق بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والسوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين خلال لقائهم الثلاثي في أديس أبابا على هامش القمة الأفريقية الأخيرة. وقال شكري إن بلاده "بذلت كل جهد وتفاوضت بحسن نية وتقدير لمصالح الشركاء"، رافضاً اتهام مصر بأنها عرقلت المباحثات، أو تحدثت عن اتفاق النيل لعام 1959.
واللافت أن تصريحات شكري التي تحمل الكثير من التشاؤم حول مصير التنسيق الثلاثي بشأن قضية السد الإثيوبي، جاءت بعد ساعات من تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، عن رفض السودان أي محاولة مصرية لـ"طمس الهوية السودانية لمثلث حلايب وشلاتين الحدودي المتنازع عليه"، معلناً أن بلاده تقدّمت بثلاث شكاوى إلى الأمم المتحدة ضد مصر بسبب إجراءات حكومية اتخذتها الأخيرة "لترسيخ سيطرتها على المثلث قبل انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة".
وتسير تصريحات غندور عكس التيار الرسمي المعلن بين البلدين لتطوير العلاقات بينهما على خلفية اللقاءات المتكررة بين السيسي والبشير في الأشهر الأخيرة، وصولاً لاستقباله رسمياً في القاهرة في 19 مارس/ آذار الماضي في زيارة غلب عليها الطابع الاحتفالي، تعمّد خلالها الطرفان تجاهل قضية حلايب تماماً.
واعتبرت مصادر دبلوماسية مصرية أن "تصريحات غندور تأتي في سياق الضغط على مصر إعلامياً لتحقيق مكاسب في اللقاءات المباشرة" التي ستعقد بين ممثلي البلدين على الصعيدين الدبلوماسي والاستخباراتي، فضلاً عن "محاولة تبرير الموقف السوداني من قضية سد النهضة، والذي ما زال يصبّ في مصلحة إثيوبيا".
وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ "الشكاوى التي رفعتها السودان لا يمكن أن تؤثر على مصر سلباً إلا في حالة الاتفاق الثنائي بين البلدين للجوء للتحكيم الدولي، وهو ما لم يحدث حتى الآن"، مؤكداً أن مصر "سبق وأرسلت إلى الأمم المتحدة في تسعينيات القرن الماضي خريطة بنقاط الحدود البحرية الخاصة بها في البحر الأحمر، ومنها أجزاء مثلث حلايب وشلاتين، ما يعني أن الأمم المتحدة لديها الآن خريطتان متباينتان بشأن المثلث، وهو ما يؤكد التنازع على تبعيته، لكن المنظمة الدولية لا تستطيع التدخل في هذا الشأن إلا بالتوافق بين الدولتين المتنازعتين".
وأشارت المصادر إلى أن "البشير يحاول بطرق شتى منذ سنتين الربط بين تنازل مصر عن مثلث حلايب، مقابل أن يؤدي السودان دوراً استراتيجياً لمصلحة مصر في أزمة سد النهضة، اعتماداً على أن بلاده لن تتضرر البتة من بناء السد، نظراً لوجود مصدر آخر لمياه النيل".
من جهته، كشف مصدر حكومي مطلع أن "الدائرة الخاصة بالسيسي كلّفت الأحزاب والمبادرات الشعبية ووسائل الإعلام التابعة لها بعدم التركيز على إجراءات الانتخابات الرئاسية الأخيرة في حلايب وشلاتين، وذلك ارتباطاً باتفاق سري توصّل إليه الجانبان خلال الاجتماعات التي ضمت وزيري الخارجية ومديري الاستخبارات في البلدين، باعتبار أن تضخيم مسألة المشاركة الانتخابية في حلايب وشلاتين – كما كانت العادة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المصرية – لإثبات سيادة القاهرة على المثلث المتنازع عليه، أمر يساهم في زيادة التوتر، خصوصاً بعد الشكاوى التي تقدّمت بها السودان سلفاً، وتم الكشف عنها رسمياً أخيراً".
وذكر المصدر أنه "رغم خفوت التغطية الإعلامية للاستحقاق الانتخابي في المثلث الحدودي، إلا أنّ الأجهزة السيادية كانت حريصة على رفع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، ووصلت هذه النسبة في حلايب إلى 58 في المائة تقريباً، حيث شارك 2400 مواطن من إجمالي 4200، بينما سجّلت المشاركة في شلاتين نسبة 42 في المائة بحضور 3900 مواطن من إجمالي 9 آلاف تقريباً".
وعلى الرغم من الاتفاق المعلن بين السيسي والبشير على التهدئة وعدم استخدام وسائل الإعلام في التصعيد، إلّا أنّ التصريحات الرسمية المتبادلة تعبر عن هشاشة ذلك الاتفاق واستمرار التوتر، خصوصاً بسبب قضيتي مثلث حلايب وسدّ النهضة، وبدرجة أقل الموقف المصري من جنوب السودان وتأييد حصولها على عضوية الجامعة العربية، وملف المواطنين السودانيين المحبوسين في مصر في قضايا التنقيب عن الذهب والتسلل الحدودي، وملف المصريين الهاربين من قضايا جنائية إلى السودان.