تصريح رسمي يزعزع العلاقة الأفغانية ـ الباكستانية

25 نوفمبر 2014
دخل مشرف على خط الأزمة الجديدة (فاروق نعيم/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت تصريحات مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية والأمن القومي، سرتاج عزيز، جدلاً في باكستان وأفغانستان، حين أكد أن "بلاده لن تقوم بأي عمل ضد الجماعات المسلّحة التي لا تهدد أمن باكستان". وأشار عزيز إلى أن "حركة طالبان أفغانستان مشكلة أفغانية، وأن شبكة حقاني جزء منها، وعلى الحكومة الأفغانية التصدّي لهما، ولكل الجماعات الناشطة ضدها في أفغانستان".

وجاءت هذه التصريحات في أعقاب زيارة هامة للرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، إلى إسلام آباد، والتي اعتُبرت خطوة مهمة لحلحلة الأزمة الأمنية التي يعاني منها البلدان منذ أعوام. واتفق الطرفان خلال الزيارة على التعاون بينهما لمواجهة كافة الجماعات المسلّحة، التي تُشكّل خطراً على أمن البلدين والمنطقة. لذلك أثارت تصريحات عزيز الأخيرة استغراب الجميع، وأعربت مختلف الأطراف السياسية الباكستانية عن قلقها من تصريحاته، ووصفتها بأن "لا داعي لها".

وفي هذا الشأن يقول وزير الخارجية السابق والقيادي في "حركة الإنصاف"، شاه محمود قرشي، إن "تصريحات عزيز خيّبت آمال الجميع، وأضاعت جهود الجيش والحكومة الباكستانية، التي بُذلت من أجل تحسين العلاقات مع دول الجوار". وطالب قرشي الحكومة باتخاذ موقف فوري حيال تصريحات عزيز المثيرة للجدل، والتي ستنعكس سلباً على العلاقات الأفغانية الباكستانية.

كما اعتبر حزب "الشعب الباكستاني"، الذي يتزعمه الرئيس الباكستاني السابق آصف زرداري، تصريحات عزيز ضربة قوية لموقف باكستان، إزاء ما تشهده من تطورات متسارعة. وكشف الحزب عن عزمه تقديم قرار أمام مجلس الشيوخ في جلسته المقبلة، لإدانة تصريحات عزيز.

ولم تنتهِ الأمور هنا، إذ تعرّضت الخارجية الباكستانية لضغوط متزايدة، ما دفعها إلى إصدار بيان، أكدت فيه أن "تصريحات سرتاج عزيز جاءت في سياق سرد الخلفية التاريخية للجماعات المسلحة، وما جرى في المناطق القبلية بعد سقوط حكومة طالبان. لم تكن ترغب باكستان، في حينه، استخدام القوة ضد الجماعات، التي لم تكن تشكّل خطراً على أمنها آنذاك".

وكشفت أن "تصريحات عزيز لم تكن تتحدث عن موقف باكستان الحالي، إذ إن إسلام آباد قررت العمل مع كابول ضد جميع الجماعات المسلّحة، وهو ما توصل إليه البلدان خلال زيارة الرئيس الأفغاني الأخيرة لإسلام آباد".

بدوره، أجرى عزيز اتصالاً هاتفياً بنظيره الأفغاني حنيف أتمر، ليوضح موقفه إزاء تصريحاته بشأن الجماعات المسلحة، التي لا تنشط في باكستان، تحديداً حركة "طالبان أفغانستان" و"شبكة حقاني". وأكد عزيز أن "موقف حكومته الحالي هو التعاون مع أفغانستان ضد جميع التنظيمات المسلحة من دون استثناء، وعدم السماح للمسلحين باستخدام أراضيهما لمواجهة بعضهم البعض".

وعلى الرغم من التوضيحات المتكررة، فقد كانت ردود الفعل في أفغانستان أكثر حدة. فصنّف أعضاء في مجلس الشيوخ الأفغاني تصريحات عزيز، كـ"الموقف الحقيقي لباكستان". وجزم بعضهم بأن "باكستان لن تعمل ضد الجماعات المسلحة التي تتخذ قواعد من أراضيها، لانطلاق عملياتها المسلّحة داخل أفغانستان".

وعلّق الإعلامي الأفغاني سميع يوسفزاي، على ردّ فعل الجانب الأفغاني، بالقول إن "تصريحات عزيز، خيّبت آمال الأفغان، خصوصاً أنهم كانوا ينتظرون تعاون باكستان، أو بالأحرى الجيش والاستخبارات الباكستانية مع كابول، من أجل حلّ المعضلة الأمنية التي تعاني منها بلادهم منذ عقود".

أما الحكومة الأفغانية فقد أصدرت بياناً، ذكرت فيه أن "كابول متمسكة بموقفها حيال الجماعات المسلّحة، وأنها تتطلع إلى تعاون إسلام آباد معها، إذ إن ظاهرة التسلّح تهدد أمن المنطقة برمتها، لا أمن دولة بعينها". وأعرب البيان عن ارتياح الحكومة للتوضيحات الباكستانية، في شأن تصريحات عزيز.

وعلى الرغم من كل ذلك، اعتبر مراقبون أن "تصريحات عزيز، ستلقي بظلالها القاتمة على العلاقات الأفغانية الباكستانية، لا سيما إذا ما تزايدت هجمات حركة طالبان والجماعات المسلّحة، التي كانت تتهم كابول إسلام آباد بدعمها والوقوف خلفها".

ووسط هذا كلّه، خرج الرئيس الباكستاني السابق الجنرال المتقاعد برويز مشرف، ليعلن أن "حرباً بالإنابة بين إسلام آباد ونيودلهي ستبدأ في أفغانستان، بعد الانسحاب الدولي منها نهاية العام الحالي". وأوضح مشرف، أن "الهند تقف بجانب الأقليات العرقية في أفغانستان، كما أن باكستان ستدعم الأقلية البشتونية التي تشكل الأكثرية في البلاد، وبالتالي ستتحول أفغانستان إلى ميدان حرب بالإنابة بين الهند وباكستان".

وزادت تصريحات مشرف الطين بلّة، مثيراً غضب الأفغان، إلى درجة أن الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، كان أول من ردّ على تصريحاته، أثناء زيارته العاصمة الهندية نيودلهي، وقال إن "بلاده لن تسمح لأحد بأن يستخدم أراضيها ضد أي دولة أخرى". وأضاف كرزاي أن "ما قاله مشرف عن أن الأقلية البشتونية ستدافع عن مصالح باكستان، هو إساءة فادحة لأكبر الأقليات الأفغانية".

ولم يكن كرزاي الوحيد الذي أعرب عن غضبه حيال تصريحات مشرف، بل إن كثيرا من الإعلاميين والسياسيين وأعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ، دانوا تصريحات مشرف، الذي يُحاكم حالياً بتهمة "إهانة الدستور". وطالبوا قيادتي البلدين بالابتعاد عن تصريحات ومواقف، من شأنها التأثير سلباً على العلاقات بين الجارتين، إذا كانا يسعيان فعلاً إلى العمل معاً من أجل إخراج البلدين والمنطقة من المأزق الأمني.
المساهمون