04 مايو 2017
تصفير الإسلام السياسي..
فك الارتباط بين الدعوي والسياسي الذي بادرت إليه حركة النهضة التونسية أخيراً، خطوة مهمة في طريق "تصفير" الإسلام السياسي. لكن ذلك التصفير (أي تصفية الحمولة الأيديولوجية لتأويلٍ يضمر فهماً للإسلام ذي نزعة مغتربة عن المجتمع ومعادية للدولة) سيكون بمثابة مواجهة اضطرارية قادمة من صراع التناقضات في الحركة الإسلامية، وهو صراع سيعكس اهتزازاتٍ، وربما تصدّعات، قريبة ومنتظرة داخل جماعة الإخوان المسلمين، بتعدّد فروعها، مع هذا الزلزال الذي أحدثته حركة النهضة. وفيما بدا الوعي بخطورة الإسلام السياسي ومأزقه واضحاً للجميع، إثر الانسدادات التي نجمت عن تطبيقاته الدولتية الهشة والمدمرة (السودان نموذجاً)، مع ذلك، فإن مواجهة فك الارتباط ستكون استحقاقاً عسيراً، وربما مدمراً، لجماعة الإخوان المسلمين؛ لأن أي مقاربةٍ نقديةٍ لهذه الجماعة حيال فكّ الارتباط بين الدعوي والسياسي، كما فعلت "النهضة"، سيضعها أمام مبرّر وجودها نفسه، فالجماعة التي جعلت من اسم "الدعوة" رديفاً ودالاً عليها (كان عنواناً لمجلتها الشهيرة في مصر السبعينيات) لن يمرّ عليها هذا الزلزال بسلام، فيما لو جرت داخلها مراجعاتٌ حقيقيةٌ حول خيار "النهضة".
فك الارتباط بين الدعوي والسياسي الذي بادرت إليه حركة النهضة يعني، في جوهره، إسقاطاً للأيدولوجيا الإسلاموية المؤسسة لاغتراب الجماعة في المجتمع، كما يعني، في الوقت نفسه، تصالحاً مع نظم إدراك معرفية مختلفة لوعي المجتمع والدولة، بما يجعل من الحركة جزءاً منهما (المجتمع والدولة) لا متعالياً عليهما، أو منفصلا عنهما. وتلك هي الدلالة السياسية واللغوية لمفهوم الحزب. هذا ما لن يقبل به "الإخوان المسلمون" إلا بتسويق الشعارات الدعائية فقط. لكن، عند المحك الحقيقي الذي يضعهم أمام استحقاقاتٍ معرفيةٍ جديدةٍ لمقاربة قضايا الواقع المعقد، لا تجد لهم أي قدرةٍ على مواجهة مثل هذه التحدّيات الحقيقية، ذلك أن هذا التحدّي الذي تطرحه "النهضة" على نموذج "الإخوان المسلمين" أصبح اليوم لا يقبل المراوغة أو التأجيل، لأنه بمثابة إعلانٍ عن بدايةٍ لمسار جديد واضطراري، على منظومة جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية. وإذا ما حاول "الإخوان" تجاهل هذا الاستحقاق، فإن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت، إذ سرعان ما ستكتشف حركة النهضة مدى "الاغتراب" الذي عاشته في ظل الأيدولوجيا التأويلية لوهم حيازة "الإسلام الصحيح والشامل" طوال سنواتها الماضية عن بقية المسلمين في تونس، وإلى أي مدىً كان لتلك الأيدولوجيا انعكاسات أسّست لذلك الاغتراب، وجعلت منه مانعاً موضوعياً من رؤية الواقع والمجتمع والدولة من ناحية، وسبباً لبناء هوية انشقاقية داخل المجتمع نفسه، وضد الدولة، من ناحية ثانية.
والحال أن هذه الأطروحة الجديدة لحركة النهضة لن تؤدي فقط إلى اكتشاف حيثياتٍ موضوعيةٍ
كثيرة في مقاربات العمل السياسي من داخل الانتظام الوطني للدولة التونسية فحسب، بل وكذلك ربما تعيد، من خلاله، تعريفاً جديداً للإسلام، أو إعادة اكتشاف هويةٍ جديدةٍ في مقاربة وعي الإسلام في الأزمنة الحديثة. المأزق الضروري الذي يجعل من الدعوة نقيضاً للسياسة في بنية الوعي النسقي للإخوان المسلمين، لاسيما بعد وصولهم إلى الحكم في أكثر من دولة عربية، هو مبرّر ذلك العجز الذي يضعهم باستمرار متخبطين في رهان الأيدولوجيا، ومن ثم غير قادرين على نزع وهم "حيازة الفهم الصحيح والشامل للإسلام"، وما تضخه المفاعيل المدمرة لذلك الوهم، حين يصطدم بحقائق الواقع والعالم من حولهم.
سوف تختبر "النهضة" تجريباً جديداً في العمل السياسي، ستسقط معه كثير من خطوط الوهم الأيديولوجي والأفكار الفئوية، وستكتشف بالتجربة بُعد المسافة التي تفصلها عن "الإخوان المسلمين". فقد بدأت الحركة التونسية في الخروج من برزخ الإسلام السياسي، وذلك، في تقديرنا، جزء من مسار العقلنة والتدبير المعرفي لإشكالات واقعٍ معقدٍ، لم يعد في وسع منظومات الأيدولوجيا الفقيرة لـ"الإخوان المسلمين" قدرة على الخروج من إكراهاته.
وقد ظلّ الإسلام السياسي، في جوهره، هوية أيدولوجيةً جديدةً ومفارقةً لفهم الإسلام ضمن سويةٍ معرفيةٍ مقاصديةٍ، تتفهم شروط العالم الحديث، ونظم إدراكه والبنيات المؤسسة للانتظام الموضوعي في الحياة المعاصرة. لذلك، كانت كلفة الفهم الأيدولوجي لحركات الإسلام السياسي باهظة في التجارب الدولتية الهشة. ولعل هذا الفصل الذي تبنته "النهضة" بين الدعوي والسياسي يؤسّس لمراجعاتٍ عاصفةٍ في بقية حركات الإسلام السياسي.
كتب صاحب هذه السطور في "العربي الجديد"، قبل نحو عامين (14 /10 /2014) إن الانتخابات التونسية الأخيرة "ربما كانت سبباً للمراجعات النظرية العميقة في الانسداد الذي أفضت إليه، والذي يمكن أن تفضي إليه الاجتهادات الناقصة لتجارب الإسلام السياسي في المنطقة العربية برمتها، ومما يساعد على ذلك أن في داخل حركة النهضة أصوات تعزز هذا الاتجاه، عبد الفتاح مورو نموذجاً"... ويبدو أن تلك الأصوات قد انتصرت في المؤتمر العاشر لحركة النهضة بالخروج من الإسلام السياسي.
فك الارتباط بين الدعوي والسياسي الذي بادرت إليه حركة النهضة يعني، في جوهره، إسقاطاً للأيدولوجيا الإسلاموية المؤسسة لاغتراب الجماعة في المجتمع، كما يعني، في الوقت نفسه، تصالحاً مع نظم إدراك معرفية مختلفة لوعي المجتمع والدولة، بما يجعل من الحركة جزءاً منهما (المجتمع والدولة) لا متعالياً عليهما، أو منفصلا عنهما. وتلك هي الدلالة السياسية واللغوية لمفهوم الحزب. هذا ما لن يقبل به "الإخوان المسلمون" إلا بتسويق الشعارات الدعائية فقط. لكن، عند المحك الحقيقي الذي يضعهم أمام استحقاقاتٍ معرفيةٍ جديدةٍ لمقاربة قضايا الواقع المعقد، لا تجد لهم أي قدرةٍ على مواجهة مثل هذه التحدّيات الحقيقية، ذلك أن هذا التحدّي الذي تطرحه "النهضة" على نموذج "الإخوان المسلمين" أصبح اليوم لا يقبل المراوغة أو التأجيل، لأنه بمثابة إعلانٍ عن بدايةٍ لمسار جديد واضطراري، على منظومة جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية. وإذا ما حاول "الإخوان" تجاهل هذا الاستحقاق، فإن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت، إذ سرعان ما ستكتشف حركة النهضة مدى "الاغتراب" الذي عاشته في ظل الأيدولوجيا التأويلية لوهم حيازة "الإسلام الصحيح والشامل" طوال سنواتها الماضية عن بقية المسلمين في تونس، وإلى أي مدىً كان لتلك الأيدولوجيا انعكاسات أسّست لذلك الاغتراب، وجعلت منه مانعاً موضوعياً من رؤية الواقع والمجتمع والدولة من ناحية، وسبباً لبناء هوية انشقاقية داخل المجتمع نفسه، وضد الدولة، من ناحية ثانية.
والحال أن هذه الأطروحة الجديدة لحركة النهضة لن تؤدي فقط إلى اكتشاف حيثياتٍ موضوعيةٍ
سوف تختبر "النهضة" تجريباً جديداً في العمل السياسي، ستسقط معه كثير من خطوط الوهم الأيديولوجي والأفكار الفئوية، وستكتشف بالتجربة بُعد المسافة التي تفصلها عن "الإخوان المسلمين". فقد بدأت الحركة التونسية في الخروج من برزخ الإسلام السياسي، وذلك، في تقديرنا، جزء من مسار العقلنة والتدبير المعرفي لإشكالات واقعٍ معقدٍ، لم يعد في وسع منظومات الأيدولوجيا الفقيرة لـ"الإخوان المسلمين" قدرة على الخروج من إكراهاته.
وقد ظلّ الإسلام السياسي، في جوهره، هوية أيدولوجيةً جديدةً ومفارقةً لفهم الإسلام ضمن سويةٍ معرفيةٍ مقاصديةٍ، تتفهم شروط العالم الحديث، ونظم إدراكه والبنيات المؤسسة للانتظام الموضوعي في الحياة المعاصرة. لذلك، كانت كلفة الفهم الأيدولوجي لحركات الإسلام السياسي باهظة في التجارب الدولتية الهشة. ولعل هذا الفصل الذي تبنته "النهضة" بين الدعوي والسياسي يؤسّس لمراجعاتٍ عاصفةٍ في بقية حركات الإسلام السياسي.
كتب صاحب هذه السطور في "العربي الجديد"، قبل نحو عامين (14 /10 /2014) إن الانتخابات التونسية الأخيرة "ربما كانت سبباً للمراجعات النظرية العميقة في الانسداد الذي أفضت إليه، والذي يمكن أن تفضي إليه الاجتهادات الناقصة لتجارب الإسلام السياسي في المنطقة العربية برمتها، ومما يساعد على ذلك أن في داخل حركة النهضة أصوات تعزز هذا الاتجاه، عبد الفتاح مورو نموذجاً"... ويبدو أن تلك الأصوات قد انتصرت في المؤتمر العاشر لحركة النهضة بالخروج من الإسلام السياسي.