20 أكتوبر 2024
تطويق إيران بتهديد لبنان
أن تعيش في بلدٍ، مثل لبنان، في الوقت الحالي، معناه العيش تحت سيف تهديدين مصيريين: عسكري، وهو احتمال نشوب حرب مدمرة مع إسرائيل في أية لحظة. واقتصادي، يأخذ شكل أزمة معيشية خانقة، نتيجة سوء السياسات الاقتصادية في البلد، والفساد الحكومي، وجشع حيتان المال، بالإضافة إلى تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، بسبب استمرار الحرب الأهلية في سورية وتفاقم أزمة اللاجئين السوريين.
تعوّد اللبنانيون العيش في ظل نشوب حرب ضد إسرائيل، وعاشوا جحيمها، ودفعوا ثمنها من حياتهم وأرزاقهم في الغزو الإسرائيلي سنة 1982، وفي عمليتي "تصفية الحساب" سنة 1993 و"عناقيد الغضب" 1996، وصولاً إلى حرب تموز 2006 التي تركت بصماتها الدامية على حياة اللبنانيين كلهم، لكنها أحدثت نوعاً من "توازن رعب"، أو بالأحرى توازن ردع، شكل مظلة واقية حتى الآن من خطر نشوب مواجهاتٍ أخرى مدمرة، وسمح للبنانيين بالتقاط أنفاسهم، والعيش في ظل هدوء هش، لكنه ثابت. ومع ارتفاع لهجة التهديدات الإسرائيلية اليومية ضد حزب الله ولبنان كله، والردود التصعيدية لزعماء الحزب في لبنان، والتحذيرات الإسرائيلية المتكرّرة من مغبة تمركز عسكري إيراني في سورية، وأجواء التوتر بين إدارة دونالد ترامب وإيران على خلفية الاتفاق النووي، يبدو أننا إزاء مرحلة مختلفة، وأن الهدوء الهش الذي ساد الحدود اللبنانية الفلسطينية أكثر من عقد يوشك على الانتهاء.
يعيش المواطن اللبناني حالياً على وقع الحديث عن احتمال اندلاع حرب ثالثة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، ستكون مختلفة عن سابقاتها. يؤكد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أنها ستدور على أكثر من جبهة، وستأخذ شكل مواجهة إقليمية غير مسبوقة، سيدفع الشعب الإسرائيلي ثمنها الباهظ. ويهوّل المسؤولون العسكريون والسياسيون في إسرائيل بأنها ستكون حرباً حاسمة، ليس ضد حزب الله فحسب، بل أيضاَ ضد الجيش اللبناني الذي في
نظرهم أصبح جزءاً من منظومة الحزب، والدولة اللبنانية وجمهور حزب الله واللبنانيين كلهم.
يتعرّض اللبنانيون، يوميا، إلى عملية غسيل دماغ وتلاعب بالحقائق، وتبقى الأسئلة الكبيرة تقضّ مضاجع الجميع: هل الحرب فعلاً واقعة لا محالة؟ وهل حزب الله مستعد في المرحلة الحالية للمخاطرة بالدخول في مواجهة عسكرية مع الجيش الإسرائيلي؟ وما مدى جدية التخطيط الإسرائيلي لحربٍ قريبة، تعيد بواسطتها خلط الأوراق، وترسخ موازين قوى جديدة؟ وما علاقة التهديد الإسرائيلي المتصاعد بالوجود العسكري الإيراني في سورية؟ وأي صلة تربط ذلك كله بدعوات الرئيس دونالد ترامب إلى إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران، وبمعاودة الضغط الأميركي على إيران، الرامي إلى كبح مطامعها التوسعية في المنطقة.
ما هو مؤكد حتى الآن أنه خلال السنوات التي كان فيها حزب الله يقاتل في سورية، وضع قائد أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، استراتيجية عسكرية جديدة لعمل الجيش الإسرائيلي، بالاستناد إلى دروس حرب تموز في لبنان، وإلى المواجهات العسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة. وأرسى عقيدة عسكرية تقوم، بصورة أساسية، على الربط والتنسيق الشديد العملاني والاستخباراتي بين مختلف أذرع الجيش الجوية والبحرية والبرية في أي عمل عسكري مستقبلي، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية القيام بتوغلات برية محدودة، لوقت قصير، للتأكد من القضاء على قدرات الخصم، بالإضافة إلى تطوير وسائل دفاعية جديدة فعالة عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وإعداد خطط سريعة لإجلاء المدنيين، والتصدّي لهجمات صاروخية مكثفة على التجمعات السكانية في قلب إسرائيل والبنى التحتية الحساسة.
وخلال تلك السنوات أيضاَ، راكم حزب الله خبرة قتالية كبيرة من خلال مشاركته في الحرب الأهلية السورية، وبات يتقن خوض مواجهاتٍ جبهويةٍ وأساليب قتالية معقدة، مستخدماً أسلحة متطورة وتشكيلات عسكرية تشبه ما هو موجود في الجيش النظامي، من حيث القيادة الدقيقة الهرمية والأسلحة المستخدمة والخطط العسكرية.
طوال سنوات الحرب الأهلية في سورية، انتهجت إسرائيل سياسة الخطوط الحمراء، وحرصت
على عدم التدخل في الصراع الدائر، إلا إذا خرقت هذه الخطوط أي انتقال سلاح كاسر للتوازن إلى حزب الله، أو القيام بعمل استفزازي ضدها، أو تهديد حدودها. وعلى الرغم من مشاركته في الحرب السورية، واصل الحزب بناء قوته العسكرية والتزود بسلاح متطور وصواريخ أكثر دقة استعداداَ للمواجهات المقبلة. وتصدت إسرائيل لعملية التسلح هذه من خلال شن هجمات عديدة على شحنات للسلاح، ادّعت أنها كانت في طريقها إلى الحزب، أو قصفت منشآت وأهدافا داخل سورية. لكن حتى الآن، لم يعتبر المسؤولون الإسرائيليون تعاظم القوة العسكرية لحزب الله ذريعة لشن حرب جديدة عليه، طالما أنه لم يخرق قواعد اللعبة.
يؤدي هذا كله إلى الاستنتاج أن إسرائيل هي الطرف الذي يؤجج الحديث عن الحرب ودق طبولها في الوقت الراهن، من دون أن يكون لذلك صلة بتطورات عسكرية مستحدثة على الجبهة مع حزب الله، لكن قد يكون لها صلة بالإنجازات العسكرية التي حققها الحزب في سورية، بالتعاون مع إيران، وبصورة خاصة بالوجود العسكري الإيراني هناك.
إسرائيل معنية، قبل أي شيء آخر، بتطويق إيران في سورية، ومنع وجودها العسكري خارج المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، واقترابها من حدودها. ويمكن القول إن عنوان المرحلة الحالية هي مرحلة تطويق نشاط إيران في سورية والمنطقة، بالتهديدات الإسرائيلية بحرب وشيكة، ومحاولات الرئيس ترامب تعديل الاتفاق النووي، والضغط على إيران وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمهم حزب الله.
تعوّد اللبنانيون العيش في ظل نشوب حرب ضد إسرائيل، وعاشوا جحيمها، ودفعوا ثمنها من حياتهم وأرزاقهم في الغزو الإسرائيلي سنة 1982، وفي عمليتي "تصفية الحساب" سنة 1993 و"عناقيد الغضب" 1996، وصولاً إلى حرب تموز 2006 التي تركت بصماتها الدامية على حياة اللبنانيين كلهم، لكنها أحدثت نوعاً من "توازن رعب"، أو بالأحرى توازن ردع، شكل مظلة واقية حتى الآن من خطر نشوب مواجهاتٍ أخرى مدمرة، وسمح للبنانيين بالتقاط أنفاسهم، والعيش في ظل هدوء هش، لكنه ثابت. ومع ارتفاع لهجة التهديدات الإسرائيلية اليومية ضد حزب الله ولبنان كله، والردود التصعيدية لزعماء الحزب في لبنان، والتحذيرات الإسرائيلية المتكرّرة من مغبة تمركز عسكري إيراني في سورية، وأجواء التوتر بين إدارة دونالد ترامب وإيران على خلفية الاتفاق النووي، يبدو أننا إزاء مرحلة مختلفة، وأن الهدوء الهش الذي ساد الحدود اللبنانية الفلسطينية أكثر من عقد يوشك على الانتهاء.
يعيش المواطن اللبناني حالياً على وقع الحديث عن احتمال اندلاع حرب ثالثة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، ستكون مختلفة عن سابقاتها. يؤكد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أنها ستدور على أكثر من جبهة، وستأخذ شكل مواجهة إقليمية غير مسبوقة، سيدفع الشعب الإسرائيلي ثمنها الباهظ. ويهوّل المسؤولون العسكريون والسياسيون في إسرائيل بأنها ستكون حرباً حاسمة، ليس ضد حزب الله فحسب، بل أيضاَ ضد الجيش اللبناني الذي في
يتعرّض اللبنانيون، يوميا، إلى عملية غسيل دماغ وتلاعب بالحقائق، وتبقى الأسئلة الكبيرة تقضّ مضاجع الجميع: هل الحرب فعلاً واقعة لا محالة؟ وهل حزب الله مستعد في المرحلة الحالية للمخاطرة بالدخول في مواجهة عسكرية مع الجيش الإسرائيلي؟ وما مدى جدية التخطيط الإسرائيلي لحربٍ قريبة، تعيد بواسطتها خلط الأوراق، وترسخ موازين قوى جديدة؟ وما علاقة التهديد الإسرائيلي المتصاعد بالوجود العسكري الإيراني في سورية؟ وأي صلة تربط ذلك كله بدعوات الرئيس دونالد ترامب إلى إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران، وبمعاودة الضغط الأميركي على إيران، الرامي إلى كبح مطامعها التوسعية في المنطقة.
ما هو مؤكد حتى الآن أنه خلال السنوات التي كان فيها حزب الله يقاتل في سورية، وضع قائد أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، استراتيجية عسكرية جديدة لعمل الجيش الإسرائيلي، بالاستناد إلى دروس حرب تموز في لبنان، وإلى المواجهات العسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة. وأرسى عقيدة عسكرية تقوم، بصورة أساسية، على الربط والتنسيق الشديد العملاني والاستخباراتي بين مختلف أذرع الجيش الجوية والبحرية والبرية في أي عمل عسكري مستقبلي، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية القيام بتوغلات برية محدودة، لوقت قصير، للتأكد من القضاء على قدرات الخصم، بالإضافة إلى تطوير وسائل دفاعية جديدة فعالة عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وإعداد خطط سريعة لإجلاء المدنيين، والتصدّي لهجمات صاروخية مكثفة على التجمعات السكانية في قلب إسرائيل والبنى التحتية الحساسة.
وخلال تلك السنوات أيضاَ، راكم حزب الله خبرة قتالية كبيرة من خلال مشاركته في الحرب الأهلية السورية، وبات يتقن خوض مواجهاتٍ جبهويةٍ وأساليب قتالية معقدة، مستخدماً أسلحة متطورة وتشكيلات عسكرية تشبه ما هو موجود في الجيش النظامي، من حيث القيادة الدقيقة الهرمية والأسلحة المستخدمة والخطط العسكرية.
طوال سنوات الحرب الأهلية في سورية، انتهجت إسرائيل سياسة الخطوط الحمراء، وحرصت
يؤدي هذا كله إلى الاستنتاج أن إسرائيل هي الطرف الذي يؤجج الحديث عن الحرب ودق طبولها في الوقت الراهن، من دون أن يكون لذلك صلة بتطورات عسكرية مستحدثة على الجبهة مع حزب الله، لكن قد يكون لها صلة بالإنجازات العسكرية التي حققها الحزب في سورية، بالتعاون مع إيران، وبصورة خاصة بالوجود العسكري الإيراني هناك.
إسرائيل معنية، قبل أي شيء آخر، بتطويق إيران في سورية، ومنع وجودها العسكري خارج المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، واقترابها من حدودها. ويمكن القول إن عنوان المرحلة الحالية هي مرحلة تطويق نشاط إيران في سورية والمنطقة، بالتهديدات الإسرائيلية بحرب وشيكة، ومحاولات الرئيس ترامب تعديل الاتفاق النووي، والضغط على إيران وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمهم حزب الله.
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024