تنتشر سريعاً الدعوات إلى التظاهر والاعتصام والوقفات الاحتجاجية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تمتلئ الصفحات والحسابات بكثير من الشتائم التي تحطّ من قدر مجموعات بشرية كبيرة تبعاً لسلوك "ممثلين" مفترضين لها.
اليوم الثلاثاء بالذات، كان من المقرر أن ينظم اعتصام دعا مطلقوه الجميع "لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، ومن كلّ الجنسيات أو عدمها، إلى التضامن مع اللاجئين، والتضامن في ما بيننا، ضد التحول البوليسي الذي نشهده، ضد القمع والإذلال والمداهمات والاعتقال التعسفي والترهيب والقتل. والتضامن معاً ضد الإرهاب، كلّ الإرهاب، خصوصاً إرهاب الدولة". دعوة تلاقت معها دعوة أخرى إلى التظاهر على الأساس نفسه وفي المكان والزمان نفسهما، لكنّ الدعوة تابعة لجهة منظمة مختلفة.
الدعوتان أثارتا دعوة مضادة من جهات كثيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للنزول في الزمان والمكان نفسهما "دعماً للجيش اللبناني" ورداً على الدعوتين الأولين.
التصادم كبير جداً عبر الفضاء الإلكتروني والشحن أكبر، وكلّ مشارك فيه يتعامل مع الآخر بتمييز واضح يشظّي الهوية الواحدة إلى هويات عديدة، مذهبية في الغالب. وإذا كانت هناك تهديدات متبادلة باستخدام العنف، فأقلّ ما يمكن أن يُظنّ بها أنّها يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، فالعنف بات أمراً واقعاً في كثير من الأحيان، سواء من المواطنين أنفسهم أو من الأجهزة الأمنية وصولاً إلى الإعلاميين والسياسيين في مناظراتهم التلفزيونية التي تجلب الكثير من الجمهور.
لكن، بعيداً عن ظاهر الأمور الذي يكشف كلّ هذا الجدل، وبعيداً عن فكرة التآمر حول التنظيم والتنظيم المضاد، مهما كانت هويات الجهات المنظمة، فإنّ ذلك لا يخفي التفاعل الكبير جداً عبر تلك الصفحات مع ما في ذلك من بثّ للفرقة والبغضاء بين المستخدمين المختلفين أساساً في المشارب، لكن المتفقين في معظمهم على آداب سيئة جداً للحوار لا يبدو أنّها تدخل في خانة "الأدب" بمفهومه الإيجابي الغالب في التراث العربي.
كذلك، يثير مثل هذا الغليان البشري تساؤلاً بسيطاً يناقض كلّ ما يغلي لأجله: لماذا لا نجد مثله في ما يخص القضايا الحقوقية الحقيقية فعلاً والتي تمسّ إنسانية الإنسان بمختلف أبعادها؟
لعلّ أحد التفسيرات أنّ الناس يحتاجون إلى متنفس، والمتنفس الأفضل الذي يريحهم من الاحتقان الحاصل في انتهاك حقوقهم هو كالعادة تمييزي؛ ديني، أو مذهبي، أو وطني، أو مناطقي بحسب المرحلة.
هو ذلك المخدّر الذي لا ينضب مفعوله، ولا تنتهي موضته. لكنّ لمن يستخدمه على الناس حكاية أخرى تبقيه متسلّطاً عليهم أبد الدهر، بينما يستمرون في الهتاف له وفدائه بالروح والدم.
اقــرأ أيضاً
اليوم الثلاثاء بالذات، كان من المقرر أن ينظم اعتصام دعا مطلقوه الجميع "لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، ومن كلّ الجنسيات أو عدمها، إلى التضامن مع اللاجئين، والتضامن في ما بيننا، ضد التحول البوليسي الذي نشهده، ضد القمع والإذلال والمداهمات والاعتقال التعسفي والترهيب والقتل. والتضامن معاً ضد الإرهاب، كلّ الإرهاب، خصوصاً إرهاب الدولة". دعوة تلاقت معها دعوة أخرى إلى التظاهر على الأساس نفسه وفي المكان والزمان نفسهما، لكنّ الدعوة تابعة لجهة منظمة مختلفة.
الدعوتان أثارتا دعوة مضادة من جهات كثيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للنزول في الزمان والمكان نفسهما "دعماً للجيش اللبناني" ورداً على الدعوتين الأولين.
التصادم كبير جداً عبر الفضاء الإلكتروني والشحن أكبر، وكلّ مشارك فيه يتعامل مع الآخر بتمييز واضح يشظّي الهوية الواحدة إلى هويات عديدة، مذهبية في الغالب. وإذا كانت هناك تهديدات متبادلة باستخدام العنف، فأقلّ ما يمكن أن يُظنّ بها أنّها يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، فالعنف بات أمراً واقعاً في كثير من الأحيان، سواء من المواطنين أنفسهم أو من الأجهزة الأمنية وصولاً إلى الإعلاميين والسياسيين في مناظراتهم التلفزيونية التي تجلب الكثير من الجمهور.
لكن، بعيداً عن ظاهر الأمور الذي يكشف كلّ هذا الجدل، وبعيداً عن فكرة التآمر حول التنظيم والتنظيم المضاد، مهما كانت هويات الجهات المنظمة، فإنّ ذلك لا يخفي التفاعل الكبير جداً عبر تلك الصفحات مع ما في ذلك من بثّ للفرقة والبغضاء بين المستخدمين المختلفين أساساً في المشارب، لكن المتفقين في معظمهم على آداب سيئة جداً للحوار لا يبدو أنّها تدخل في خانة "الأدب" بمفهومه الإيجابي الغالب في التراث العربي.
كذلك، يثير مثل هذا الغليان البشري تساؤلاً بسيطاً يناقض كلّ ما يغلي لأجله: لماذا لا نجد مثله في ما يخص القضايا الحقوقية الحقيقية فعلاً والتي تمسّ إنسانية الإنسان بمختلف أبعادها؟
لعلّ أحد التفسيرات أنّ الناس يحتاجون إلى متنفس، والمتنفس الأفضل الذي يريحهم من الاحتقان الحاصل في انتهاك حقوقهم هو كالعادة تمييزي؛ ديني، أو مذهبي، أو وطني، أو مناطقي بحسب المرحلة.
هو ذلك المخدّر الذي لا ينضب مفعوله، ولا تنتهي موضته. لكنّ لمن يستخدمه على الناس حكاية أخرى تبقيه متسلّطاً عليهم أبد الدهر، بينما يستمرون في الهتاف له وفدائه بالروح والدم.