نجحت المعارضة السورية في إرباك حسابات القوات النظامية التي كانت تتوقع سهولة جبهة الريف الجنوبي، وذلك بعد الصلابة التي أظهرتها المعارضة في دفاعها عن مناطق سيطرتها. ومما عزز موقف المعارضة قطع "داعش" لطريق إمداد النظام من حماة إلى حلب، عبر السيطرة على ثلاثين كيلومتراً من طريق إثريا – خناصر، في وقت استفادت فيه قوات المعارضة من المعارك التي حدثت بين "داعش" والنظام لتسيطر على مزارع قرية خلصة والتلال الواقعة بعد قرية الحميرة بريف حلب الجنوبي، وتفتح منفذاً أمام قريتي السابقية والقراصي.
اقرأ أيضاً: تمدُّد "داعش" جنوبي حلب... تحت أنظار المقاتلات الروسية
أمام هذا الواقع، عمدت قوات النظام، عبر ماكينتها الإعلامية تحديداً، إلى تضخيم تقدمها في ريف حلب الجنوبي بهدف تعزيز الروح المعنوية لمقاتليها، إذ ذكرت، أنها فرضت السيطرة الكاملة على 50 قرية ومزرعة في ريف حلب الجنوبي، في مساحة تبلغ أكثر من 120 كيلومتراً مربعاً.
لكن سرعان ما تلقت قوات النظام ضربة جديدة، بعد هجوم "داعش" على أحياء من مدينة السفيرة في ريف حلب الجنوبي، أهم معقل لقوات النظام في المحافظة، وهو الهجوم الأول للتنظيم منذ أكثر من عام.
ونقلت وكالة "أعماق"، المقربة من "داعش" أخباراً تفيد سيطرة مقاتلي التنظيم على أحياء من مدينة السفيرة في ريف حلب الجنوبي بعد مواجهات أسفرت عن سقوط قتلى من قوات النظام ومليشيات الدفاع الوطني، حسب الوكالة.
وتعد السفيرة أهم معقل لقوات النظام السوري في محافظة حلب، إذ تُعتبر مؤسسة معامل الدفاع، وكتائب الدفاع الجوي المحيطة بها، من أهم المراكز الاستراتيجية للنظام، وتقع بالقرب من مدينة السفيرة على بعد نحو 40 كيلومتراً شرق حلب. وتضم المدينة مجموعة معامل لتصنيع الذخيرة والأسلحة، وتحتوي على مستودعات ذخيرة ضخمة، موجودة ضمن أنفاق في الجبال المحاذية لمعامل الدفاع. وتوجد كتائب دفاع جوي محيطة بالمنطقة لحماية هذه المؤسسة.
وتقع مدينة السفيرة على مسافة 25 كيلومتراً جنوب شرق حلب. ويبلغ عدد سكانها أكثر من مائة ألف نسمة، ما يجعلها واحدة من أكبر مدن محافظة حلب.
وكانت سيطرة قوات النظام على السفيرة قبل عامين، قد شكلت ضربة قوية لقوات المعارضة، إذ انهارت يومها خطوط الدفاع الشرقية لمحافظة حلب، وجعلها النظام بعد ذلك مقراً له. وبالتالي جاء هجوم تنظيم "داعش" الآن ليقلب الطاولة على النظام، ويفشل محاولته كسر الحصار عن مطار كويرس العسكري والكلية الفنية الجوية، فضلاً عن احتمال التقدم لقتال المعارضة في ريف حلب الجنوبي وحصار المدينة من الجهات كافة.
من هذا المنطلق، يمكن القول، إنها المرة الأولى التي قد تستفيد من خلالها قوات المعارضة من القتال الدائر بين النظام والتنظيم، وخصوصاً أنه من المرجح أن يدفع هجوم "داعش" الأخير القوات النظامية السورية لإلغاء معركتها في ريف حلب الجنوبي، فضلاً عن أن استنزاف الطرفين يمنح الوقت والراحة لقوات المعارضة لتنظيم صفوفها والقتال على جبهة واحدة في حال نجاح "داعش" في السيطرة على مدينة السفيرة والتوجه إلى ريف حلب الجنوبي.
وفي السياق، يرى الصحافي، مصطفى محمد، أنه يجب "على المعارضة أن تستغل هذا الوضع وتفتح معركة كبيرة في حلب".
من جهته، يوضح العقيد أحمد عثمان، قائد لواء السلطان المراد، الذي يقاتل في ريف حلب الجنوبي، أن "الريف الجنوبي أصبح أكثر تعقيداً بعد دخول داعش على خط المعارك، وإرسال جبهة النصرة مؤازرة للريف الجنوبي في الوقت نفسه الذي حشد فيه النظام العديد من مقاتليه مع آليات عسكرية ثقيلة وتغطية شاملة من الطيران الروسي وطيران النظام الحربي والمروحي".
يقرّ عثمان، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بتحقيق النظام في أول ثلاثة أيام من المعارك لمكاسب بعد سيطرته على قرى وتلال مهمة عدة، وخصوصاً بعد اعتماده على كثافة النيران وسياسة الأرض المحروقة بمساندة كبيرة للطيران الروسي. ويشير عثمان إلى أنّ "كفة الفصائل العسكرية رجحت في ما بعد، واستعادت العديد من النقاط التي سيطر عليها النظام، أخيراً، في حين بقيت بعض النقاط ومنها قرية عبطين تحت سيطرة النظام".
وعن سبل استفادة المعارضة من قتال النظام و"داعش"، يوضح عثمان أنّ "النظام في معاركه ضد داعش تكون جبهته الخلفية غير مؤمنة، وهو ما يجعل من النظام قوة مشتتة". ويلفت إلى أن "النظام عندما تقدم من منطقة السفيرة حتى وصل إلى سجن حلب المركزي، كان ذلك بمساعدة داعش، إذ كان الأخير على الخاصرة اليمنى للنظام، وبذلك تقدم وهو مطمئن أن الخطر فقط من جهة واحدة".
وختم عثمان حديثه بالقول إن "النظام سوف يعيد النظر بقتاله في ريف حلب الجنوبي، إذ يمكن أن يوقف عملياته ضد المعارضة والالتفاف على داعش".
اقرأ أيضاً لقاء باريس: "أصدقاء سورية" يتّحدون قبل فيينا (2)