تعاون أفغاني باكستاني لمواجهة المسلحين

04 فبراير 2015
زيارة الرئيس الأفغاني لباكستان مهدّت للتعاون المشترك (فرانس برس)
+ الخط -

بعد سنوات من انعدام الثقة وتبادل الاتهامات بالتدخل في شؤون بعضهما البعض، تعهّدت أفغانستان وباكستان بمحاربة الجماعات المسلّحة بشكل ثنائي. وجاء الاتفاق الأفغاني الباكستاني على تعزيز التعاون العسكري عقب الهجوم الدموي على مدرسة لأبناء العسكريين في مدينة بشاور شمال غرب باكستان، في الـ16 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي حصد أرواح 150 شخصاً، جلّهم من طلاب المدرسة.

وبينما كانت زيارة الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمد زاي إلى باكستان، التي جرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، خطوة مهمة لتطوير العلاقات الباكستانية الأفغانية على المستويات كافة، تُعدّ زيارة قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف إلى كابول، التي أتت مباشرة بعد الهجوم على المدرسة، أساس التعاون العسكري بين كابول وإسلام أباد، ولا سيما أن الطرفين قد اتفقا خلال الزيارة على اتخاذ موقف موحّد لمجابهة الجماعات المسلحة، واجتثاث جذور مظاهر التسلّح، التي يعاني منها البلدان، والتي تشكّل خطراً على أمن المنطقة برمتها.

وفي نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، زار قائد الجيش الأفغاني الجنرال شير محمد كريمي مقر قيادة الجيش الباكستاني في مدينة روالبندي، وناقش مع المسؤولين في المؤسسة العسكرية سبل مكافحة الجماعات المسلحة. ووافق الطرفان على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق العمليات العسكرية على جانبي الحدود، إضافة إلى اتفاق كريمي ونظيره الباكستاني على عقد اجتماعات متتالية للقادة التابعين لهما، وإجراء مشاورات منتظمة بهدف تعزيز التعاون العسكري وتنسيق العمليات المشتركة على الحدود لقطع الطريق على المسلحين.

وطبقاً لتلك الاتفاقية بين الجيشين الأفغاني والباكستاني، زارت وفود عسكرية أفغانية وباكستانية بلد الآخر على مدى الأسابيع الماضية، إذ قام وفدان للجيش الباكستاني بزيارة رسمية إلى أفغانستان الأسبوع الماضي، أحدهما بقيادة الجنرال هداية الرحمن، قائد فيلق بيشاور ومسؤول العمليات العسكرية ضد "طالبان" في بعض المناطق القبلية، الذي زار مدينة جلال آباد عاصمة إقليم ننجرهار الحدودي المجاور لمدينة بشاور الباكستانية، والآخر بقيادة قائد فيلق بلوشستان الجنرال ناصر جنجوعة الذي زار مدينة قندهار المجاورة لإقليم بلوشستان، وبحث الوفدان خلال اللقاء مع قيادة الجيش الأفغاني سبل تعزيز التعاون العسكري بين الدولتين.

وفي المقابل زار وفد عسكري أفغاني كان يقوده الجنرال محمد شفيق فضلي، مقر القيادة العسكرية في مدينة روالبندي، وبحث مع قيادات الجيش الباكستاني ملفات أمنية عديدة، أهمها العمليات المنسّقة على طرفي الحدود، وإنشاء مراكز مشتركة لمراقبة تحركات الجماعات المسلحة على الحدود، على رأسها حركة "طالبان".

وتعليقاً على الزيارة، يقول القيادي في الحرس الحدودي الأفغاني الجنرال فضل الدين عيار، إن "زيارة الوفد الأفغاني إلى باكستان جاءت بعد سلسلة من الزيارات لمسؤولين في الجيش الباكستاني إلى أفغانستان، ولا شك أن تبادل الزيارات سينعكس إيجاباً على العلاقات بين الدولتين، لا سيما على الصعيد العسكري، كما سيساهم في تقويض جهود المسلّحين على طرفي الحدود".

كذلك أكدت مصادر أمنية أفغانية أن الجانبين توصّلا من خلال الاجتماعات الأخيرة، إلى إنشاء مراكز مشتركة لمراقبة الحدود بين الدولتين بهدف تنسيق العمليات العسكرية ضد المسلحين، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى اتفاقهما على مواصلة المشاورات لتطوير التعاون العسكري، وإيجاد حلول مناسبة للأزمة الأمنية التي تعاني منها البلدان.

وفي هذا السياق، أكد القيادي في الجيش الأفغاني، الجنرال عبد الحميد حميد، أن الوضع الأمني على الحدود بين الدولتين قد تحسّن كثيراً، وأن وتيرة هجمات المسلحين قد انخفضت نتيجة التعاون العسكري بين الجيشين الأفغاني والباكستاني. وأشار إلى وضع خطة عمل جديدة لمحاربة الجماعات المسلحة، لافتاً إلى أن الطرفين اتفقا مبدئياً على بناء مركز مراقبة في مديرية سبين بلدك الحدودية في إقليم قندهار، وذلك لتنسيق العمليات العسكرية وتقاسم المعلومات الاستخباراتية.

في هذه الأثناء، لمّحت مصادر متطابقة في حكومة البلدين إلى أن الاستخبارات الأفغانية تمكنت من اعتقال خمسة من مدبّري الهجوم على مدرسة لأبناء العسكريين في مدينة بشاور، وذلك خلال عملية قرب الحدود الباكستانية الأفغانية في إقليم ننجرهار شرقي أفغانستان، والتي جرت استناداً إلى معلومات وفّرتها الاستخبارات الباكستانية. فيما اعتقلت القوات الباكستانية مُخطّط الانفجار الذي أودى بحياة 80 شخصاً، جلّهم من المدنيين، في إقليم بكتيا جنوبي أفغانستان، والذي وقع أثناء مباراة كرة الطائرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وتواجه الجهود الأفغانية الباكستانية المشتركة لمجابهة التحديات الأمنية على الحدود، تحديات عديدة، من أبرزها قضية حفر الخندق على الحدود، إذ بدأت السلطات الباكستانية منذ فترة بحفر خندق على امتداد 480 كيلومتراً ابتداءً من إقليم بلوشستان المجاور لإقليم قندهار الأفغاني، وذلك للحدّ من تسلل المسلحين وتهريب المخدرات، على حد قول الحكومة الباكستانية التي تؤكد أن عملية الحفر قد تمتد إلى طول الحدود بكاملها إذا كانت لها نتائج إيجابية.

غير أن أفغانستان أعربت عن تحفظاتها إزاء حفر الخندق على الحدود المتنازع عليها بين الدولتين. كما أن القبائل البشتونية المتاخمة في طرفي الحدود تعارض أي محاولة للفصل بين أبنائها، وقد أفشلت سابقاً محاولات نصب الأسلاك الشائكة وحفر الخنادق.

وعلى الرغم من وجود تحديات عديدة، إلا أن التوقعات تشير إلى أن التعاون العسكري بين كابول وإسلام آباد سيأتي بنتائج إيجابية على الوضع الأمني في البلدين، كما أن الموقف الموحّد إزاء الجماعات المسلحة، والجهود المخلصة ستضع حداً للأزمة الأمنية التي يعاني منها البلدان منذ أعوام، والتي تحصد أرواح المدنيين والعسكريين على حد سواء، وبلا هوادة.

المساهمون