أثار إخفاق ما يُسمّى "جيش سورية الجديد" في معركة البوكمال، شرق البلاد، ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، تساؤلات حول جدوى الاستراتيجية الأميركية في دعم مجموعات مختارة من المعارضة السورية، إذ اعتبرت بعض المصادر أنه "تمّ الزجّ بمقاتلي هذا الجيش في مغامرة غير محسوبة مع داعش".
في البوكمال، سيطر المئات من أفراد "جيش سورية الجديد" ساعات عدة، ليل الثلاثاء، على مطار الحمدان العسكري، جنوب غرب المدينة، التابعة لمحافظة دير الزور، قبل أن يشنّ التنظيم هجوماً مضاداً استعاد خلاله المطار، مستولياً على أسلحة كثيرة للقوات المهاجمة، بعد أن قتل بعض أفرادها وأسر آخرين.
في هذا السياق، يشير متحدثون باسم "جيش سورية الجديد"، إلى أن "الهدف من المعركة كان قطع خط الإمداد الاستراتيجي بين مناطق سيطرة داعش في العراق وسورية، كونه كان مقرراً أن يكون الهجوم متزامناً من طرفي الحدود، لكن القوات في الطرف العراقي، وهي عشائر الأنبار وقوات مكافحة الإرهاب، خذلت القوة المهاجمة من الطرف السوري".
وبعد أن تقدّم مقاتلو "جيش سورية الجديد" من معبر التنف عبر البادية، من دون مقاومة من جانب "داعش" بسبب الغطاء الجوي الكثيف من جانب طيران التحالف، تمكنوا خلال ساعات من السيطرة على جميع نقاط الاستطلاع التابعة للتنظيم في البادية الجنوبية الغربية لمدينة البوكمال، وتمركز نحو 200 مسلح في منطقة البلاكوس، جنوب غربي المدينة بنحو 15 كيلومتراً. كما سيطرت مجموعات أخرى على منطقة السكة، غرب المدينة بعد عملية إنزال مظلي، بواسطة ثلاث مروحيات أميركية.
وبدأت الاشتباكات ضد "داعش"، فجر يوم الأربعاء، في محيط الحزام الأخضر وداخل مطار الحمدان، حين عمد التنظيم إلى قطع الكهرباء والاتصالات عن البوكمال. وذكرت وكالة "أعماق" التابعة لـ"داعش" أنه "تمّ قتل 40 من أفراد القوة المهاجمة وأسر 15 آخرين"، فيما بث التنظيم مقطعاً مصوراً لإعدام 5 شبان من أبناء البوكمال، بتهمة التعامل مع المهاجمين.
من جانبه، يلفت المتحدث باسم "جيش سورية الجديد" مزاحم السلوم، في تصريحات صحافية، إلى أنه "انسحبنا باتجاه صحراء البوكمال بعدما أنهينا المرحلة الأولى من العملية المتمثلة باستهداف مواقع داعش في محيط البوكمال. ونحن نحضّر حالياً للمرحلة الثانية".
أما أمين سرّ "جيش سورية الجديد" خالد الحماد، فعزا أسباب فشل معركة البوكمال إلى "ضعف الدعم المقدم لقواته من ناحية التسليح، فضلاً عن عدد المقاتلين المحدود، الذين لم يسعفهم التحرك على أكثر من محور"، حسب قوله. واعتبر الحماد أنه "لا يوجد نية حقيقية من المجتمع الدولي لقتال داعش أو نظام بشار الأسد".
من جانبه، ينوّه الناشط المقرّب من "جيش سورية الجديد"، عبد المجيد أبو يوسف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجميع خذلوا أفراد هذا الجيش، الذين اقتحموا معقل داعش بأقل قدر من العدد والعدة"، ملقياً اللومَ في فشل المعركة على تقاعس القوات التي كان من المفترض أن تهاجم المدينة من الجانب العراقي بشكل متزامن". غير أن مراقبين شككوا بهذه الروايات، واعتبروا أن "ما حدث كان انتكاسة كبيرة للقوات المهاجمة، وللجهود الأميركية الرامية إلى تشكيل مجموعات سورية معارضة بعيداً عن التشكيلات الإسلامية".
في هذا الإطار يقول، العميد أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، إنه "تمّ الزجّ بهؤلاء الشباب في معركة غير متكافئة مع تنظيم شرس ومتمرس بالقتال"، سائلاً قادة المجموعة: "أين عقولكم لتقدموا على عمل غير مدروس، لا يمت للمعارك العسكرية بأي صلة؟".
ويرى رحال أن "الولايات المتحدة الباحثة عن انتصار ما، زجّت بأفراد هذه القوة التي لا يزيد عددها عن 700 مقاتل في معركة غير مفهومة عسكرياً، وتمّ الدفع بهم مسافة 230 كيلومتراً من معبر التنف عبر الصحراء إلى منطقة البوكمال، للسيطرة على مطار مهجور هو مطار الحمدان، لكن داعش استعاد زمام المبادرة، وطرد أعضاء المجموعة في غضون ساعات، بعد أن قتل وأسر منهم العشرات".
كما يعتبر أن "الولايات المتحدة بهذا السلوك تستعجل وصول جيش سورية الجديد إلى المصير نفسه، الذي واجهته مجموعات سابقة دعمتها في الشمال السوري، مثل جبهة ثوار سورية وحركة حزم والفرقة 13، والتي كانت قد تلقّت تدريباً وأسلحة أميركية، قبل أن تهاجمها جبهة النصرة، وتستولي على أسلحتها".
مع العلم أن "جيش سورية الجديد" تشكّل نهاية العام الماضي، وحصل مقاتلوه على تدريبات في معسكرات تديرها الولايات المتحدة بالأردن. وسبق لـ"الجيش" أن سيطر على معبر التنف الحدودي بين سورية والعراق في وقت سابق من العام الحالي. ويضمّ التشكيل مئات المقاتلين الذين يتحدرون بشكل رئيسي من محافظة دير الزور بالإضافة إلى حمص.
من جهتها، تؤكد "جبهة الأصالة والتنمية"، المكوّن الرئيسي لـ "جيش سورية الجديد"، أنها "تسعى لاستعادة أكبر المناطق السورية من داعش، وهي المنطقة الشرقية". وقد اختيرت هذه المنطقة لأن أغلب مقاتلي جيش سورية الجديد كانوا يقاتلون سابقاً في هذه المنطقة، وفي مقدمهم قائد الجيش خزعل السرحان، الذي كان قائداً لـ "كتائب الله أكبر"، التابعة لـ "جبهة الأصالة والتنمية"، قبل أن ينسحب مع القوى الأخرى من المنطقة إلى البادية، عقب سيطرة "داعش" على دير الزور.
ويرى مراقبون أن "الولايات المتحدة تعمل على تشكيل قوى عسكرية سورية في مناطق انتشار داعش، بعيداً عن نفوذ الفصائل الإسلامية في الشمال السوري، كي لا تلاقي المصير نفسه الذي واجهته المجموعات الأخرى التي دعمتها واشنطن".
كما تحرص واشنطن على إبراز دور هذا التشكيل، بوصفه قوة عربية، توازي دور "قوات سورية الديمقراطية" التي يهمين عليها الأكراد. غير أن معركة البوكمال قد تشكّل انتكاسة كبرى للجهود الأميركية الرامية لتدريب معارضة سورية "معتدلة"، وهو البرنامج الذي حاز على كثير من الاهتمام والترويج ورُصدت له ميزانية ضخمة، خلال السنوات الماضية، لكنه لم يثمر عن أيّ نتائج إلى أن أعلنت واشنطن عن توقيفه رسمياً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.