ويرجع خبراء ومراقبون ذلك إلى محاولة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، التخلص من ورقة ضغط مليشيات "الحشد الشعبي" عليه، إذ تكرّرت عمليات انسحاب لفصائل من "الحشد" في مناطق عدة من العراق، وخصوصاً بغداد وغربها، بسبب خلافات سياسية بين الحكومة والمليشيات على خلفية حملة الإصلاحات التي ينفذها العبادي، وغيرها من الأمور المرتبطة بدعمهم مادياً وعسكرياً، ما أدّى إلى ارتفاع أعمال العنف.
ووفقاً لضابط عراقي رفيع المستوى، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإنّ رئيس الوزراء الذي يشغل، بحسب الدستور، منصب القائد العام للقوات المسلحة، أمر باستبدال الخط الثاني من خطوط الدفاع عن بغداد المكوّن من مليشيات "الحشد" بقوات الشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، فيما أبقى قطعات اللواء الثامن مدرّع والفرقة السادسة والفرقة السابعة عشر في الخط الأول. ويضيف الضابط أنّ المليشيات تراجعت بعد ذلك التغيير إلى ما خلف تلك الخطوط. وتمّ تخصيص مقرات استراحة لهم في دائرة الجمارك وساحة تجميع السيارات القديمة ومعمل للألبان، فضلاً عن معسكرات سابقة لاستخبارات الجيش في أبو غريب والرضوانية واليوسفية والطارمية، غرب وجنوب وشمال بغداد.
ويوضح المصدر أن "عمليات حفر الخنادق حول بغداد لا تزال مستمرة، وهناك نحو 33 كيلومتراً من الأسلاك الشائكة التي أحيطت بالمناطق الحساسة لمنع أي اختراق"، مؤكداً استمرار وجود "سرب من طائرات الأباتشي الأميركية في مطار بغداد التي تقوم بتمشيط البساتين الغربية المتصلة بالمطار، غرب العاصمة، على شكل دوريات، تبدأ ليلاً وتنتهي فجر كل يوم"، مشيراً إلى أنّ "بغداد آمنة في الوقت الحالي بشكل مريح للحكومة وسكّانها".
اقرأ أيضاً: العبادي يشكو التمرد على الإصلاحات للمراجع الدينية
وعلى مستوى الأمن الداخلي في بغداد، يلفت عضو لجنة الأمن في مجلس محافظة بغداد، محمد الحطّاب، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "بغداد سجّلت ارتفاعاً خطيراً في أعمال العنف والابتزاز"، مبيّناً أنّ "أعمال العنف انتشرت في أغلب مناطق المحافظة، وخصوصاً جانب الرصافة، وهي المناطق التي توجد فيها مقرات لأغلب فصائل المليشيات". ويوضح أنّ "لجنة الأمن اجتمعت في مجلس المحافظة، لمناقشة هذا التصعيد الخطير في الملف الأمني ومحاولة إيجاد حلول عاجلة للأزمة"، مؤكّداً أنّها "ستعقد اجتماعاً آخر مع قائد عمليات بغداد لوضع خطة عمل مشتركة لتدارك الموقف".
في المقابل، يؤكّد مصدر في قيادة عمليات بغداد، أنّ "رئيس الوزراء يسعى إلى إصدار توجيه لإعادة فصائل المليشيات إلى الجبهات" في عدد من المناطق الأخرى. ويقول المصدر لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبادي واجه إحراجاً كبيراً بعد اختطاف المليشيات للعمال الأتراك، وعقد اجتماعاً مع قائد عمليات بغداد، لإيجاد حل للأزمة الأمنية"، مبيّناً أنّ "العبادي يسعى للتنسيق مع قادة الحشد هادي العامري وأبو مهدي المهندس، لإصدار قرار بإعادة نشر المليشيات على الجبهات، حفاظاً على أمن بغداد"، لافتاً إلى أنّ "العامري والمهندس يعملان الآن على وضع خطّة لإعادة نشر كافة الفصائل في الأنبار وصلاح الدين".
من جهته، يرى الخبير الأمني، مجيد عبد الرحيم، أنّ "انشغال المليشيات في المعارك على جبهات القتال خلال الفترة الماضية حدّ من نشاطها داخل بغداد بشكل كبير". ويوضح عبد الرحيم، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المليشيات هي عصابات منظّمة، ووجودها داخل المدن يربك وضعها الأمني"، مبيّناً أنّ "المليشيات تسعى لكسب المال السريع من خلال أعمال الخطف والمساومة والابتزاز والسطو المسلح، وهذه الحوادث تصاعدت في بغداد بشكل كبير".
ويشير عبد الرحيم إلى أنّ "قضية المليشيات من أخطر القضايا في البلد، إذ لا سلطة لأحد عليهم"، لافتاً إلى أنّ "قيادة العمليات والأجهزة الأمنية الأخرى لا تستطيع محاسبة المليشيات، لأنها لا تملك السلطة عليهم، الأمر الذي منح المليشيات سلطة فوق سلطة القانون". ويؤكّد عبد الرحيم أنّ "الحد من نفوذ المليشيات وتحجيم دورها وإخضاعها لسلطة القانون يتطلّب قراراً من قبل الحكومة، ومن قبل رئيس الوزراء تحديداً، يمنح القوات الأمنيّة سلطة محاسبتها على كل فعل خارج القانون".
اقرأ أيضاً: مصادر لـ"العربي الجديد":رئيس أركان جديد للجيش العراقي