تعديل دستور مصر: استمرار السيسي في الرئاسة حتى 2040

03 ديسمبر 2018
ستجرى انتخابات الرئاسة تحت مظلة الدستور الجديد(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر قيادية في البرلمان المصري ملامح مسودة تعديل الدستور شبه النهائية، والتي يجرى إعدادها حالياً داخل مقر جهاز الاستخبارات العامة، تحت إشراف الضابط محمود السيسي، نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومستشار الأخير القانوني، محمد بهاء أبو شقة، مرجحة الانتهاء من المسودة مع بداية العام الجديد، وطرحها أمام مجلس النواب بشكل رسمي في نهاية مارس/ آذار 2019.

وقالت المصادر، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إنه بمجرد اعتماد مسودة تعديل الدستور من قبل الدائرة المقربة من السيسي، والتي يقودها رئيس جهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، سيتم تمريرها من خلال حزب "مستقبل وطن" إلى البرلمان، بحيث يتقدم أعضاء الحزب، الذي بات يستحوذ حالياً على أكثرية مقاعد مجلس النواب، باقتراح لتعديل الدستور، مدعوماً بتواقيع أكثر من خُمس أعضاء المجلس، وفقاً للدستور واللائحة.

وأضافت المصادر أنه من المتوقع إجراء الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية في النصف الثاني من العام المقبل، كون البرلمان سيستغرق قرابة ثلاثة أشهر لإقرارها، بحسب ما تقتضيه المدد الدستورية المنظمة، مشيرة إلى أن التعديلات ستطاول 15 مادة على الأقل، تتعلّق بمدد الرئاسة، وصلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس النواب، وعدد أعضائه، علاوة على استحداث فصل للغرفة الثانية للبرلمان تحت مسمى "مجلس الشيوخ". وتابعت أن التعديلات ستمنح رئيس الجمهورية المزيد من الصلاحيات على حساب مجلس النواب، مع زيادة مدة الرئاسة إلى ثلاث فترات، مدة كل واحدة منها 6 سنوات، بدلاً من ولايتين مدة كل واحدة 4 سنوات، وهو ما يمهد لاستمرار السيسي في منصبه حتى عام 2040، على اعتبار أن مسودة التعديل ستتضمن نصوصاً انتقالية تنص على "عدم المساس بالأوضاع الدستورية المستقرة للولاية الثانية للسيسي".

وأوضحت المصادر أن لجنة إعداد مسودة تعديل الدستور استقرت على إجراء انتخابات الرئاسة تحت مظلة الدستور الجديد في أعقاب انتهاء الولاية الحالية للسيسي، بعد أن استبعدت طرحاً يقضي بنفاذ التعديلات الدستورية بأثر فوري، ووضع مواد منظمة للفترة الانتقالية من تاريخ إقرارها وحتى عام 2022، ومن ثم حل مجلس النواب قبل انتهاء دورته التشريعية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في عام 2020. وعزت المصادر استبعاد هذا السيناريو لأنه يستلزم تشكيل حكومة انتقالية للإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ومواجهة إشكالية حول مدى إمكانية إجرائهما معاً من عدمه، إلى جانب اعتبارات أخرى تتعلّق بحالة عدم الاستقرار التي ستشهدها البلاد خلال تلك الفترة، والتي قد يستخدمها معارضو السيسي في رفع حدة الهجوم عليه، وتوظيفها بشكل يسيء إلى الدولة من قبل وسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، على حد تعبيرها. وتنص المادة 140 من الدستور الحالي على أن "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة"، في حين نصت الفقرة الخامسة من المادة 226 من الدستور على أنه "وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات".




وعن مجلس الشيوخ، اعتبرت المصادر أن التجربة العملية أثبتت عدم صحة قرار لجنة إعداد دستور 2014 بشأن إلغاء الغرفة الثانية للبرلمان، لأهميتها في إبداء الرأي الاستشاري للغرفة الأولى، على غرار كافة الديمقراطيات المستقرة في العالم، موضحة أن مجلس النواب تعرض لهجوم متواصل، سواء من وسائل الإعلام أو على منصات التواصل الاجتماعي، لتحمله منفرداً كافة القرارات المهمة للصلاحيات الواسعة الممنوحة إليه. ووفقاً لحديث المصادر، فإن اللجنة قررت حذف المادة 161 من الدستور، والخاصة بسلطة البرلمان في الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بدعوى أنها قد تحدث حالة من الصدام وعدم الاستقرار السياسي داخل الدولة، وكونها وضعت بشكل احترازي من قبل لجنة إعداد الدستور، نتيجة ما شاب البلاد من أحداث عنف جراء رفض الرئيس المعزول محمد مرسي لدعوات إجراء انتخابات مبكرة.

وأوضحت المصادر أن التعديلات المنتظرة ستمنح رئيس الجمهورية سلطة إعفاء الحكومة من أداء عملها، واختيار الوزراء، من دون العودة إلى مجلس النواب، ومنح الرئيس كذلك سلطة إعلان الحرب، أو إرسال القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، بتأييد أغلبية البرلمان، بدلاً من موافقة ثلثي أعضائه، بحسب ما ينص الدستور الحالي. وتروج وسائل الإعلام الموالية للسلطة الحاكمة أن استمرار السيسي في منصبه ضروري حتى يستكمل المشاريع "القومية" التي بدأها، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، وعدم توقفها في حالة تولي رئيس جديد للبلاد، في اعتراف ضمني منها بعدم جدواها الاقتصادية. وهو ما أكده الإعلامي الموالي للنظام، المعتز بالله عبد الفتاح، قائلاً، في مقطع فيديو، "إن بطن البلد مفتوحة، ولا بديل عن تعديل الدستور، واستمرار السيسي".

إلى ذلك، تتزامن إجراءات تعديل الدستور مع حملة يشنها النظام لإبعاد العناصر المناوئة لاستمرار السيسي في منصبه بعد المدة المحددة دستورياً من داخل مؤسسات الدولة، مع مزيد من السيطرة التامة على وسائل الإعلام الخاصة، من خلال إرغام أصحابها على بيعها لصالح أجهزة "سيادية"، بالإضافة إلى توظيف أدوات القمع حيال أي صوت معارض، وذلك بتلفيق القضايا والزج به في غياهب السجن. وكان عضو مجلس النواب المعارض، هيثم الحريري، قد أعلن عن تعرضه لحملة إعلامية ممنهجة لتشويه صورته أمام الرأي العام، وكذلك على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"، مستشهداً بنسب تصريحات على لسانه لم يدلِ بها، وذلك على منصات إلكترونية محسوبة على النظام مثل "تعيشي يا مصر"، و"هانبني بلدنا"، و"خليك إيجابي"، و"عمار يا مصر"، و"خير أجناد الأرض". وقال الحريري، وهو عضو في تكتل برلماني تأثيره محدود تحت القبة، إن هذه الحملات كانت متوقعة، في ظل إعلان رفض بعض النواب لزيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى القاهرة، واقتراب موعد تعديل الدستور، مؤكداً أن حملات التشويه والإساءة ستكون أسوأ خلال الفترة المقبلة، لأنها سترتبط بمحاولات وشيكة لتعديل الدستور، ما سيؤدي إلى تعرض المعارضين لخطر شديد على مستوى أمنهم، وحريتهم، وسلامتهم، حسب تعبيره.

وخلال أشهر صيف هذا العام، برزت في بعض المصالح الحكومية دعوات للتواقيع الجماعية على استمارات تطالب بتعديل الدستور، ما يسمح بإعادة انتخاب السيسي مرة أخرى بعد نهاية ولايته الثانية، وإلغاء القيد الدستوري على الترشح لولاية رئاسية ثالثة. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لتلك الاستمارات، تختلف عن بعضها في التصميم الخارجي، لكنها تتفق في المضمون، ما يعكس تحريكها بواسطة إدارة "استخباراتية" واحدة. وكان السيسي قد قال، في حوار مع شبكة "سي إن بي سي" الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، إن "الدستور يمنح الحق للبرلمان، وللرئيس، في أن يطلبا إجراء تعديلات على الدستور"، مضيفاً "لن يستطيع أي رئيس أن يظل في السلطة أكثر من الوقت الذي يسمح به الدستور والقانون... والشعب هو الذي سيقرر ذلك في النهاية، ولا يناسبني كرئيس أن أجلس يوماً واحداً ضد إرادة الشعب المصري". وقال السيسي، رداً على سؤال أحد الشباب الأجانب بشأن إمكانية استمراره في الحكم بعد انتهاء ولايته، خلال فعاليات "منتدى شباب العالم" الأخير، إن "الأبد ينتهي بعمر الإنسان، وليس هناك أبداً مطلقاً، فالجميع سيموتون، ولن يبقى الحاكم حاكماً 100 أو 200 سنة"، وهو ما كشف صراحة عن نيته الاستمرار في منصبه، الذي قفز عليه في أعقاب انقلاب عسكري نفذه الجيش في صيف عام 2013.