"لا تنشروا إلاّ المواضيع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. المواطن العربي ليس لديه الوقت الكافي للاهتمام بتفاهات الجمال والفن والرياضة". مجرد تعليق على صفحة أحد المواقع الإخبارية العربية يتوجه إلى إدارته بالنقد ومشاعر الغضب مما ينشره. لكنّه فعلياً ليس مجرد تعليق، بل اعتقاد وقناعة وحكم مسبق ومطلق يتجاوز الفرد ليعمم ما يؤمن به على عشرات الملايين. هم القراء العرب من مستخدمي الإنترنت ومرتادي الصفحات الإخبارية العربية في هذا المثال.
ليس الأمر متعلقاً فقط بتصور مسبق عن صفحة إخبارية، أو عن أيّ منظومة أخرى، يشعر المتفاعل معها أنّها "تخون" ما يفترض بها أن تكون عليه، بل يتعلق بأحكام مسبقة ينطلق منها، ويسبغ عليها في كثير من الأحيان صفة القداسة.
من قال أساساً إنّ هناك معايير ثابتة -أبد الدهر- لأيّ شيء مهما كان؟ هناك أصول وثوابت وخرائط طرق ومناهج ومسارات تتخذ على أساسها منظومة ما مسارها. يعتاد المسيِّرون ذلك، ويعتاد معهم المتفاعلون. لكنّ ذلكَ لا يعني في أيّ حال اتخاذ انطباع نهائي عن شيء ما، لا إمكان أبداً للخروج عن مساره. بل يتغير المسار، وباستمرار أيضاً، يتقبّل ذلك كثير من المتفاعلين، ويعارضه كثيرون أيضاً. ألم ترَ ذلك الزعيم الأيديولوجي الذي ينقل البندقية من كتف إلى كتف؟ ألم تشهد على اتفاقات سياسية بدّلت وجهة الصراع، وجعلت أكثر الصقور تطرفاً في معاداة نظام أقربها إلى محاورته؟
لعلّ ما يصيبنا -نحن الشعوب- هو داء الثبات والسكون والتقليد. نحن لسنا أنصار تغيير بل استقرار، حتى لو كان استقراراً في الجحيم. الإجابات على كلّ شيء جاهزة لدينا في تراثنا العائد إلى 1400 عام أحياناً، وألفي عام في أحيان أخرى، بل قرون طويلة في غير ذلك.
في اقتراب أكثر إلى يومياتنا، يعمّم البعض موقفه وسلوكه بل وذوقه حتى. يستغرب كيف للآخرين أن يكون ذوقهم مخالفاً. ما بالك به إن كان يأكل لحم رأس الخروف أو طحال العجل؟! ما دخلك بها إن كانت تدخن؟ نعم كثيرون وكثيرات يدخنون، وليس معنى تركك التدخين أنّ أحداً لم يعد يدخّن. من قال لك إنّ معارضتك النظام تعني معارضتهم له؟ أو العكس بالعكس، من قال لك إنّ ترويجك لذلك الرئيس "الطيّب الحنون" هو يقين بالنسبة لغيرك؟
من قال لك إنّ "من غير المنطقي" حصول ذلك؟ فأيّ منطق تعيدنا إليه؟ هل تحسب أنّ المنطق منطق واحد يحمل ذلك الهوس في البحث عن الأسباب والنتائج، وكشف البديهيات الموجودة سلفاً، وإطلاق صفات اليقين الذي لا يمكن أن يتغير أو يتناقض؟ ذلك منطقك وحدك. ومهما حسبت أنّ المنطق واحد لا غير، فهو متعدد بدليل ممارستنا الاجتماعية له، مهما بقيت المفردة عربياً غير قابلة للجمع.
اقــرأ أيضاً
ليس الأمر متعلقاً فقط بتصور مسبق عن صفحة إخبارية، أو عن أيّ منظومة أخرى، يشعر المتفاعل معها أنّها "تخون" ما يفترض بها أن تكون عليه، بل يتعلق بأحكام مسبقة ينطلق منها، ويسبغ عليها في كثير من الأحيان صفة القداسة.
من قال أساساً إنّ هناك معايير ثابتة -أبد الدهر- لأيّ شيء مهما كان؟ هناك أصول وثوابت وخرائط طرق ومناهج ومسارات تتخذ على أساسها منظومة ما مسارها. يعتاد المسيِّرون ذلك، ويعتاد معهم المتفاعلون. لكنّ ذلكَ لا يعني في أيّ حال اتخاذ انطباع نهائي عن شيء ما، لا إمكان أبداً للخروج عن مساره. بل يتغير المسار، وباستمرار أيضاً، يتقبّل ذلك كثير من المتفاعلين، ويعارضه كثيرون أيضاً. ألم ترَ ذلك الزعيم الأيديولوجي الذي ينقل البندقية من كتف إلى كتف؟ ألم تشهد على اتفاقات سياسية بدّلت وجهة الصراع، وجعلت أكثر الصقور تطرفاً في معاداة نظام أقربها إلى محاورته؟
لعلّ ما يصيبنا -نحن الشعوب- هو داء الثبات والسكون والتقليد. نحن لسنا أنصار تغيير بل استقرار، حتى لو كان استقراراً في الجحيم. الإجابات على كلّ شيء جاهزة لدينا في تراثنا العائد إلى 1400 عام أحياناً، وألفي عام في أحيان أخرى، بل قرون طويلة في غير ذلك.
في اقتراب أكثر إلى يومياتنا، يعمّم البعض موقفه وسلوكه بل وذوقه حتى. يستغرب كيف للآخرين أن يكون ذوقهم مخالفاً. ما بالك به إن كان يأكل لحم رأس الخروف أو طحال العجل؟! ما دخلك بها إن كانت تدخن؟ نعم كثيرون وكثيرات يدخنون، وليس معنى تركك التدخين أنّ أحداً لم يعد يدخّن. من قال لك إنّ معارضتك النظام تعني معارضتهم له؟ أو العكس بالعكس، من قال لك إنّ ترويجك لذلك الرئيس "الطيّب الحنون" هو يقين بالنسبة لغيرك؟
من قال لك إنّ "من غير المنطقي" حصول ذلك؟ فأيّ منطق تعيدنا إليه؟ هل تحسب أنّ المنطق منطق واحد يحمل ذلك الهوس في البحث عن الأسباب والنتائج، وكشف البديهيات الموجودة سلفاً، وإطلاق صفات اليقين الذي لا يمكن أن يتغير أو يتناقض؟ ذلك منطقك وحدك. ومهما حسبت أنّ المنطق واحد لا غير، فهو متعدد بدليل ممارستنا الاجتماعية له، مهما بقيت المفردة عربياً غير قابلة للجمع.