يراوح مشروع تعريب الإدارة مكانه في موريتانيا بعد أكثر من ثلاث سنوات على صدور قرار حكومي بشأنه. وفي حين أخذت بعض الإدارات القرار على محمل الجد، وخطت خطوات فعلية باتجاه التعريب، فإن إدارات أخرى ومؤسسات حيوية ترفض تنفيذ القرار، وتصر على اعتماد اللغة الفرنسية لتسيير العمل والمراسلات.
وانقسم الموريتانيون بين مؤيد ومعارض لقرار التعريب، الذي اتخذه الحكومة بعد عقود من سيطرة اللغة الفرنسية، تفعيلا للدستور الموريتاني الذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.
وكانت المؤسسة العسكرية أولى الإدارات التي بدأت بالتعريب، تشجيعا لتطبيقه في باقي الإدارات، ومساعدتها على تجاوز مخاوف ردة فعل الشارع.
ويتخوف دعاة التعريب من استغلال بعض المؤسسات لمواقف فئات من النخبة والشباب، الرافضين لاعتماد اللغة العربية كلغة عمل في الإدارات والدوائر الحكومية، وبالتالي الالتفاف على القرار وتوقيف المشروع في بدايته.
ورغم عشق الموريتانيين للغة الضاد واعتزازهم بلقب "بلد المليون شاعر"، إلا أن نسبة منهم ترفض تعريب الإدارة بدعوى أن الأمر يتسبب في إرباك كبير للأعمال الإدارية، والموظفين الذين لا يجيدون اللغة العربية وقد يفقدون وظائفهم، إضافة إلى تبعات القرار حساسية موضوع التعريب الذي يثير التوترات عادة بين العرب و"الزنوج"، ويهدد بأزمة عرقية ولغوية في البلاد. وقدر بنحو 10 في المائة نسبة "الزنوج" من مجموع السكان في موريتانيا، الذين لا يجيدون اللغة العربية.
ويعتبر الباحث الاجتماعي، محمد محمود ولد أحميدة، أن تفضيل اللغة الفرنسية يعود بالأساس إلى الأزمة التي تعيشها اللغة في العالم العربي، مشيراً إلى أن تراجع الاهتمام باللغة العربية على المستويين الرسمي والشعبي، وإقبال الشباب على تعلم لغات جديدة، سببه بحثهم عن بديل للغتهم الأم.
وأوضح ولد أحميدة لـ"العربي الجديد" أن "تراجع المستوى العلمي والثقافي عند العرب، وغياب نهضة علمية حقيقية ساهم في انتشار هذه الظاهرة، بعد أن أصبح العرب مستهلكين لثقافة الآخر"، خاصة بعد أن عجز المختصون عن ترجمة المصطلحات العلمية والطبية. "وجد العرب في مصطلحات اللغات الأجنبية ما يغنيهم عن قصور لغتهم، وبعدها عن الوسط العلمي والتقني وتجاربه واختراعاته".
وتابع الباحث أن "محنة الاستعمار التي عاشتها غالبية البلدان العربية تركت أثرا بالغا على ثقافة الشعوب، ومنحت الفرصة للثقافة الغربية بالتغلغل في النسيج الاجتماعي، ونشر اللغة الأجنبية"، مشيرا إلى أساليب الاستعمار وخططه اعتمدت على استلاب التراث والثقافة والعادات كمنهج لإحكام السيطرة على الدول الضعيفة، وإخضاعها للحماية الاستعمارية.
وعن تأثير العوامل السابقة على المجتمع الموريتاني الذي انتقل في فترة وجيزة من حياة البادية إلى المدينة، قال: "وجد الموريتاني أن التحدي الوحيد أمامه هو تعلم اللغة الفرنسية لمساعدته على التقدم، ورغم عشق الموريتانيين للأدب والشعر، إلا أن ذلك لم يحصنهم من تأثير انتشار اللغة الفرنسية التي أصبحت الأكثر استعمالا في الحياة اليومية".
وينبه ولد أحميدة من خطورة هذا الوضع على لغة الضاد ومستقبلها، حيث اقتحمت اللغة الفرنسية الجلسات العائلية، والإعلام المحلي، والإبداع الأدبي، والأحاديث اليومية، إضافة إلى سيطرتها على جلسات العمل والدراسة.
وطالب باعتماد خطة طويلة الأمد لإعادة الاعتبار للغة العربية، وتقليل استعمال اللغة الأجنبية في الدوائر الرسمية والتعليم والإعلام، وتنظيم حملة وطنية وقومية خاصة بلغة الضاد.