وبعد أن طال أمد الحرب التي يدفع سكان المحافظة ضريبتها منذ أكثر من عامين، ووصول جميع الأطراف إلى الاقتناع بصعوبة الحسم العسكري لصالح أي طرف، بادرت حوالى 50 شخصية سياسية وعسكرية ووجهاء محافظة تعز، تنتمي لمعظم الأطراف المتواجدة في الساحة، إلى التداعي من أجل إنقاذ المحافظة المنكوبة، والبدء بخطوات من شأنها التمهيد لعملية السلام، وذلك من خلال تشكيل ما سمّوه بـ"اللجنة المجتمعية"، التي تمّ إسناد رئاستها إلى القيادي في "المؤتمر الشعبي العام"، الجناح الموالي لصالح، البرلماني الشيخ سلطان البركاني، والذي يعد أبرز الأطراف تحمساً لها.
وعقدت اللجنة لقاءات عدة، كما عقدت اجتماعات حضرها بعض الأعضاء في العاصمة المصرية القاهرة، وطرحت على طرفي النزاع ثلاثة ملفات: فك الحصار عن طريق فتح ممرات لتنقل المواطنين بين مناطق المدينة، والعمل على تدفق المساعدات الإنسانية للمحافظة، وتنفيذ عملية تبادل للأسرى.
وعلى الرغم من أن عملية تشكيل اللجنة قد اكتنفها بعض الغموض، إلا أن مصادر خاصة كشفت لـ"العربي الجديد"، عن دور عدد من الشخصيات المحسوبة على المؤتمر الشعبي العام، بجناحيه الموالي لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي والجناح الموالي لصالح، في طرح فكرة إنشاء اللجنة والبدء بالتواصل مع شخصيات تمثل جميع الأطراف. وقد تم دعم الفكرة من قبل بعض البيوت التجارية المنتمية للمحافظة، والتي "تعدّ من أكثر الجهات تضرراً من طول أمد الحرب".
وأضافت المصادر أن "ممثلي المؤتمر الشعبي العام بجناحيه المؤيد للشرعية والموالي لصالح يشكلون أغلبية أعضاء اللجنة، ويملكون صوتاً وموقفاً موحّداً من الاتفاق، على الرغم من أن أحد الجناحين يؤيد الشرعية والآخر يمثل جماعة الحوثي وصالح. وقد تعاملت قيادات سياسية وعسكرية واجتماعية تقف في صف الشرعية، مع فكرة وضع حلول للحصار المفروض على المدينة وتبادل الأسرى بإيجابية، وذلك انطلاقاً من قناعتها بأن الحرب في تعز أثقلت كاهل المدينة من دون أن يتحقق أي اختراق يفضي إلى حسم المعركة عسكرياً لصالح الشرعية. ورأت هذه القيادات أن فك الحصار وفتح معابر للمدينة إضافة إلى تبادل الأسرى باتت ملفات حتمية وضرورة إنسانية للعمل عليها عبر أي طريق يحقق ذلك".
من جهته، قال برلماني يمني عضو في اللجنة، لـ"العربي الجديد"، إن "اللجنة بدأت كمبادرة من عدد من وجهاء تعز، وتوالت الانضمامات للجنة، حتى اكتمل النصاب المتفق عليه، إلا أنه لا زال هناك تفاوض على توسيع قائمة المشاركين باللجنة التي شملت العضوية فيها كافة المكونات السياسية والأطراف المتحاربة".
وأضاف أن "اللجنة تشكّلت نظراً لأن الحرب في تعز تختلف عن المحافظات الأخرى، لناحية ضراوتها وتوسّع رقعتها. والأمر الأهم هو أن المحافظة زاد فيها عدد الضحايا في صفوف المدنيين، إضافة إلى ما طاول المدينة من تدمير ونهب المال العام والخاص، أكثر من أي محافظة أخرى. ومن هنا جاءت المبادرة التي كانت تطمح إلى وقف النار، لكن البعض يرى أن السلام مرتبط بتسوية شاملة على المستوى المركزي للأزمة، والأطراف غير مستعدة لذلك حالياً لارتباط الحرب بجهات دولية وإقليمية. ما جعل أعضاء اللجنة يقررون البدء بتبادل الأسرى وفتح المعابر وإدخال المساعدات الغذائية"، مؤكداً "دعم القيادات العليا للمؤتمر في جناحي صالح وهادي لأي جهود تدعم السلام في تعز".
من جهة ثانية، أكد قائد اللواء 22 ميكا الموالي للشرعية، العميد صادق سرحان، لـ"العربي الجديد"، قيامه بـ"الرد على رسالة اللجنة المجتمعية بموافقة المقاومة الشعبية على تنفيذ اتفاق يضمن تبادل الأسرى مع الحوثيين وفتح المعابر في مداخل تعز". كما طالب بضمانات من الطرف الآخر للتنفيذ وعدم المماطلة والشروع في البدء بتنفيذ الاتفاق.
في هذا السياق، أعلنت رئاسة اللجنة، منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، أن "مجلس تنسيق مقاومة تعز وجّه رسالة إلى رئاسة اللجنة المجتمعية، تضمنت موافقة مجلس تنسيق المقاومة في تعز على فتح مداخل المدينة، وتبادل كافة الأسرى الذين تم أسرهم في مدينة ومديريات تعز، ودراسة إمكانية تطبيق وقف إطلاق النار وفقاً لاتفاق ظهران الجنوب واتفاقية الحوبان المبرمة بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي وصالح. وقد تم الاتفاق على هذه النقاط التي ما تزال بانتظار موافقة الحوثيين. كما أنه لم يحدد وقت لتنفيذ هذه الاتفاق، حسبما أكد عضو مجلس تنسيق المقاومة، عضو اللجنة الدائمة في المؤتمر الشعبي العام الموالي لهادي، الشيخ أمير الفاتش، والناشطة الحقوقية المحامية معين العبيدي".
ووفقاً لما أفادت به مصادر لـ"العربي الجديد"، فإن "قيادات حوثية، وعلى رأسها صالح الصماد (رئيس المجلس السياسي للانقلابيين)، وأحمد أمين المساوي (أبرز قيادات جماعة الحوثي في تعز)، أبدت موافقة مبدئية على تنفيذ اتفاق متعلق بثلاثة ملفات، هي فتح معابر مدينة تعز، وتبادل الأسرى، وعدم مصادرة المساعدات الإنسانية، وسيصدر عنهم موقف رسمي عبر ممثليهم في اللجنة المجتمعية بموافقة نهائية مكتوبة، وهو ما لم يتم حتى اليوم".
وهذا ما أكده المساوي لـ"العربي الجديد"، بقوله إن جماعته "على استعداد تام لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه، في حال كانت هناك جدية وحسن نية من قبل الجماعات داخل المدينة"، في إشارة منه لـ"المقاومة الشعبية".
وبحسب مصادر في اللجنة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "اللجنة كلّفت عدداً من أعضائها المقرّبين من هادي بإطلاعه على الجهود التي تبذلها من أجل تحقيق تنفيذ الاتفاق الذي تسعى إلى إخراجه للواقع، إضافة إلى أن اللجنة على تواصل مع المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، للحصول على دعم وإسناد لجهودها".
بدوره، رأى الصحافي فخر العزب، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "فرص فشل الاتفاق أكثر من فرص نجاحه، خصوصاً بعد المجازر الأخيرة التي ارتكبتها جماعة الحوثي وصالح بحق المدنيين في تعز، فالمجتمع التعزي من حيث المبدأ هو مجتمع مدني ومسالم ويؤمن بفكرة السلام حتى لو قدم بعض التنازلات في سبيلها. وهو يدرك نتائج الحرب لأنه أكثر من اكتوى بها منذ أكثر من عامين وحتى الآن. لكن التجارب أيضاً علّمته أنه في مواجهة جماعة لا عهد لها ولا حتى قيم، ولا تلتزم بأخلاقيات الحرب ولا بالاتفاقيات التي توقعها مع الأطراف الأخرى، وهي تحارب في تعز بوازع الحقد والانتقام من هذه المدينة التي أسقطت صالح وكانت السباقة لرفض الانقلاب، ويتجلى هذا الانتقام من خلال استخدام القوة المفرطة لقصف المدينة بشكل عشوائي، وكذلك شدة الحصار المطبق عليها".
وأضاف العزب أن "دوافع معظم أعضاء اللجنة، ومعظمهم ينتمون لجناحي المؤتمر الشعبي العام الموالي للشرعية والموالي لصالح، تأتي من محاولتهم تحسين صورتهم لدى الشارع في تعز ومحاولة العودة من جديد إلى رأس السلطة السياسية أو الاجتماعية، باعتبار الحضور والمكانة الاجتماعية التي كانوا يتمتعون بها وفقدوها. وهم اليوم يهدفون لاستعادتها من باب تجنيب تعز الحرب وويلاتها، رغم أنهم كانوا ممن جلبوها بشكل أو بآخر".
ورأى مراقبون أن "تعدد الفصائل المشاركة في الحرب وتشابكها واختلاف مصالحها، إضافة إلى تعدد ولاءات هده الفصائل المرتبطة بجهات وشخصيات خارجية وداخلية، تجعل أي اتفاق مهما كان شكله وهدفه لا يمكن أن يتحقق إذا كان يمس مصالحها في الحرب أو لا يحققها".
ونصّت مسودة أولية حملت عنوان "الخطوات التنفيذية لفتح ممرات آمنة في مدينة تعز"، على أن "تعمل اللجنة المجتمعية للسلام على إبرام اتفاق بين الطرفين المتقاتلين أو من يمثلهما، على أن يتضمن الاتفاق بين الطرفين 13 نقطة، أبرزها أن يكون الممر الغربي، عصيفرة، شمال غربي المدينة، ومنفذ سوفتيل كلابة، شرقي المدينة، ممرين إنسانيين ومنفذي دخول للمدنيين والمواد الغذائية والبضائع والمساعدات الإنسانية. على أن تكون القوات النظامية من الطرفين (قوات اللواء 35 مدرع من طرف المقاومة وقوات اللواء 22 ميكا من طرف الحوثيين) هي المسؤولة عن تأمين المنفذين، فيلتزم قائدا اللوائين بعدم التمدد والحشد والتعزيزات واستحداث مواقع جديدة، كما يلتزمان بإزالة الألغام والقناصة كل من طرفه وعلى بعد كيلومترين من المنفذين".
كما تتضمن الخطوات التنفيذية الاتفاق على انسحاب الجماعات والمليشيات المسلحة غير النظامية (وفقاً لمسودة الاتفاق)، إلى خارج منطقة الممرات الإنسانية على بعد 3 كيلومترات من كل منفذ، وذلك خلال 48 ساعة من توقيع هذا الاتفاق، وإزالة كافة الألغام إن وجدت، وذلك لضمان سلامة المواطنين، على أن يكون ذلك تحت إشراف أعضاء اللجنة المجتمعية، والاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار في المنفذين والمناطق المجاورة لهما.
كما نصّ الاتفاق على أن تكون مهمة تأمين منفذ الخروج، ممر سوفتيل كلابة، للواء 22 ميكا حرس جمهوري (موالي للحوثيين وصالح)، وأن تكون مهمة تأمين منفذ الدخول، ممر عصيفرة، للواء 35 مدرع، التابع للحكومة الشرعية، فتحل قواته في المواقع التي تتواجد فيها تشكيلات المقاومة الأخرى، سواء في المعبر أو جواره.
كما نصّ الاتفاق التنفيذي على إنشاء غرفتي عمليات بإشراف قائدي المحورين في كل طرف، ونيابة قائدي اللوائين وعضوية ثلاثة وكلاء من المحافظة بكل غرفة، وثلاثة من أعضاء اللجنة المجتمعية لرصد ومتابعة الخروق وتسهيل كل الصعوبات التي ستواجه تنفيذ الاتفاق على المستوى الميداني. كما نصّ على عدم إعاقة أو حجز أو إيقاف المواد الإغاثية أو البضائع أو المواطنين وتسهيل أعمال المنظمات الإنسانية وحماية العاملين بالمجال الإنساني.
وتضمن البند رقم (13) على أن يتم التنفيذ الكامل لجميع بنود الاتفاق والطرف الذي سيتخلف عن التنفيذ أو يعمل على إعاقة تنفيذ هذه البنود كلياً أو جزئياً، يتحمل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية والوطنية المترتبة على إعاقته تنفيذ الاتفاق الهادف لتخفيف معاناة المدنيين.
كما حصلت "العربي الجديد" على بنود الاتفاق الخاص بالمعتقلين والمفقودين والأسرى، إذ اتفق الطرفان على أن تعد اللجنة المجتمعية القوائم الخاصة بالمعتقلين والمفقودين المدنيين غير المقاتلين، من الذين لا تنطبق عليهم صفة أسير، وتسمى هذه القوائم "قائمة المعتقلين" و"قائمة المفقودين"، ويتم الإفراج غير المشروط عن أي معتقل مدني يرد اسمه في قائمة المعتقلين التي تعدها اللجنة المجتمعية أو إحالة المتهمين منهم للجهات القضائية الرسمية، وأن يكون الإفراج عن هؤلاء المعتقلين أو إحالتهم خلال 15 يوماً من استلام الجهة "قائمة المعتقلين".
كما اتفق الطرفان على الإفصاح عن المعلومات أو الكشف عن مصير المفقودين المدنيين الذين ترد أسماؤهم في "قائمة المفقودين" التي تعدها اللجنة المجتمعية، وألا تتجاوز فترة الإفصاح أو كشف مصيرهم مدة 45 يوماً بعد استلام القائمة، كما تم الاتفاق على قيام كل طرف خلال 15 يوماً من توقيع هذا الاتفاق بإعداد كشوفات أسراه الموجودين لدى الطرف الآخر والتي تسمى "كشوفات الأسرى - الادعاء" وتسليمها للجنة المجتمعية لنقلها للطرف الآخر والرد عليها خلال 15 يوماً من استلامها، وأن يكون الرد من خلال كشوفات تسمى "كشوفات الأسرى - الرد" يعدها كل طرف. وتقوم اللجنة المجتمعية بعد استلامها "كشوفات الأسرى - الرد" وإجراء المفاوضات اللازمة مع كل طرف، بإعداد الكشوفات النهائية للأسرى الذين ستشملهم عملية التبادل وفقاً لما يتوافق عليه الطرفان، وتسمّى هذه الكشوفات "كشوفات الأسرى النهائية"، الذين يتم تبادلهم تحت إشراف اللجنة المجتمعية. وبحسب المسودة، اتفق الطرفان أيضاً، على تبادل كافة الأسرى بالقوائم النهائية، على أن يتم تجميعهم في موقعين يخصص موقع لكل طرف، كما يتم تحديد موقع التبادل من قبل اللجنة المجتمعية، ويتم تخصيص وسائل نقل جماعية لنقل الأسرى تحت إشراف اللجنة المجتمعية، وفي توقيت متزامن تنطلق الباصات من مكان التجمع إلى المكان المخصص لتبادل الأسرى، كما اتفق الطرفان على الامتناع والتجريم لإصدار أي أحكام بالسجن أو القتل خارج القانون، أو عرض المعتقلين والأسرى على محاكم خاصة وغير قانونية.