في هذا السياق، كان هادي قد أصدر، مساء الإثنين، قراراً بتعيين العميد صالح محمد طيمس، خلفاً للحليلي، قائداً للمنطقة العسكرية الأولى، التي تشمل جزء الوادي ومركزها مدينة سيئون، ثاني أهم مدن حضرموت. واعتُبر القرار بمثابة إقالة، لقائد المنطقة السابق، لكون القوة التي يقودها في حضرموت، استثنائية في الجيش اليمني، وحافظت على تماسكها بعيداً عن الدخول في الحرب مع أي الطرفين، أمام الانهيار الذي تعرضت له مناطق أخرى، كما حصل للمنطقة العسكرية الثانية، ومركزها مدينة المكلا.
الحليلي الآتي من مديرية بني مطر، الضاحية الغربية للعاصمة صنعاء، هو آخر قائد عسكري "شمالي" في المحافظات الجنوبية والشرقية، التي أفادت مصادر قريبة منه لـ"العربي الجديد" أنه "تعرض لحوالى 11 محاولة اغتيال خلال السنوات الأخيرة. كما تربطه علاقة جيدة بنائب الرئيس الفريق، علي محسن الأحمر، ساعدته على البقاء في منصبه حتى اليوم". مع العلم أنه لم يدخل بخصومة مع الانقلابيين في صنعاء، بل حضر الحفل الذي أقامته ما يعرف بـ"اللجنة الثورية العليا" في فبراير/شباط 2015، لإصدار ما سمته "الإعلان الدستوري"، وهي المرحلة التي كان هادي قد استقال من منصبه فيها، وبقي تحت الإقامة الجبرية في صنعاء، قبل أن يتراجع عن الاستقالة بعد مغادرته إلى عدن.
وبغض النظر عن موقف الحليلي وسيرته في المناصب العسكرية، فقد احتل الموقع الأكثر حساسية جنوباً خلال الحرب، بعد انهيار قوات الجيش اليمني في معظم المناطق العسكرية، وتعرضت تلك التي وقعت تحت نفوذ جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحليفها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح للقصف الجوي المكثف المستمر. في المقابل، نشأت قوات عسكرية جديدة في المناطق الجنوبية والشرقية، تحديداً المنطقة الرابعة عدن ومحيطها، والمنطقة الثانية (حضرموت الجزء الساحلي). وجميع عناصرها، عسكريون ومجندون، من أبناء المحافظات الجنوبية، وبعضهم لا يخفي دعوته العلنية للانفصال، لكن قوات الحليلي في المنطقة العسكرية الأولى بقيت هي الوحيدة التي تمثل الجيش بصيغته التي سبقت الحرب، والمؤلف من عسكريين من مختلف المحافظات مع أغلبية للمنتمين من المحافظات الشمالية.
وجاء إبعاد الحليلي واستبداله، بقائد عسكري ينتمي إلى محافظة أبين الجنوبية، وهو اللواء صالح طميس، لتُشكّل خطوة لها أبعادها المهمة، بل رأى بعضهم أنها إبعاد لآخر قائد عسكري "شمالي" بمنصب معتبر في الجنوب. لكن القرارات الرئاسية قطعت أمام هذه الدلالة، بتعيين قائد عسكري من المحافظات الشمالية بمنصب أركان حرب المنطقة الأولى (نائب لقائد المنطقة)، وهو العميد أحمد حسين الضراب، ومع ذلك، فقد ذهبت القوة العسكرية الأهم في المنطقة، وهي اللواء 37 مدرع، لقائد المنطقة الجديد.
ومن شأن القرار أن يمثل خطوة إضافية لإكمال ترتيب وضع حضرموت عسكرياً بصيغة جديدة، يكون لأبناء المحافظة أو المناطق الجنوبية فيها القرار الأول، إذ إن حضرموت تنقسم إلى منطقتين عسكريتين الأولى التي وقعت فيها التغييرات، والثانية التي جرى ترتيب وضعها في الأشهر الماضية مع قيادات عسكرية ومجندين من أبناء المحافظة. كما تأسس فيها وبدعم وإشراف من دول التحالف ما يعرف بـ"قوات النخبة الحضرمية"، التي ساهمت في تحرير المكلا من تنظيم "القاعدة" بعدما سيطر الأخير فيها لعام كامل.
ولحضرموت أهمية محورية، إذ تمثل المحافظة والمحافظات المحيطة بها والمندرجة ضمن ما يعرف بـ"إقليم حضرموت"، نصف مساحة اليمن وتخزّن أغلب الثروة النفطية. وهي الجزء المؤهل للانفراد باستقلال ذاتي، وتتمتع العديد من القبائل والشخصيات فيها بعلاقات وطيدة مع السعودية، حتى أن بعض الأصوات فيها تنادي بالانضمام للسعودية. في المقابل، ردد خصوم السعودية في اليمن مزاعم أن لها أطماعاً بهذه المحافظة، التي يؤهلها موقعها الجغرافي البعيد نسبياً عن مراكز القوى شمالاً وجنوباً، ومساحتها الكبيرة وكثافتها السكانية المنخفضة مقارنة بالمحافظات الأخرى، لأن يكون لها وضع ذو خصوصية نسبية عن بقية مناطق اليمن.
وكان لافتاً مجيء هذه القرارات، بالتزامن مع تطورين هامين، الأول استمرار تحضيرات ما يسمى بـ"المؤتمر الحضرمي الجامع"، الساعي لتكوين كتلة سياسية حضرمية تضم مكونات وشخصيات اجتماعية مختلفة. وهي خطوة أثارت مخاوف في المحافظات الجنوبية الأخرى (عدن ومحيطها تحديداً)، إذ يخشى الجنوبيون، ومنهم المطالبون بالانفصال عن الشمال، من "استقلال" حضرموت عن الجنوب. بالتالي فإنهم راغبون لإعادة تقسيم اليمن على أساس جنوب - شمال، كما كانت الصيغة الشطرية لليمن قبل عام 1990. في الواقع من الممكن أن ترتب حضرموت أوراقها بعيداً عن الشمال والجنوب، وليس المقصود التوجه نحو الانفصال بالضرورة، بل الاستقلال في حكم ذاتي تحت إطار التقسيم الفدرالي للبلاد إلى أقاليم.
أما الحدث الآخر اللافت، الذي جاء متزامناً، فهو ما تناقلته العديد من وسائل الإعلام عن استدعاء شخصيات اجتماعية حضرمية إلى السعودية لعقد اجتماع، لم تعلن تفاصيله. غير أن الخطوة أثارت هي الأخرى جدلاً في الأوساط الجنوبية التي تترّيب من الحراك السياسي ذي الطابع الحضرمي، بعيداً عن الجنوب، فيما الشمال الكتلة السكانية والتأثير السياسي يبدو غارقاً في الحرب المستمرة على جبهات عدة.
ومع تغيير الحليلي، يبدو موازين القوى والسيطرة العسكرية في اليمن، تغيرت إلى حد كبير، إذ أصبحت المحافظات الجنوبية والشرقية، تحت قيادة عسكريين من تلك المحافظات، باستثناء مناصب محدودة، أقل أهمية. ففي حضرموت ومحيطها التي تمثل الجزء الشرقي من اليمن، باتت غالبية القيادات العسكرية فيها من أبناء المحافظة، فيما المحافظات الجنوبية (عدن، والضالع، وأبين، ولحج)، التي تمثل المنطقة العسكرية الرابعة، باتت جميعاً تحت قوات عسكرية وأمنية من المنتمين لهذه المحافظات، وممن جرى تدريبهم ودعمهم من الإمارات. وبعضهم من أنصار الانفصال.
أما في الشمال فتتمحور السيطرة العسكرية حول مركزين وهما: مأرب ومحيطها للشرعية (القوات الموالية للأحمر والمحسوبين على حزب الإصلاح ومختلف القوى الشمالية التي انحازت للشرعية)، وصنعاء ومحيطها تحت سيطرة الانقلابيين. وبين المركزين حرب دامية ومستمرة على جبهات عدة، أبرزها تعز وأطراف صنعاء الشرقية وأجزاء من الجوف شمالاً وحجة شمال غرب.