ومنذ تعيينه الثلاثاء الماضي، تشهد الجزائر جدلاً سياسياً لافتاً بشأن تعيين مزدوجي الجنسية في المناصب العليا. وقبل تعيين شعابنة وزيراً في الحكومة بأقلّ من أسبوع، كان الجدل قد أثير حول نفس المسألة إثر تعيين اثنين من الكفاءات الجزائرية مزدوجة الجنسية في مناصب حكومية عليا، وذلك بعد إعلان الرئاسة الجزائرية تعيين المدير السابق لمعهد الطب في ليون الفرنسية البروفيسور كمال صنهاجي، كمدير عام للوكالة الحكومية للطاقة التابعة للرئاسة، (شغل أيضاً منصب نائب رئيس بلدية ليون الفرنسية)، وكذلك تعيين الياس زرهوني الذي يشغل منصب رئيس وكالة الصحة الأميركية ويحمل الجنسية الأميركية، كمستشار لوكالة الصحة الجزائرية الجديدة.
ويعتقد المراقبون أن الرئيس عبد المجيد تبون قد يكون بهذه التعيينات، تجاوز الدستور الذي يمنع توزير مزدوجي الجنسية وفقاً للمادة 63 من الدستور، والتي تنصّ على أن التمتع بالجنسية الجزائرية دون سواها شرط لتولي المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية، والقانون الذي يمنع توليتهم في وظائف عليا محددة. وفي هذا السياق، قال أستاذ القانون الدستوري مختار خميلي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الدستور واضح كلّ الوضوح في هذه المسألة، وهو يمنع تولية مزدوجي الجنسية. صحيح أن الرئيس عبد المجيد تبون أعلن رغبته في تعديل هذه المادة الدستورية المانعة للاستفادة من الخبرات الجزائرية المتواجدة في الخارج، لكن ما دام هذا التعديل الدستوري لم يتمّ بعد، فإنّ المنع يبقى سارياً، ناهيك عن أن ذلك موضح بوضوح في قانون خاص صدر في يناير/كانون الثاني 2017.
مانع دستوري ومؤشر تخبط
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، صادق البرلمان الجزائري على قانون يحدّد 15 منصباً سامياً في المؤسسات السياسية والأمنية للدولة، يمنع شغله على الجزائريين حاملي الجنسية المزدوجة، وهي رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الأمة، ورئاسة البرلمان، ورئاسة الحكومة وأمانتها العامة، والوزارات، والمجلس الدستوري، والمحكمة العليا، ومجلس الدولة، ومحافظ بنك الجزائر، وأجهزة الأمن، والهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، وقيادة أركان الجيش وقيادة القوات المسلحة والمناطق العسكرية، وأصبح هذا القانون ساري المفعول بعد إقراره من المجلس الدستوري في يناير/كانون الثاني 2017، وتمّت صياغته حينها بناءً على التعديل الدستوري الذي أُقرّ في السابع من فبراير/شباط 2016، ويلزم كلّ شخص مدعو لتولي مسؤولية عليا في الدولة التخلي الطوعي عن أي جنسية أخرى، وتقديم تصريح شرفي يودع لدى الرئيس الأول للمحكمة العليا، يشهد فيه بتمتعه بالجنسية الجزائرية دون سواها.
ويتساءل المتابعون للشأن السياسي في الجزائر عن مبررات هذا التسرع في تعيين الحكومة الجديدة، وكذلك عن طريقة إقالة الوزراء من دون علم مسبق منهم، وتعيين آخرين من دون تشاور مسبق معهم، والتحري من الهيئات المختصة الأمنية والمستشارين القانونيين بشأن سلامة سيرهم من كل ما يخلّ بالمنصب على المستوى الشخصي أو التعارض القانوني.
وقال المحلل السياسي أحسن خلاص في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التعيينات في الفترة الأخيرة لا تخضع للتحقيق المسبق والتحري اللازم من قبل الأجهزة الأمنية المختصة، مثلما كان من قبل، إذ صار جهاز المخابرات يركز نشاطه ويهتم بالنشطاء والمناضلين، وكل ذلك مؤشر على وجود تخبط، والاختلال لا يكمن في قانونية تعيين الوزراء بل في انعدام الرؤية"، سائلاً: "ما معنى أن تثقل الثقافة بثلاث وزارات والرياضة أيضاً والطاقة والصناعة وغيرها؟"، قائلاً: "أعتقد أن الرئيس تبون أعدّ برنامجاً نظرياً مستعجلاً لكنه لا يمتلك خطة تنفيذية".
وكمؤشر آخر على التخبط الحكومي، حظي محمد حميدو بالتعيين مرتين في ظرف أقل من أسبوع، إذ كان قد عُيّن قبل أسبوع عضواً في مجلس الأمة، (الغرفة الأولى للبرلمان) ضمن الثلث الرئاسي، قبل أن يُعاد تعيينه وزيراً للسياحة الثلاثاء الماضي، كما أن حادثة استقالة أو إقالة الوزير شعابنة في غضون أيام على تعيينه، تعيد إلى الأذهان حادثة تعيين وزير السياحة السابق مسعود بلعقون في الحكومة في يونيو/حزيران 2017، لمدة 48 ساعة، وتسلّمه منصبه قبل أن تتم إزاحته بسبب مشكلة تخصّ حصوله بطريقة غير منتظمة على شهادة جامعية. وكذلك، فقد وقعت حادثة ثالثة في فبراير/شباط الماضي، عندما أقدم وزير المالية عبد الرحمن راوية على إقالة المدير العام الجديد للجمارك الجزائرية محمد وارث، وتعيين حكيم برجوج مديراً جديداً لها لمدة 24 ساعة فقط، قبل أن يتم إلغاء القرار وإبقاء المدير السابق في منصبه، بتدخل من رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز جراد.