تعمل الشركة الوطنية الجزائرية للمحروقات "سوناطراك" على تحضير استراتيجية عمل جديدة لتعويض التراجع في إنتاج النفط ومخلفاته على الاقتصاد المحلي، مع التخطيط لإجراء تغييرات سريعة في طريقة تسيير الشركة وإلغاء بعض المناصب واستحداث أخرى لتنمية عمل الشركة. وقالت مصادر من مجمع سوناطراك لـ "العربي الجديد" إن الشركة تضع تجديد الاحتياطات وزيادة إنتاج النفط والغاز، مع خفض تكاليف الإنتاج، في صميم اهتماماتها للوفاء بالتزاماتها التجارية حيال الشركاء، وتعويض الخسائر التي خلفها الهبوط المستمر في الأسعار، خصوصا أنها تمثل المورد الرئيس للخزينة العمومية.
وتراجع إنتاج النفط من طرف شركة سوناطراك بشكل رهيب التزاماً بمقررات اتفاق أوبك+، بالموازاة مع تراجع أسعاره. وبلغ المتوسط شهر مايو/ أيار الماضي، 240 ألف برميل في اليوم، وهو أدنى مستوى للإنتاج منذ الاستقلال، وتراجعت معه المداخيل بمعدل مليون دولار يوميا، بينما تراجعت إيرادات النفط 10 مليارات دولار في السداسي الأول من العام الحالي، إذ بلغت العام الماضي 33 مليار دولار مقابل 23 مليار دولار هذه السنة.
وقررت الدولة بالمقابل وقف استيراد الوقود بداية من العام المقبل، وهو الوقود الموجه للاستهلاك المحلي، إذ تستهلك الجزائر نحو 20 مليون طن من الوقود بمختلف أنواعه سنويا، وبتحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج المحلي ستوفر الخزينة العمومية ما قيمته 1,7 مليار دولار سنوياً.
وقال الخبير الاقتصادي بوزيان مهماه إن تراجع نسبة الإنتاج يعود لانخفاض الاستهلاك الأوروبي، الذي يرتقب أن يكون أقل مستقبلا، إذ تعمل أوروبا على تقليص مستوى الاستهلاك الحالي للغاز الطبيعي والنفط.
وأوضح مهماه لـ"العربي الجديد" إن التراجع في الإنتاج فرضته منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها (أوبك+) التي طالبت الدول المنتجة بتخفيض الإنتاج. واعتبر أن هذا التراجع لا يمثل إشكالا للشركة وأن التخفيض فرضه الفائض الذي تشهده السوق الدولية، منوها بالاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر وبتمكنها من تجديد عقود الغاز والنفط في عز الأزمة الصحية.
وأعرب متابعون عن قلقهم إزاء هذا التراجع في الأداء الإنتاجي والتجاري لصناعة النفط الذي يعمق الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعيشها البلاد، بالموازاة مع عدم استقرار المؤسسة التي عرفت خلال السنتين الأخيرتين العديد من التغييرات التي عطلت تطبيق استراتيجية بديلة لإنعاشها.
وقالت مصادر من الشركة لـ "العربي الجديد"، إن وزير الطاقة الحالي عبد المجيد عطار يحضر لإجراء تغييرات جذرية على مستوى الطاقم المسير لشركة سوناطراك وبعض المناصب، والحد من المصاريف الإضافية ومناصب المسؤولية غير المنتجة، إذ تحضر لجنة عمل مقترحاتها بهذا الخصوص لتنفيذها في أقرب الآجال.
واقترح المحلل الاقتصادي عبد الرحمن عية التعجيل في استصدار النصوص التنظيمية لقانون المحروقات الجديد وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي لجلب العملة الصعبة، والخبرات الأجنبية لتطوير الشركة تقنيا. بالإضافة إلى تصويب منحنيات الاستكشاف والاستغلال لاكتشاف واستغلال مناجم جديدة بالموازاة مع استغلال الطاقات المتجددة والغاز الصخري التي يستكمل الطاقة التقليدية.
ولفت الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة البليدة، فارس مسدور، إلى أن تخفيض الإنتاج يعوضه تحسن الأسعار التدريجي، يضاف إلى ذلك أن التوقعات في الأجل القصير تنبئ بارتفاع معتبر في أسعار المحروقات.
واقترح مسدور تعويض تراجع مداخيل سوناطراك بالجباية العادية، ليس برفع المعدلات وإنما بتوسع دائرة الإخضاع مع تخفيض معدلات عدد من الضرائب والرسوم.
وقال لـ "العربي الجديد"، إنه على الحكومة تبني قرار سيادي يقضي بالعفو الجبائي المشروط، وهذا يقصد به تحفيز الخاضعين للضريبة بدفع ضرائبهم على أساس تخفيضات 50 في المائة مع إلغاء العقوبات وغرامات التأخير لتعويض خسائر تهاوي أسعار النفط وتراجع إنتاجه.
وبدأ تراجع إنتاج سوناطراك خلال سنوات 2015 و2017 حيث تم فتح قضايا سوناطراك أمام العدالة، وتصدرت قضايا الفساد عناوين الصحف داخل الوطن وخارجه خصوصا في إيطاليا وكندا، وما زالت التحقيقات مستمرة في عدد من القضايا على غرار قضية إيني سوناطراك في إيطاليا.
وبلغ متوسط إنتاج الشركة في السبعينيات والثمانينيات أكثر من 1,4 مليون برميل في اليوم، ووصل إلى حدود 1,5 إلى 1,8 خلال الفترة بين 2005 إلى 2010. وزاد تراجع مستوى الإنتاج بالموازاة أيضا مع ارتفاع الاستهلاك المحلي المفرط، الذي خفض من الكميات المصدرة، وبتطبيق قرار تخفيض حصص الإنتاج ومع مراعاة الكميات المستهلكة محليا والمقدرة بنسبة 40 في المائة من الإنتاج لا يبقى الكثير للتصدير.