وشهدت المعابر الحدودية بين الجزائر وتونس أربعة احتجاجات وعمليات غلق واعتراض سيارات تونسية ومنعها من دخول الجزائر، في خطوة تستهدف الضغط على السلطات التونسية لدفعها إلى رفع هذه الضريبة، ومطالبة السلطات الجزائرية بالتدخل، رسمياً، لدى نظيرتها التونسية لرفع الضريبة المعمول بها منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأثقلت هذه الضريبة كاهل السياح الجزائريين وسكان المناطق الحدودية الذين تربطهم علاقات قرابة بعائلات تونسية تقطن على الجانب الآخر من الحدود.
وانتقلت أزمة المعابر الحدودية إلى أروقة البرلمان، إذ تقول النائبة الجزائرية عن حركة مجتمع السلم، سميرة ضوايفية، إنها شاركت في الوقفات الاحتجاجية أمام المعابر الحدودية بمدينة تبسة، شرقي الجزائر، دعماً لمطالب سكان المناطق الحدودية مع تونس. وتشير لـ"العربي الجديد"، إلى أن "القضية لها أبعاد إنسانية، وأخلاقية، واقتصادية، واجتماعية. فكثير من سكان الولايات الحدودية الجزائرية يضطرون للتنقل إلى تونس للعلاج، وآخرون تربطهم علاقات عائلية خلف الحدود، لذا لا يجوز إغفال هذه العوامل في التعامل مع القضية".
وتعتبر ضوايفية أنّ ما يحدث هو "سلوك غير مقبول لأعوان الأمن والجمارك في تونس مع الجزائريين، على غرار حادث استفزاز أعوان الجمارك التونسية على معبر بو شبكة الحدودي، لشخص جزائري ومنعه من دخول التراب التونسي بشحنة بطاطا لتصديرها".
بدوره، تقدم النائب عن كتلة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، بمساءلة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، رمطان لعمامرة، يطالبه فيها بالتدخل لحل مشكل الضريبة المفروضة من طرف السلطات التونسية على الجزائريين أثناء عبورهم إلى تونس بسياراتهم. وأشار في طلب المساءلة إلى أنه "في الوقت الذي يتلقى فيه السائح التونسي كل التسهيلات أثناء دخوله التراب الجزائري وهو يتنقل من دون أي قيود أو عراقيل، يتعرض السائح الجزائري على المعابر الحدودية إلى ابتزاز حقيقي من الجانب التونسي يتمثل في تسديد ضريبة مقدرة بـ30 دينارا تونسيا (ما يعادل 15 دولارا أميركيا)، في كل مرة يدخل تونس بمركبته أو إذا كان أحد الناقلين العاملين على خط عنابة ـ تونس الذين في كثير من الأحيان يدخلون مرتين، يومياً، وهذا يكلفهم مصاريف إضافية".
ووصف النائب ذاته ما يحصل "بسوء المعاملة التي يتعرضون لها من قبل بعض الأعوان التونسيين، في الوقت الذي كان السياح الجزائريون ينتظرون من السلطات التونسية إجراءات تمييزية كما يُتعَامل مع السياح الآخرين، خصوصاً الغربيين، بسبب ما يقدمه الجزائريون لفائدة السياحة التونسية، وهم الذين أنقذوها بعد الاعتداءات الإرهابية في السنوات الأخيرة"، وفقاً للبرلماني. واعتبر بن خلاف أن "الوضع يتطلب التدخل لحل هذه الإشكالية التي تسيء إلى بلدين جارين تجمعهما الكثير من المصالح المشتركة ذات الأبعاد المختلفة".
ويرى مراقبون أن تونس لا تتعامل بالجدية المطلوبة مع السائح الجزائري، وترد بشكل سلبي على الموقف الجزائري الشعبي والرسمي، والدعم الذي تتلقاه لتحسين أوضاعها الاقتصادية. وتساءل الإعلامي بدر الدين داسة، عما "إذا كان هذا جزاء من ساند الاقتصاد التونسي المتهالك بعد فرار الأجانب، وانقطاع مجيئهم إلى تونس بسبب الوضع الأمني"، مشيراً إلى أن "السلوك التونسي قد يرفع من دعوات مقاطعة الذهاب إلى تونس".
ومنذ منتصف شهر يوليو/تموز الماضي، يدخل إلى تونس، يومياً، 15 ألف جزائري، معظمهم لقضاء عطلة الصيف. فيما يدخل ألف شخص، يومياً، عبر المعابر الحدودية الستة بين الجزائر وتونس، أغلبهم للعلاج. وفرضت السلطات التونسية، العام الماضي، ضريبة 30 دينارا تونسيا على كل شخص جزائري يدخل تونس، قبل أن تسارع إلى إلغاء القرار بسبب احتجاجات من قبل الجزائريين والليبيين والتونسيين من سكان المناطق الحدودية مع ليبيا، بعد إحجام عدد كبير من الليبيين عن الدخول إلى مدن بن قردان والذهيبة، على الطرف الجنوبي للحدود بين تونس وليبيا.
واللافت أن أزمة المعابر تأتي في ظل انفراج نوعي في أزمة النقل البري بين تونس والجزائر، إذ بدأت هذا الأسبوع وسائل النقل العام للمسافرين، تقوم بزيارة يومية بين مدينة عنابة، شرقي الجزائر، والعاصمة تونس، إضافة إلى رحلة أسبوعية بين العاصمة الجزائرية وتونس العاصمة. فبعد انقطاع دام سنوات انطلقت، منذ أسبوعين، أول حافلة للنقل البري من العاصمة تونس باتجاه محطة المسافرين بمدينة عنابة، شرقي الجزائر، وبأسعار أقل من تلك التي تفرضها سيارات أجرة كانت تؤمّن، وبشكل غير قانوني، التنقل بين مدن شرقي الجزائر، مثل سطيف، وعنابة، وقسنطينة إلى تونس. وتأتي هذه الخطوة تنفيذاً لتوصيات الدورة الـ20 للجنة الكبرى المشتركة الجزائرية التونسية في أكتوبر/تشرين الأول 2015 بالجزائر، والتي كان قد تم خلالها التوقيع على اتفاق بين شركة نقل خاصة والشركة الحكومية التونسية في ديسمبر/كانون الأول 2015.
ويُتوقع أن يتم توسيع خطوط النقل البري عبر خطين جديدين؛ الأول بين ولاية الوادي وولاية قفصة التونسية، والثاني من ولاية تبسة إلى ولاية القصرين، إلى جانب تمديدهما بحسب المعطيات العملية، وإضافة خطوط أخرى كلما اقتضت الحاجة. وتضاف هذه البرامج إلى مشروع لتطوير النقل بالسكك الحديدية بين عنابة والعاصمة تونس، مروراً بالمدن الحدودية.
ولم تعلن السلطات الجزائرية أي موقف رسمي بشأن هذه التطورات، ولا تملك من الناحية العملية سلطة التدخل في قرارات سيادية بالنسبة لتونس، أو مطالبتها بإلغاء ضرائب أو فرض أخرى، لكنها تملك إمكانية الضغط على الجانب التونسي باتجاه منح الجزائريين، للاعتبارات السياسية والاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية، امتياز عدم دفع الضريبة، أو اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل وفرض ضريبة على الرعايا التونسيين حال دخولهم إلى الجزائر. كما تبدو تونس بين نارين، كونها بحاجة ماسة إلى مداخيل إضافية لخزينتها في ظل انهيار الاقتصاد التونسي، ما يعني حاجتها إلى الضرائب المفروضة على دخول السيارات من جهة، وحاجتها إلى الدعم السياسي والاقتصادي للجزائر، من جهة أخرى.