تفاهمات النظام السوري وحفتر: تقارب بين معسكر الثورات المضادة

03 مارس 2020
تواصل قوات حفتر هجومها ضد طرابلس (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن اللقاء الذي جمع ممثلين عن حكومة طبرق غير المعترف بها دولياً بمسؤولين في النظام السوري، أول من أمس في العاصمة السورية دمشق، بالمفاجئ، بعدما تراكمت المعطيات في الآونة الأخيرة التي تشير إلى تقارب يجمع بين إثنين من معسكر الثورات المضادة في العالم العربي، واللذين يشتركان في قربهما واعتمادهما على الدعم الروسي للبقاء، فضلاً عن عدائهما لتركيا.

الخبر الرسمي الذي نشر على وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري "سانا"، أشار إلى لقاء جمع وزير خارجية النظام وليد المعلم بنظيره في الحكومة الليبية غير المعترف بها عبد الهادي الحويج، جرى خلاله بحث قضايا مختلفة كان من بينها التدخل التركي في كلا البلدين. وتم عقب اللقاء التوقيع على مذكرة تفاهم "بشأن إعادة افتتاح مقرات البعثات الدبلوماسية والقنصلية وتنسيق مواقف البلدين في المحافل الدولية والإقليمية، وعلى وجه الخصوص في مواجهة التدخل والعدوان التركي على البلدين وفضح سياساته التوسعية والاستعمارية بالإضافة إلى العمل على تعزيز التعاون في كل المجالات". كما تحدثت "سانا" أمس عن لقاء الوفد الليبي برئيس النظام السوري بشار الأسد.

وبقدر ما يبدو واضحاً أن موقف الطرفين من تركيا يشكل عاملاً أساسياً في تسريع التقارب بينهما، إلا أن فصوله كانت قد بدأت تظهر منذ فترة، وتحديداً منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، عندما كشفت مصادر برلمانية وعسكرية مقرّبة من معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن بدء نشر الأخير عدداً من المقاتلين التابعين للواء "الفاطميين" في محاور جنوب طرابلس، ومنها محور السبيعة. وكشفت المعلومات في حينه أن نقل المقاتلين الأفغان، الذين يشاركون في القتال إلى جانب النظام السوري، إلى ليبيا، يتم عبر شركة "أجنحة الشام" السورية بشكل أساسي، التي تسيّر رحلاتها من دمشق إلى بنغازي منذ يونيو/ حزيران الماضي، بحجة "تنشيط التبادل التجاري بين البلدين".

وفي السياق ذاته، أصدرت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً في الشهر نفسه، بياناً اتهمت فيه هيئة الاستثمار التابعة لقوات حفتر، بأنها "تقيم علاقات تجارية مشبوهة، وتسير رحلات جوية مباشرة بين مطاري بنينا (في بنغازي) ودمشق". كما أشارت إلى أنها "تمنح موافقة لشركة أجنحة الشام وشركات أخرى لتسيير هذه الرحلات"، فيما وضع مصدر في الشركة، رحلاتها في إطار تلبية حاجات الجالية السورية في ليبيا بحسب ما نقل موقع "روسيا اليوم" في حينه.

في السياق نفسه، أوضح العميد فاتح حسون، وهو قيادي في المعارضة وعضو سابق في "هيئة التفاوض" للمعارضة السورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "بداية حبذا لو نكون أكثر دقة في توصيف العلاقة بين حفتر ونظام المجرم بشار الأسد، فهو ليس بتقارب بقدر ما أنه امتداد لسلسلة الإجرام في منطقتنا العربية، وإذا أردنا أن نجد القاسم المشترك بين الجانبين سيكون الجواب واضح جداً، وهو تأمين المصالح الروسية في المقام الأول، وبقاء المجرمين حفتر والأسد في منصبيهما الإجراميين".



ووفقاً لحسون فإن "المنفعة المتبادلة كبيرة بين الطرفين من ناحية إرسال المرتزقة والدعم البشري، وهذا الأمر يصب في خانة نظام بشار الأسد، كون الخلافات بدأت تطفو ما بين فرقاء القتل والإجرام على الساحة السورية (إيران وروسيا)، وعدم وجود الموارد البشرية الكافية من المقاتلين لدى النظام سيحمله ربما على الاستعانة بمرتزقة حفتر رغم أن الواقع الحالي عكسي. فلم تقتصر علاقة حفتر بروسيا على الزيارات التي يجريها بين الحين والآخر إلى موسكو منذ عام 2016 وحتى الآونة الأخيرة، ولكنها تمحورت حول المرتزقة الذين يعمقون الأزمات هنا وهناك".

وأشار حسون إلى أن "الطرفين (حفتر والأسد) يسعيان إلى إخماد الربيع العربي في بلديهما ولكل منهما أسلوبه الإجرامي ودوره الذي يؤديه في بلده، لكن يبقى الدور الخفي لرجال الأعمال الروس الذين يهندسون العلاقة بين هذه الأنظمة ويصنعون لها الأدوار ويوزعونها بينها، ومن هذه الشخصيات رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين ممول شركة فاغنر الروسية للمرتزقة، الذي التقى حفتر في روسيا سابقاً، والتقى العديد من مهندسي آلة القتل في سورية تحت رعاية المجرم بشار".

من جهته اعتبر المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة وفد حكومة الشرق لدمشق لا يمكن أن تشكل أي مكسب سياسي للجانبين،، فكلاهما يحاول كسب شرعية مفقودة، عربياً ودولياً، بمحاولة توقيع اتفاقات دبلوماسية لتبادل السفارات أو الحديث عن تبادل تجاري. وأكد أن "الخطوة شكلية" خصوصاً لحكومة مجلس نواب طبرق، التي لم تتمكن من الحصول على اعتراف حتى الدول الأشدّ قرباً من مجلس النواب الذي عينها مثل مصر والإمارات.

عسكرياً، استبعد الخبير الأمني الليبي، الصيد عبد الحفيظ، تجاوز حد التعاون بين الجانبين أكثر من الاستمرار في إرسال المرتزقة السوريين إلى بنغازي، متسائلاً: "ماذا يمكن أن يقدم الاتفاق على التعاون الأمني والمخابراتي بين الطرفين كما أعلن وزير الدفاع بحكومة مجلس النواب يونس فرحات؟". ولخّص عبد الحفيظ رأيه بالقول إن "الزيارة وفي هذا التوقيت الذي يعيش فيه حفتر فشلاً عسكرياً، والأسد حالة من الاختناق العسكري في إدلب لا أراها سوى محاولة لاستجداء دعم أكثر من روسيا، التي تلوح سياساتها إلى تقارب مع تركيا، وربما يؤشر على ذلك عنوان (مكافحة الغزو التركي) الذي حملته زيارة وفد حكومة مجلس النواب".