ويواصل الاحتلال في هذا الصدد، عمليات الإعدام الميدانية يومياً، عبر إطلاق النار على الفلسطينيين والفلسطينيات، الذين يزعم بأنهم يحاولون تنفيذ عمليات ضد المستوطنين والجنود، كما حدث مع الشهيدة دانيا جهاد إرشيد، التي أعدمها جنود الاحتلال في الخليل يوم الأحد. وتكرّر الأمر مع الشهيد رائد جرادات، أمس الإثنين. ويُلَاحَظ أن الاحتلال يحافظ على نمط ثابت لضمان استشهاد من يحاولون تنفيذ العمليات، عبر منع سيارات الإسعاف الفلسطينية من تقديم المساعدة لمن يُطلق الاحتلال النار عليهم.
في غضون ذلك، يؤكد نتنياهو، أن "إدارة الأمور في المسجد الأقصى ستبقى على حالها"، مما يعني عملياً مواصلة الاحتلال ضبط حركة الدخول والخروج من المسجد الأقصى، وأنه وحده من يُحدّد الدخول للأقصى والخروج منه وتحديد ساعات "الزيارات". بالتالي يرفض الاحتلال في واقع الحال، الاقتراح الذي كان قد قدّمه الأردن قبل نحو ثلاثة أسابيع، في شأن "إعادة صلاحيات إدارة الأقصى للأوقاف الأردنية"، التي كانت مسؤولة عنها حتى العام 2003.
إلى ذلك، فإن مواقف الحكومة الإسرائيلية، من خلال تصريحات نتنياهو بشأن ارتياحه إلى الموقف الأردني، تشير إلى محاولات واضحة للإيحاء بأنه "قد تمّ حلّ الأزمة، ويبقى الآن استعادة الهدوء". وهي محاولات تدخل هي الأخرى ضمن مساعي التضليل الإسرائيلية، لا سيما أن موضوع نصب الكاميرات في باحات الأقصى وُوجه أمس بمنع من الشرطة الإسرائيلية.
كل ذلك يعني أن الاحتلال يعتزم نصب كاميرات، يتحكّم هو بها لأغراض أمنية بحتة، تُمكّنه من مراقبة الناشطين في المسجد الأقصى، وتثبيت حضورهم، لاعتقالهم لاحقاً معتمداً على أشرطة التصوير. ولعل من اللافت في هذا السياق إعلان المستشار السابق لنتنياهو، يوعاز هنديل، يوم الأحد، في القناة الثانية، أن "نصب الكاميرات هو مصلحة إسرائيلية". ويؤكد في هذا الصدد أنه "لو كانت إسرائيل هي التي طلبت ذلك لواجهت معارضة، ولكن طرح الاقتراح من الطرف الأردني، سهّل المهمة وجعل الأمر مقبولاً".
لكن التفاهمات أو التعهّدات التي أُعلن عنها، تبقى في واقع الحال غير ذات صلة، في كل ما يتعلق بالقدس المحتلة، إذ ليس لدى أي طرف، تحديداً الأطراف العربية المعنية، سواء الأردن، أو السلطة الفلسطينية، أي سيطرة أو صلاحيات أو نفوذ حقيقي بين سكان القدس.
اقرأ أيضاً اقتطاع المساعدات الأميركية لفلسطين: تبنٍّ أعمى للرواية الإسرائيلية
بالتالي لا يُمكن لأي من هذه الجهات أن تضمن، خلافاً للوضع القانوني والميداني في الضفة الغربية، فرض التهدئة لافتقارها للأدوات اللازمة، بينما تستطيع السلطة الفلسطينية، مثلاً عبر التنسيق الأمني مع الاحتلال، وعبر أجهزتها، منع الفلسطينيين من الوصول لنقاط الاحتكاك في الضفة، أو حتى فضّ التظاهرات بالقوة.
إلى ذلك، يواصل الاحتلال عملياً عزل الأحياء الفلسطينية في القدس، خلف حواجز ونقاط تفتيش عسكرية، معززة بكتل إسمنتية عند مشارف الأحياء الفلسطينية. مما يزيد من حالة الضغط والغليان، خصوصاً أن هذه الخطوات تأتي مصحوبة بعمليات تفتيش جسدية مهينة ومذلّة على الحواجز الفاصلة بين الأحياء الفلسطينية، البعيدة نسبياً عن قلب المدينة المحتلّة، كأحياء العيساوية وجبل المكبر وسلوان، ورأس العامود.
وإذا كان هذا غير كافٍ لتوضيح ضآلة فرص تحقيق "تهدئة"، التعبير المخفف للهدف الإسرائيلي وهو "كسر الانتفاضة"، فإن انتقال العمليات ومحاولات الطعن والدهس إلى جنوبي الضفة الغربية، وتمركزها أخيراً في منطقة الخليل، حيث يعيش الفلسطينيون حالة صدام يومية مع أشدّ المستوطنين تطرّفاً، يزيد عملياً من حدّة التحدي للاحتلال. لا سيما أن العمليات التي تمّت لغاية الآن، نُفّذت من قبل أفراد لا ينتمون لتنظيمات أو فصائل فلسطينية، من جهة، ومن شبّان في مقتبل العمر لم يتجاوزوا سنّ العشرين.
ويبدو جلياً في الفترة الحالية، أن الهدف الإعلامي يصبّ في إطار تغيير صورة إسرائيل أمام الرأي العالمي، واختزال الانتفاضة بأنها موجة "أعمال" على خلفية "التحريض الفلسطيني" ضد السياسة الإسرائيلية في القدس والأقصى، مع تركيز الدعاية الإسرائيلية على أنه لم يحدث أي تغيير "في الوضع القائم". ويُشكّل هذا الهدف العامل الرئيسي وراء التراجع النسبي عملياً في لهجة نتنياهو في ما يتعلق "بزيارة اليهود وغير المسلمين للمسجد الأقصى، وأن المسلمين فقط هم من يسمح للصلاة فيه".
أما على الصعيد العسكري الميداني، فقد ذكرت الصحف الإسرائيلية أمس، وفق مختلف محرريها للشؤون العسكرية والأمنية، أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، تتوقع عملياً أن تستمرّ الانتفاضة وألا تتوقف بمجرد إعلان تعهدات نتنياهو، التي نقلها كيري لكل من العاهل الأردني، الملك عبدالله ولرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ويستدلّ على ذلك باستمرار الانتشار المكثف لقوات الاحتلال في القدس، وفي حراسة وتأمين الحافلات العامة، كما في تشديد الطوق الأمني على الفلسطينيين في المدينة المقدسية.
وفي هذا السياق، يشير المحلل رون بن يشاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في تحليلٍ له يوم الأحد، إلى أنه "كون التفاهمات شفهية غير مكتوبة، يُمكن لكل طرف منحها التفسير الذي يريد، لكونها غير ملزمة دبلوماسياً ولا بحسب القانون الدولي، كما أنها صيغت بمصطلحات خافتة، تفتقد للحدة والوضوح وليس بمصطلحات قانونية دقيقة".
أما محاولات نتنياهو، والتسريب المقصود من مداولات "الكابينيت" (مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر) قبل أسبوعين، حول اقتراحه سحب البطاقات الزرقاء وإلغاء الوضعية القانونية لنحو مائة ألف فلسطيني في الأحياء الواقعة خلف جدار الفصل، ويُسمّون بموجب القانون الإسرائيلي "مقيمين"، فقد ثبت أنه كان مجرد مناورة إعلامية. مناورة يستحيل تنفيذها عملياً لأن القوانين الإسرائيلية، تحديداً ما يُسمّى بقانون "القدس وأرض إسرائيل" لا تجيز سحب الإقامة من سكان يعيشون ضمن منطقة نفوذ بلدية "القدس الموحدة" بشكل عشوائي وجارف، ما لم يغير هؤلاء مكان إقامتهم، لأن غير ذلك يُعدّ بمثابة ترحيل وطرد (ترانسفير).
وتلفت في هذا الصدد، أستاذة القانون الدولي روت لبيدوت، في حديث لها، الأحد، مع الإذاعة الإسرائيلية العامة، إلى أن "مثل هذا الاقتراح لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، لأنه بحاجة أولاً إلى تغيير قانون القدس المذكور، بغالبية 61 صوتاً في الكنيست، ومن ثم أن يحظى بأغلبية في استفتاءٍ عام، أو أن يتم تعديل القانون بأغلبية 80 صوتاً. وهو أمر غير واقعي على الإطلاق في تركيبة السياسة الإسرائيلية الحالية".
اقرأ أيضاً: عشرون ألف مغربي تظاهروا دعماً للشعب الفلسطيني في البيضاء