للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية منتصف مارس/آذار 2011، تضرب مدينة القرداحة التابعة لمحافظة اللاذقية، ومسقط رأس الرئيس السوري بشار الأسد، والمعقل الحصين للنظام السوري، سيارة مفخخة، تسفر عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم عضو مجلس محافظة اللاذقية سامي نعمة وقياديان عسكريان، إضافة إلى إصابة عدد آخر.
ونظراً لطبيعة المنطقة الحساسة وانتشار عشرات الحواجز العسكرية حول المدينة، وانحسار التغطية الإعلامية، وبُعد أقرب نقطة سيطرة للمعارضة السورية المسلّحة عن مكان الانفجار قرابة 20 كيلومتراً، فقد ذهب البعض إلى القول إن التفجير كان سببه خلافات داخلية في صفوف أنصار النظام السوري، لكونه تسبّب بمقتل عضو مجلس المحافظة، وأحد الضحايا من عائلة "خيربك"، وهي عائلة تواجه خلافات بين الفينة والأخرى مع عائلتي الأسد ومخلوف، مع استبعاد أن يكون التفجير قد حصل بواسطة صواريخ "غراد".
من إدلب إلى اللاذقية
تبعد أقرب نقطة تسيطر عليها المعارضة السورية 20 كيلومتراً من مكان الانفجار، وهي في مدينة سلمى التابعة لجبل الأكراد في ريف اللاذقية، إلا أن اللافت في الأمر دخول السيارة من ريف إدلب، ومن هنا فإن العملية تم التنسيق لها قبل أشهر، إذ تكشف مصادر لـ "العربي الجديد" أن "العملية نُفذت بواسطة شاب يُدعى عبد المعين الحريري، وملقّب بأبو خالد الإدلبي، وهو من مدينة تلمنس في ريف إدلب الشرقي، وقد تم التفجير بواسطة سيارة من نوع "انفنتي" بيضاء اللون، تحمل لوحة حلبية، تم تمويهها لتشبه سيارات استخبارات أمن الدولة، ومن يقودها ليس على لائحة المطلوبين لدى النظام".
وتؤكد المصادر أن "السيارة انطلقت من ريف إدلب الجنوبي إلى منطقة جورين التابعة إدارياً لريف حماة، ومن ثم إلى القرداحة في ريف اللاذقية، من دون تحديد الطريق بدقة لعدم كشف معلومات سرية للثوار"، مشيرة إلى أن "منفذ العملية قدِم من إدلب، واستقر في صفوف تجمّع "نصرة المظلوم" لعدة أسابيع قبل أن يعود إلى إدلب قبيل أيام من التفجير".
كتيبة إسلامية تبنت التفجير
من جهته، يكشف عضو الهيئة العامة للثورة السورية مجدي أبو ريان، أنه "تواصل مع المسؤول الأساسي عن العملية، واطّلع على فيديوهات لسير العمل (الاستطلاع)، وقد دخل أبو خالد الإدلبي إلى اللاذقية وبحوزته أوراقا من النظام"، موضحاً أنه "تواصل مع أمراء جبهة النصرة وقائد تجمّع نصرة المظلوم أبو سفيان بهذا الخصوص".
ويرى أبو ريان في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "مجرد تفجير سيارة مفخّخة في القرداحة يكفي، أما مقتل عضو مجلس محافظة اللاذقية بالانفجار فكان مصادفة"، مؤكداً أن "السيارة انطلقت من إدلب، لأن المعارضة في مناطق سيطرتها في ريف اللاذقية لا تملك أساسيات تصنيع مواد متفجرة"، لافتاً إلى أن "التوقعات تشير إلى أن أبو خالد فجر حزاماً ناسفاً في السيارة".
اقرأ أيضاً: رئيس "الائتلاف السوري" يزور السعودية في أول زيارة رسمية
وكان تجمّع "نصرة المظلوم" تبنى العملية، وهو تجمّع مستقل ذو توجهات إسلامية، بدأ بكتيبة، ثم انضمت إليه مجموعة من الكتائب ليصبح تجمّعاً بقيادة أبو سفيان. وقال التجمّع إنه "تم بعون الله إدخال أول استشهادي إلى القرداحة مسقط رأس الأسد"، رداً على مجازر النظام في دوما واللاذقية، متوعداً بالمزيد قريباً، واعداً بإصدار مرئي خلال الأيام المقبلة.
ويرى نائب قائد الجيش السوري الحر السابق العقيد مالك الكردي، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "القيام بمثل هذا العمل في القرداحة ليس مستحيلاً، فالإجراءات الأمنية على مداخل المدينة اعتيادية، ويكفي أن يتبرّع شخص للقيام بمثل هذه العملية لتكون بقية الإعدادات اللوجستية ممكنة كإعداد السيارة، وتصنيع المادة المتفجرة".
ويؤكد الكردي المنحدر من بلدة الحفة الواقعة بين مدينتي سلمى والقرداحة، أن "اختيار الهدف وتحديد وقت التفجير يتم بعد استطلاع ومراقبة جيدة ولفترة محدودة، ومن المستحيل أن يكون مثل هذا العمل نتيجة خلافات داخلية للنظام أو الطائفة، وكذلك من المستبعد جداً أن يكون نتيجة صواريخ غراد، فحجم التدمير أكبر وطريقة الانفجار مختلفة".
ويعتبر أن "هذا التفجير له آثار سلبية على النظام، فهو اختراق لقلعته الأساسية ورمز وجوده، ولكن قد تكون له أيضاً تبعات انتقامية على السنّة الموجودين في أماكن سيطرة النظام".
خلافات داخلية
من جهة أخرى، لا تزال مصادر في المعارضة تصرّ على أن التفجير عبر سيارة مفخخة نابع من خلافات سياسية بين عائلات "جهاد خيربك"، والأسد ومخلوف، وخصوصاً أنه تسبّب بمقتل امرأة من عائلة خيربك، وعضو مجلس محافظة اللاذقية سامي نعمة.
ويشير الصحافي سليم العمر، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن "المرأة التي قُتلت هي من عائلة خيربك، وكان يرافقها مسلحان اثنان من آل عدرا قُتلا خلال الانفجار، وهما من قرية بسطامو، ومعروفان بعدائهما لعائلتي الأسد ومخلوف"، مشيراً إلى أن "أي سيارة مفخخة يجب أن تمر بعشرة حواجز عسكرية قبل أن تدخل إلى القرداحة، كحاجز المطار وحاجز الجسر وحاجز المواصلات، وهي حواجز رئيسية".
ويرى العمر أن "فرضية العملية الانتحارية مستبعدة جداً، فلا توجد أشلاء، والنظام قال إنها سيارة مفخخة رُكنت في المكان قبل ساعتين أو ثلاث من وقوع التفجير، ولو أن المعارضة من فعل ذلك، لكان التلفزيون السوري قد طبل وزمر بما يكفي للتفجير".
وفي السياق نفسه، يعتبر الكاتب الصحافي زين الباشا، أن ما "جرى في القرداحة هو بسبب خلافات داخلية قديمة جديدة، فهذه المدينة تغيب منذ عقود عن الواقع والجغرافيا السورية، وتحكمها مافيا سلطوية وعصابات طائفية وعائلية".