وبحسب الدراسة التي تنشر عشية الذكرى السنوية الثالثة عشرة للعدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، فإن أحداث العام الماضي، وحملة جيش الاحتلال تحت مسمى درع الشمال للكشف عن ستة أنفاق هجومية حفرها حزب الله، كجزء من استراتيجية وخطة لاحتلال مناطق في الجليل في حال اندلاع مواجهة عسكرية مع دولة الاحتلال، تعكس صورة الوضع الحقيقي في لبنان، وتحديدا في جنوب لبنان.
ووفقا للدراسة فإن هذا الواقع يعني في "بعده العسكري، وجود ثلاثة جيوش تنشط بالتوازي في جنوب لبنان في عالمين متقابلين: جيش حزب الله (الأصفر) الذي يتقوى على مر السنوات الأخيرة بمساعدة إيران في جنوب لبنان، عبر خرق منهجي لتعهدات حكومة لبنان بموجب القرار 1701. ويتم إخفاء نشاطه العسكري بستار مدني، داخل المناطق السكنية المدنية وفي "عقارات بملكية خاصة".
وعلى الرغم من أن عناصر كثيرة من القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (الجيش الأزرق)، كثفت من جولاتها في العامين الماضيين، وزادت من تقاريرها المرفوعة عن هذه الجولات، إلا أنه لم تتمخض عنها نتائج سوى رفع تقارير عن التعرض لهذه القوات.
ووفقا للدراسة، فإن القوة الثالثة، الجيش اللبناني ("الأحمر")، يفترض أن تفرض سيادة الدولة باعتبارها القوة العسكرية الشرعية الوحيدة في المنطقة، من خلال مساعدة قوات اليونيفيل، مشيرة إلى أن الجيش اللبناني يساعد حزب الله في إخفاء نشاطه عن الأمم المتحدة، وفي تقييد حركة القوات الدولية اليونيفيل".
وتدعي الدراسة أنه على الرغم من المساعدات التي يتلقاها الجيش اللبناني من الغرب، إلا أنه يتقاعس عن تطبيق ما هو متوقع منه بنشر مزيد من قواته في الجنوب. وفيما ترفع الأمم المتحدة آلاف التقارير عن جولات ميدانية لا تأتي بنتائج أو معلومات، ثبت أن بحوزة إسرائيل صورة استخباراتية أمنية عما يحدث داخل مشاريع سرية ينفذها جيش حزب الله.
وتذكر الدراسة أن الوقائع التي كشفتها إسرائيل في هذا السياق تجعل من "ثرثرة الأمم المتحدة" بشأن انعدام الأدلة عن تجاوزات لبنان لتعهداتها بموجب القرار الدولي 1701 أمرا مضحكا.
وتدعي الدراسة أن الحكومة اللبنانية رهينة لحزب الله، وأن هناك ثغرة، على المستوى السياسي، بين دعوات ومناشدات المجتمع الدولي لحكومة لبنان وبين الحقيقة المجردة بأن هذه الحكومة، سواء كرهينة أم كشريكة بمحض إرادتها، تقوم بدور نشط بإخفاء جيش حزب الله، وإتاحة نشاطه ضد إسرائيل وضد قوات الأمم المتحدة.
وتقول الدراسة إن رئيس حكومة الاحتلال شدد سابقا على أنه "على أثر سيطرة إيران وحزب الله على السياسة اللبنانية، لم تعد حكومة لبنان هي الحل، بل باتت جزءا من المشكلة، والآمال المعلقة عليها كاذبة وهو أمر بات معروفا".
وترى الدراسة، في هذا السياق، أن التهديد العسكري اللبناني يعد الأخطر على أمن إسرائيل اليوم على حدودها الشمالية، مشيرة إلى أنه يتوارى داخل منطقة مأهولة بالسكان ويحظى بحماية دولية وإنكار لوجوده.
وتضيف الدراسة "صحيح أن الحدود هادئة منذ الحرب، لكن احتمالات اشتعال الأوضاع تتصاعد، في ظل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والخطوات المضادة التي تتخذها إيران، والمعركة المتواصلة بين إيران وإسرائيل في سورية والضغوط الاقتصادية المتصاعدة على إيران وحزب الله ولبنان".
وتشدد الدراسة على أنه في حال اندلاع المواجهة العسكرية فستجد كل من إسرائيل وحزب الله أنفسهما في حرب ضارية وفتاكة وهدامة، فيما ستضطر الأمم المتحدة للتعامل مع أمرين: الأول فقدان مصداقيتها، والأخطر من ذلك وجود عشرات آلاف جنود القوات الدولية في قلب إحدى أكثر المناطق في العالم ازدحاما.
وتدعو الدراسة حكومة دولة الاحتلال إلى زيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على حزب الله وإبعاد أسس الغطاء السياسي الدولي الذي توفره له الحكومة اللبنانية، إضافة إلى العمل على تثبيت الوضع الأمني في لبنان تدريجيا.
أما على صعيد التعامل مع اليونيفيل والأمم المتحدة، فإن الدراسة تدعو الحكومة إلى الاعتراف بالدور الإيجابي لقوات اليونيفيل والأمم المتحدة، والسعي -بموازاة ذلك- لتقليص الدعم الاقتصادي والسياسي الذي توفره الأمم المتحدة للبنان وحزب الله وخفض وتقليل الخطر الذي يتهدد قوات اليونيفيل، والسعي لتقليص عدد هذه القوات تدريجيا، مع تقليص ميزانية هذه القوات التي تصل سنويا إلى نحو نصف مليار دولار، وتقليص عدد العاملين في صفوف هذه القوات من اللبنانيين أنفسهم، من سكان الجنوب تحت مزاعم أن هذا العمل والمساعدات تذهب إلى حزب الله بشكل مباشر.
وبشأن الولايات المتحدة، تدعو الدراسة حكومة الاحتلال إلى الضغط على الولايات المتحدة والحكومات الغربية إلى اعتماد سياسة موحدة تجاه لبنان والجيش اللبناني، إذ لا يمكن الجمع بين الموقف الإسرائيلي بأن الجيش اللبناني يتعاون مع حزب الله وبين سياسة الدول الغربية الهادفة إلى "تعزيز مكانة الجيش اللبناني".
وتتحدث الدراسة أيضا بالتفصيل عن اقتراحات بفرض عقوبات اقتصادية على وحدات داخل الجيش اللبناني تتهمها الدراسة بمساعدة حزب الله والتعاون معه (مثل المخابرات العسكرية وقادة الوحدات في الجنوب) على غرار العقوبات التي فُرضت على نبيه بري، علاوة على فرض عقوبات اقتصادية على مؤيدي حزب الله في الجنوب ومنع التمويل عن جمعية "أخضر بلا حدود".
كما تدعو الدراسة إلى استنفاد الأبعاد الإيجابية لاستئناف المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، بوساطة أميركية لترسيم الحدود المائية لحقول الغاز في البحر المتوسط والتي يفترض أن تبدأ قريبا، كما تقترح إخضاع وتحدي لبنان وحزب الله من خلال تقديم مبادرة سياسية تشمل مطلب نزع سلاح حزب الله الثقيل للجيش اللبناني.
ومع أن الدراسة تقر بأن اقتراحا كهذا غير عملي، إلا أن من شأنه أن يفاقم التوترات الداخلية في لبنان حول سلاح حزب الله، والتأكيد "أن هذا السلاح يشكل مصدر خطر كبير على أمن لبنان، وأنه ليس وسيلة للدفاع عن لبنان".