استهدفت السلطة المصرية التي كانت قيْد التشكل خلال الأعوام الأربعة السابقة إعادة السيطرة على وسائل الإعلام، من خلال تغيير البيئة التشريعية الناظمة للإعلام، وإعادة رسم خريطة ملكية وسائل الإعلام.
مساران اتخذتهما السلطة المصرية في إعادة هيكلة بنية الإعلام المصري، تعقّبتهما مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية) في تقرير صادر اليوم الأربعاء بعنوان "تحت الشبهة"، حول مراقبة ملكية وسائل الإعلام في مصر.
وتثار في الآونة اﻷخيرة أسئلة كثيرة عن ملكية وسائل الإعلام في مصر، لعل أبرزها تلك المتعلقة بالصفقة الأخيرة التي أتمتها شركة إيجل كابيتال. ويطغى الغموض على تفاصيل هذه الصفقات ومصادر تمويلها، والدوافع التي تتحرك من خلالها شركات تنشأ وأخرى تتوسع.
وأكدت المؤسسة أنه لا يمكن تناول ما تثيره هذه الصفقات من أسئلة بعيداً عن السياق السياسي الذي يحكم مصر منذ أربعة أعوام، من حيث مواصلة الضغط على وسائل الإعلام والصحف بشكل ممنهج.
وأضافت "وفي ظل نقص المعلومات الكافية لتتبع وتحليل ما يحدث في سوق الإعلام المصري، تحاول المؤسسة أن تتطرق لصفقتين تم إبرامهما بعد إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (صدر قرار تشكيله في إبريل/نيسان 2017) والمنوط به مراقبة مصادر تمويل المؤسسات الإعلامية".
وتحت عنوان أربعة أعوام من التحولات في المشهد الإعلامي، قالت المؤسسة "تشهد مصر منذ أربعة أعوام تقريباً تحوُّلات واسعة على كافة المسارات؛ ومن بين المجالات التي شهدت تحوُّلات جذرية كان قطاع الإعلام بمختلف صوره مرئي، مسموع، ومقروء. وعلى الأرجح، فإن السلطة، التي تشكلت إبان وصول الرئيس السيسي لسدة الحكم، أدركت أهمية وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام، وصناعة المواقف، إلى جانب دورها المتطور كإحدى أهم وسائل الحشد والتعبئة".
وبدا أن هناك سلطة قيد التشكل تحاول بدأَب السيطرة على الإعلام، وتواجه في سبيل ذلك صعوبات، بسبب زيادة عدد وسائل الإعلام، التي خلقتها ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وارتفاع سقف الحريات بشكل غير مسبوق، ووفرة الإنتاج الصحافي والإعلامي وتعدد مصادره، ودخول وسائل التواصل الاجتماعي على الخط باعتبارها منصات لتداول الأخبار والقضايا الصحفية والإعلامية، وتتميز بتفاعل لحظي.
واستخلصت المؤسسة أنه "كان المُستهدف إعادة هيكلة بنية الإعلام المصري بالكامل وتغيير خريطته، بما يُمكِّن من إعادته لخدمة السلطة الجديدة، وجرى العمل على قدم وساق في مسارين؛ الأول تغيير البنية التشريعية الحاكمة للمشهد الصحافي والإعلامي، ما أدى إلى إنشاء هيئات جديدة تقوم على تنظيم شؤون الإعلام".
وقد نصَّ الدستور المصري 2014 في مادته (211) على إنشاء هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، تختص بتنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وغيرها. وتكون مسؤولة عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحافية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي. وأطلق عليها مسمى؛ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
أما المسار الثاني فكان إعادة ترسيم خريطة سوق الإعلام المصري بما يضمن السيطرة على كافة المنابر والمنصات التي تخاطب الجمهور، من خلال إحكام السلطة الحالية لملكية وسائل الإعلام. وهذا ما تناقشه الورقة بتركيز أكبر، وتحاول ربطه بالتغيرات في البيئة التشريعية المنظمة للإعلام.
واتخذت المؤسسة في تقريرها نموذجي استحواذ شركة "فالكون" على مجموعة قنوات "الحياة"، وكذلك استحواذ "كابيتال" على مجموعة "إعلام المصريين"، ووصفهما بأنهما "صفقات بلا معلومات رسمية".
ففي سبتمبر/أيلول 2017، أعلنت مجموعة "تواصل"، وهي إحدى شركات مجموعة "فالكون" للخدمات الأمنية، استحواذها على شبكة قنوات "الحياة" الفضائية.
أعلنت شركة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية، ش.م.م، في ديسمبر/كانون الأول 2017، عن نجاحها في الاستحواذ على حصة رجل الأعمال، أحمد أبو هشيمة، في شركة إعلام المصريين.
أما عن الأعلى للإعلام ومراقبة انتقال ملكية وسائل الإعلام، فأشار التقرير إلى أنه بمراجعة كافة القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وكذلك جميع اللجان التي شكَّلها المجلس لمتابعة مختلف ملفات العمل، لم تتمكن مؤسسة حرية الفكر والتعبير من الوصول لأي تصريح أو موقف أو لجنة جرى تشكيلها لاستيثاق الحقائق وتقصّيها، بشأن عمليات الانتقال الواسعة للملكية في سوق الإعلام المصري.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر، في 24 ديسمبر/كانون الأول 2016، قراراً بالتصديق على قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام رقم 93 لسنة 2016، والذي ينُص على إنشاء المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، مع تحديد أهداف واختصاصات ومعايير تشكيل ونظام عمل كل منها.
وتابع التقرير "اشتمل تشكيل المجلس الأعلى الذي نصَّت عليه المادة السادسة من نفس القانون، على عضوية رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية؛ لكن يبدو من استعراض مهام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أنه قد تجاهل مسؤوليته تجاه منع الممارسات الاحتكارية ومراقبة مصادر تمويل وسائل الإعلام، وهذا التجاهل لا يُعبِّر فقط عن تقصير في أداء المجلس لمهمة جوهرية أُنشئ من أجلها، وإنما يعبر عن توجه المجلس بتشكيله الحالي لحصر دوره في ممارسة الرقابة على المحتوى الإعلامي والفني، بينما تتراجع أدوراه التنظيمية".
ولفت التقرير إلى انشغال المجلس بتوقيع الجزاءات التأديبية على الصحف ووسائل الإعلام لمخالفتها ما يُسميه بأخلاقيات المهنة وآدابها ومقتضيات الأمن القومي، وانشغاله كذلك بتشكيل لجان لرصد ومتابعة الأعمال الدرامية لشهر رمضان القادم، ولجنة لمتابعة البرامج الرياضية، وشراكته مع أكاديمية "ناصر" لتدريب رؤساء تحرير ورؤساء أقسام الصحف المصرية الحكومية والخاصة على مفاهيم الأمن القومي وحروب الجيل الخامس.
بينما "تعطَّل خروج قانون الصحافة وقانون حرية تداول المعلومات عاماً كاملاً على الأقل، وهي القوانين التي نصَّ قانون إنشاء المجلس الأعلى أن يكون له دور كبير في خروجها للنور"، بحسب المؤسسة.
ومن جانب آخر، فإن تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يخضع لهيمنة من قبل رأس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية)، ما يعد نزعا لاستقلالية الأعلى للإعلام، ويؤدي إلى ارتهان سياسات المجلس بتوجهات رئيس الجمهورية، وفقاً للتقرير.
وانتهت المؤسسة إلى أنه كان من المفترض أن تلفت مثل تلك العمليات الواسعة لانتقال الملكية في سوق الإعلام المصري انتباهَ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ولو على مستوى الاستيثاق والتحقُّق من سلامة مصادر تمويل تلك العمليات، والتأكد من غياب أي ممارسة احتكارية، أو إجراءات من شأنها الإضرار بحرية المنافسة والتنوع والتعددية. وعلى المجلس الأعلى للإعلام أن يتحمل مسؤولياته التي نصَّ عليها قانون المجلس ولائحته التنفيذية ووضع وتطبيق نظام مراقبة مصادر التمويل في الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحافية، بما يضمن شفافية وسلامة هذا التمويل، ومراقبة تنفيذه بالاشتراك مع الجهات والأجهزة المعنية.