فاجأت الحكومة الجزائرية الرأي العام بالعودة خطوة إلى الوراء وإعادت فتح عمليات الاستيراد بدءاً من يناير/كانون الثاني 2018، بعد وقفها منذ عام 2016، باستثناء استيراد السيارات الذي سيبقى خاضعاً لنظام الرخص بشكل استثنائي.
وتشدّدت الحكومة مع مطالب المستوردين بإلغاء قرار نظام الرخص طوال العامين الماضيين، إلا أن الضغوط التي مارسها تكتل رجال الأعمال أثمرت عن رضوخ المسؤولين وفتح أبواب الاستيراد.
وقال وزير التجارة، محمد بن مرادي، أول من أمس، إن "نظام الرخص الذي كان يشمل 4 مواد في 2016 وتوسع إلى 22 مادة في 2017، أثبت محدوديته، وكان محل انتقادات كثيرة من قبل المتعاملين وكذلك الشركاء الأجانب، وتسبب النظام في مشاكل في إمدادات بعض المواد والمنتجات، خاصة أغذية الأنعام والخشب".
واعترف الوزير أن "بعض المؤسسات توقفت عن النشاط بسبب تراجع التموين في السوق، إضافة إلى الارتفاع الذي عرفته أسعار بعض المواد المستوردة، حيث خلقت رخص الاستيراد عدة مشاكل، وانعكس ذلك على الأسعار، بسبب عدم الشفافية، والبيروقراطية".
ونظام الرخص المسبقة كان يحدد كمية وقيمة السلع محل الاستيراد بهدف كبح الواردات، ولجأت إليه الحكومة لتخفيف الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها البلاد بسبب تراجع الإيرادات في ظل انخفاض أسعار النفط، قبل أن تتراجع عنه أول من أمس.
وفي تعليق على قرار إلغاء رخص الاستيراد، قال الخبير الاقتصادي فرحات علي لـ "العربي الجديد" إن "اعتماد نظام الرخص منذ بدايته كان خطوة فاشلة وتعدياً صارخاً على الدستور، الذي يمنع الاحتكار ويضمن حرية التجارة، فالإدارة في النظام الاقتصادي دورها الرقابة والسهر على احترام القانون من جميع الأطراف، لا أن تخلق طبقات رأسمالية وتتحكم في من يستورد وكمية الواردات، لأن هذا في حد ذاته تجاوز فلا توجد دولة في العالم تعمل بنظام السوق الحرة تكون الإدارة فيها طرفاً في العملية التجارية".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن "الجزائر لم تكسب ولو 100 دينار (1 دولار) من هذا النظام، فما تم تقليصه في الكميات، زاد أضعافاً مضاعفة في الفواتير، كون أصحاب الرخص أصبحوا يشترون كما يريدون، ويبيعون السلع بالأسعار التي يريدونها، وسننهي السنة بـ 47 مليار دولار قيمة واردات وهو نفس الرقم المحقق سنة 2016، فالذي حصل هو أنه تم نزع الـ 20 مليون دولار الخاص باستيراد حلوى الأطفال، لمنحها لمستورد الموز ليزيدها في فاتورة واحدة، وهذا المنطق كلفنا الكثير".
وحسب علي فإن "الجزائر خسرت قرابة مليار دولار من الرسوم الجمركية منذ بداية تطبيق رخص الاستيراد، لأن المستوردين أصبحوا يتوجهون إلى البلدان التي لها اتفاقيات جمركية مع الجزائر، كمنطقة التبادل الحر العربي، والاتحاد الأوروبي، ويتجنبون البلدان التي تفرض الجزائر على سلعها رسوماً جمركية كبيرة، كما مسّت الخسارة ميزان المدفوعات، فصحيحٌ أن نظام الرخص قلص الكميات، لكنه في المقابل تسبب في تضخيم الفواتير، وهذا في حد ذاته ضربة للاقتصاد الوطني".
وفي محاولة لضبط الأسواق بعد إلغاء نظام الرخص، قال وزير التجارة الجزائري إن "الحكومة ستسمح للمتعاملين باستيراد كل المنتجات، باستثناء المواد الممنوعة والتي تم تحديدها بمرسوم تنفيذي سيصدر قريباً في الجريدة الرسمية".
وأقرت الحكومة تدابير لضبط الواردات، منها فرض ضريبة على الاستهلاك الداخلي لبعض المنتجات المستوردة، وتشمل 36 منتجاً، إضافة إلى رفع الرسوم الجمركية على 129 منتجاً مستورداً، كما قررت الحكومة منع قرابة 900 منتج من الاستيراد، بداية من يناير/كانون الثاني المقبل.
ولم تنجح رخص الاستيراد التي وضعتها الحكومة الجزائرية مطلع العام الماضي في كبح واردات البلاد وتحرير الاقتصاد المحلي من التبعية لعائدات النفط، فالأرقام الرسمية كشفت أن الإجراءات الرسمية لم تستطع أن تحقق التوازن بين كفتي الميزان التجاري.
واصطدمت آمال الحكومة الجزائرية بحقيقة بيانات كشفت عن استقرار حجم الواردات بالرغم من تشديد الإجراءات الإدارية والبنكية على عمليات الاستيراد، من خلال فرض رخص إدارية مسبقة ترافقها عمليات اعتمادات مستندية قبل وصول السلع إلى الجزائر.
واستوردت الجزائر خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري بما يعادل 38.18 مليار دولار، حسب بيانات الجمارك، وهو رقم لا يبعد كثيراً عن ذلك المسجل عن الفترة ذاتها من عام 2016، عندما استوردت الجزائر بما يعادل 38.88 مليار دولار، أي أن الفارق لا يتعدى 1.8 %، وهو فارق لا يترجم الخطاب الحكومي الذي ظل يسوّق لكبح الواردات على اعتبار أنها أبرز الحلول الموضوعة لتجاوز الأزمة المالية.
ومنذ إقرارها منتصف سنة 2015 وبداية العمل بها في يناير/ كانون الثاني 2016، ظلت رخص الاستيراد محل جدلٍ كبيرٍ في الجزائر بين الخبراء، وتحولت إلى ورقة سياسية في يد الأحزاب، فالحكومة اعتبرتها الحل الوحيد لمواجهة التدفق الكبير للحاويات والسلع والخدمات، والتي تكلف الخزينة عشرات مليارات الدولارات سنوياً، في حين اعتبرتها المعارضة مجرد "حل إداري" لمشكلة اقتصادية، أي بمثابة مسكن مؤقت سرعان ما زال مفعوله.
ورغم إلغاء العمل برخص الاستيراد، إلا أن الحكومة الجزائرية استثنت عمليات استيراد السيارات، التي ستبقى تخضع لرخص الاستيراد لسنة أخرى على الأقل، وذلك لدعم قطاع تجميع السيارات الذي تبنته الجزائر لكبح واردات السيارات وتنويع مداخيل البلاد من العملة الصعبة.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي عمار بن عكلي أن قطاع السيارات يضمّ "أشباه مصنّعين محليين" وهي الحقيقة التي ترفض الحكومة الاعتراف بها، وإبقاء الرخص جاء كأمر حتمي حتى لا تناقض الحكومة نفسها بعدما ظلت تسوق مصانع تجميع السيارات على أنها ثورة في مجال الصناعات الثقيلة وهي مجرد ورش لتجميع قطع غيار السيارات، حسب تعبيره.
وأضاف بن عكلي لـ "العربي الجديد" أنه "لا بد من نزع كامل ونهائي وغير مشروط لنظام رخص الاستيراد، تكون مرفقة بزيادات معتبرة في نسبة الجمارك، سواء بالنسبة للمصنعين أو غير المصنعين".
ولم يستبعد الخبير الجزائري أن تكون "الضغوط الخارجية قد ساهمت في إلغاء رخص الاستيراد فالبلدان الأولان المتضرران منها الصين وفرنسا لم يخفيا انزعاجهما من هذا "الإجراء الإداري" المنافي للمعاهدات الدولية، كما أن رخص الاستيراد حالت دون تقدم مفاوضات انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية لأنها تتعارض وأهم مبدأ تدافع عنه المنظمة وهو حرية تنقل السلع والبضائع، والجزائر لا تريد أن تطيل عمر ملف دخولها للمنظمة الذي دخل عقده الثالث ما جعله أكبر ملفات ولوج المنظمة العالمية عمراً".
اقــرأ أيضاً
وتشدّدت الحكومة مع مطالب المستوردين بإلغاء قرار نظام الرخص طوال العامين الماضيين، إلا أن الضغوط التي مارسها تكتل رجال الأعمال أثمرت عن رضوخ المسؤولين وفتح أبواب الاستيراد.
وقال وزير التجارة، محمد بن مرادي، أول من أمس، إن "نظام الرخص الذي كان يشمل 4 مواد في 2016 وتوسع إلى 22 مادة في 2017، أثبت محدوديته، وكان محل انتقادات كثيرة من قبل المتعاملين وكذلك الشركاء الأجانب، وتسبب النظام في مشاكل في إمدادات بعض المواد والمنتجات، خاصة أغذية الأنعام والخشب".
واعترف الوزير أن "بعض المؤسسات توقفت عن النشاط بسبب تراجع التموين في السوق، إضافة إلى الارتفاع الذي عرفته أسعار بعض المواد المستوردة، حيث خلقت رخص الاستيراد عدة مشاكل، وانعكس ذلك على الأسعار، بسبب عدم الشفافية، والبيروقراطية".
ونظام الرخص المسبقة كان يحدد كمية وقيمة السلع محل الاستيراد بهدف كبح الواردات، ولجأت إليه الحكومة لتخفيف الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها البلاد بسبب تراجع الإيرادات في ظل انخفاض أسعار النفط، قبل أن تتراجع عنه أول من أمس.
وفي تعليق على قرار إلغاء رخص الاستيراد، قال الخبير الاقتصادي فرحات علي لـ "العربي الجديد" إن "اعتماد نظام الرخص منذ بدايته كان خطوة فاشلة وتعدياً صارخاً على الدستور، الذي يمنع الاحتكار ويضمن حرية التجارة، فالإدارة في النظام الاقتصادي دورها الرقابة والسهر على احترام القانون من جميع الأطراف، لا أن تخلق طبقات رأسمالية وتتحكم في من يستورد وكمية الواردات، لأن هذا في حد ذاته تجاوز فلا توجد دولة في العالم تعمل بنظام السوق الحرة تكون الإدارة فيها طرفاً في العملية التجارية".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن "الجزائر لم تكسب ولو 100 دينار (1 دولار) من هذا النظام، فما تم تقليصه في الكميات، زاد أضعافاً مضاعفة في الفواتير، كون أصحاب الرخص أصبحوا يشترون كما يريدون، ويبيعون السلع بالأسعار التي يريدونها، وسننهي السنة بـ 47 مليار دولار قيمة واردات وهو نفس الرقم المحقق سنة 2016، فالذي حصل هو أنه تم نزع الـ 20 مليون دولار الخاص باستيراد حلوى الأطفال، لمنحها لمستورد الموز ليزيدها في فاتورة واحدة، وهذا المنطق كلفنا الكثير".
وحسب علي فإن "الجزائر خسرت قرابة مليار دولار من الرسوم الجمركية منذ بداية تطبيق رخص الاستيراد، لأن المستوردين أصبحوا يتوجهون إلى البلدان التي لها اتفاقيات جمركية مع الجزائر، كمنطقة التبادل الحر العربي، والاتحاد الأوروبي، ويتجنبون البلدان التي تفرض الجزائر على سلعها رسوماً جمركية كبيرة، كما مسّت الخسارة ميزان المدفوعات، فصحيحٌ أن نظام الرخص قلص الكميات، لكنه في المقابل تسبب في تضخيم الفواتير، وهذا في حد ذاته ضربة للاقتصاد الوطني".
وفي محاولة لضبط الأسواق بعد إلغاء نظام الرخص، قال وزير التجارة الجزائري إن "الحكومة ستسمح للمتعاملين باستيراد كل المنتجات، باستثناء المواد الممنوعة والتي تم تحديدها بمرسوم تنفيذي سيصدر قريباً في الجريدة الرسمية".
وأقرت الحكومة تدابير لضبط الواردات، منها فرض ضريبة على الاستهلاك الداخلي لبعض المنتجات المستوردة، وتشمل 36 منتجاً، إضافة إلى رفع الرسوم الجمركية على 129 منتجاً مستورداً، كما قررت الحكومة منع قرابة 900 منتج من الاستيراد، بداية من يناير/كانون الثاني المقبل.
ولم تنجح رخص الاستيراد التي وضعتها الحكومة الجزائرية مطلع العام الماضي في كبح واردات البلاد وتحرير الاقتصاد المحلي من التبعية لعائدات النفط، فالأرقام الرسمية كشفت أن الإجراءات الرسمية لم تستطع أن تحقق التوازن بين كفتي الميزان التجاري.
واصطدمت آمال الحكومة الجزائرية بحقيقة بيانات كشفت عن استقرار حجم الواردات بالرغم من تشديد الإجراءات الإدارية والبنكية على عمليات الاستيراد، من خلال فرض رخص إدارية مسبقة ترافقها عمليات اعتمادات مستندية قبل وصول السلع إلى الجزائر.
واستوردت الجزائر خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري بما يعادل 38.18 مليار دولار، حسب بيانات الجمارك، وهو رقم لا يبعد كثيراً عن ذلك المسجل عن الفترة ذاتها من عام 2016، عندما استوردت الجزائر بما يعادل 38.88 مليار دولار، أي أن الفارق لا يتعدى 1.8 %، وهو فارق لا يترجم الخطاب الحكومي الذي ظل يسوّق لكبح الواردات على اعتبار أنها أبرز الحلول الموضوعة لتجاوز الأزمة المالية.
ومنذ إقرارها منتصف سنة 2015 وبداية العمل بها في يناير/ كانون الثاني 2016، ظلت رخص الاستيراد محل جدلٍ كبيرٍ في الجزائر بين الخبراء، وتحولت إلى ورقة سياسية في يد الأحزاب، فالحكومة اعتبرتها الحل الوحيد لمواجهة التدفق الكبير للحاويات والسلع والخدمات، والتي تكلف الخزينة عشرات مليارات الدولارات سنوياً، في حين اعتبرتها المعارضة مجرد "حل إداري" لمشكلة اقتصادية، أي بمثابة مسكن مؤقت سرعان ما زال مفعوله.
ورغم إلغاء العمل برخص الاستيراد، إلا أن الحكومة الجزائرية استثنت عمليات استيراد السيارات، التي ستبقى تخضع لرخص الاستيراد لسنة أخرى على الأقل، وذلك لدعم قطاع تجميع السيارات الذي تبنته الجزائر لكبح واردات السيارات وتنويع مداخيل البلاد من العملة الصعبة.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي عمار بن عكلي أن قطاع السيارات يضمّ "أشباه مصنّعين محليين" وهي الحقيقة التي ترفض الحكومة الاعتراف بها، وإبقاء الرخص جاء كأمر حتمي حتى لا تناقض الحكومة نفسها بعدما ظلت تسوق مصانع تجميع السيارات على أنها ثورة في مجال الصناعات الثقيلة وهي مجرد ورش لتجميع قطع غيار السيارات، حسب تعبيره.
وأضاف بن عكلي لـ "العربي الجديد" أنه "لا بد من نزع كامل ونهائي وغير مشروط لنظام رخص الاستيراد، تكون مرفقة بزيادات معتبرة في نسبة الجمارك، سواء بالنسبة للمصنعين أو غير المصنعين".
ولم يستبعد الخبير الجزائري أن تكون "الضغوط الخارجية قد ساهمت في إلغاء رخص الاستيراد فالبلدان الأولان المتضرران منها الصين وفرنسا لم يخفيا انزعاجهما من هذا "الإجراء الإداري" المنافي للمعاهدات الدولية، كما أن رخص الاستيراد حالت دون تقدم مفاوضات انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية لأنها تتعارض وأهم مبدأ تدافع عنه المنظمة وهو حرية تنقل السلع والبضائع، والجزائر لا تريد أن تطيل عمر ملف دخولها للمنظمة الذي دخل عقده الثالث ما جعله أكبر ملفات ولوج المنظمة العالمية عمراً".