ليلة جديدة من ليالي ذات الأذنين، ومباراة مشتعلة من الدقيقة الأولى حتى الوقت المحتسب بدل الضائع. باريس سان جيرمان يفعلها أخيراً، وينقذ رقبة لوران بلان، أما برشلونة فيحتاج الفريق إلى عمل مضاعف ومجهود حقيقي، خصوصاً أن الأمور ما زالت في البداية، ويوجد هامش كبير للتحسن والاستمرار.
وبعيداً عن الأهداف الخمسة، شهدت المباراة حرب تكتيكية رفيعة المقام بين الثنائي السابق لبرشلونة التسعينيات، بلان ولوتشو، من اللعب بالكرة إلى الضغط القوي، انتهاءً بانتصار الذكاء والمكر الكروي، وخسارة الشجاعة، في أولى التجارب الكبيرة لهذا الموسم.
عشوائية برشلونة
الضغط ليس بالجري أكثر أو العمل بجد بل بالتحكم في المساحات وإجبار الخصم على اللعب بطريقة لا يحبها. إذا تركت منافسك يلعب بأريحية فإنه سيلعب بثقة ويهزمك. الضغط الصحيح أمر نفسي أكثر منه بدني، استراتيجية جماعية، أن يكون أحد عشر لاعباً في وضعية نشطة، فعّالة، قادرة على معارضة المنافس في كل وقت. لذلك ليس العبرة بالضغط القوي فقط، بل في كيفية تطبيقه، والتحكم في أكبر قدر ممكن من الفراغات داخل المستطيل الأخضر.
وضغط برشلونة أمام باريس سان جيرمان بشكل قوي، ومارس الفكرة في بداية الثلث الهجومي الأخير، لكن دون أي تنظيم، مجموعة تضغط للأمام، ومجموعة تعود للخلف، دون رابط. لذلك ظهر وسط الكتلان فارغاً في بعض فترات المواجهة، خصوصاً في منطقة الارتكاز من الملعب.
يضغط كل من ميسي ونيمار رفقة بيدرو وإنيستا، يتقدم بوسكيتس مع راكيتتش، ولا يوجد تغطية صحيحة خلف ارتكاز البارسا، فيتم ضرب كل العمل الهجومي بكل سهولة، إذا نجح الفريق الفرنسي في القطع من الوسط الدفاعي إلى الهجوم.
ذكاء الفرنسيين
تحت الضغط العالي، هناك عدة طرق واستراتيجيات، سواء بتمديد الملعب وفتحه أكثر على العرض بتقدم الظهيرين، أو بعودة لاعب الارتكاز بين قلبي الدفاع، أو صعود لاعبي الوسط إلى الثلث الهجومي كـ Outlets من أجل إجبار الخصم على التراجع.
تحول فيراتي إلى الريجستا الصغير، ليبدأ صيحة مختلفة في كيفية اللعب تحت ضغط وبناء الهجمة من الخلف. يقول عنه أنتونيو دي باتيستا مدير أكاديمية الشبان في نادي بيسكارا، لقد وجدت فيه شيئاً مختلفاً، إنه يحتفظ بالكرة كالطفل الذي يحافظ على أول هدية من والده. يضغط البارسا على الباريسيين، يعود الإيطالي الشاب إلى الخلف، يستلم الكرة تحت ضغط ويحافظ عليها بمخاطرة كبيرة، مع تحرك بقية لاعبي الوسط بشكل مستمر والتمركز في المنطقة التي تقل فيها عملية الضغط من المنافس.
"نعم هي مخاطرة، الاحتفاظ بالكرة في المناطق القريبة من المرمى، لكن حينما تخرج الكرة بشكل سليم، فإنك تتحرر وتنطلق إلى الأمام، إما بتمديد الملعب بشكل عرضي أو بتواجد لاعب حر في وبين الخطوط. وإذا تم قطع الكرة، فإن من حقك الآن أن تسألني"..هكذا كان رد لوران بلان على سؤال صحافي خاص بكثرة احتفاظ فيراتي بالكرة.
الظهيران القاتلان
يهاجم برشلونة بقوة من الأطراف، ويتحول الظهيران إلى مركز الجناح الصريح، لكن هذا الأمر يؤدي إلى مزيد من المشاكل على صعيد خلف الطرفين، وحاول إنريكي في بداية الموسم معالجة هذا الجانب بتمركز راكيتتش وإنيستا في وضع أقرب إلى الأطراف، من أجل تغطية صعود الظهيرين، وعمل غطاء دفاعي متقدم في منطقة المنتصف.
لكن خلال مباراة باريس، ظهر الثنائي راكيتتش وإنيستا بمستوى رديء، وفشلا في تطبيق الضغط المتقدم، ومع تراجع بوسكيتس كثيراً، أصبح وسط الفريق الكتالوني بلا أي عمق، مما جعل الفريق المضيف يهاجم كثيراً في المساحات الشاغرة، وأبرز مثال على ذلك، لقطة الهدف الثالث، حينما تم ضرب البطل الأوروبي السابق من اليسار خلف ألبا، ومن اليمين داخل منطقة الجزاء، بعد تقدم ماتويدي وتفوقه على ألفيش.
مشوار باستوري
قدم الأرجنتيني خافيير باستوري عرضاً بديعاً، ولعب واحدة من أجمل مبارياته خلال الفترة الأخيرة، بعد أن قام بدور البطل في تكتيك لوران بلان خلال اللقاء. بدأ باريس المباراة بطريقة لعب 4-3-1-2 في حالة الهجوم، أما دفاعياً فتتحول الطريقة إلى 4-3-3 صريحة، بعودة كافاني إلى الجناح أمام لوكاس مورا بالجانب الآخر، ويتمركز باستوري في العمق وحيداً.
أما هجومياً، فقام باستوري بدور صانع اللعب المتحرك في كل مكان بالملعب، ليس جناح أيسر صريح، بل لاعب ينطلق من العمق، ويراوغ في كل أركان المستطيل. وفاجأ بلان برشلونة بأن فريقه لعب بالكرة ولم يدافع فقط، لذلك حدث تبادل مراكز رائع بين ماتويدي وباستوري، الفرنسي السريع يبدأ في الوسط ويتحول لمركز الجناح الأيسر، بينما الأرجنتيني الساحر يبدأ كجناح ويصبح صانع لعب في العمق، مما أدى إلى مباغتة فريق لوتشو.
في النهاية، فاز الفريق الذي ارتكب أخطاء أقل وشارك بجرأة أكبر، بينما خسر برشلونة أولى مباريات الموسم، لكن ما زال المشوار طويل، سواء للفريق الفرنسي، أو للعملاق الكاتلوني.