تلاميذ خارج صفوف المدرسة عقاباً لأهلهم

15 سبتمبر 2017
بدأ العام الدراسي (حسين بيضون)
+ الخط -
محظوظون الأهالي في لبنان الذين نجوا من الزيادات على الأقساط المدرسية هذا العام بحجة سلسلة "الرتب والرواتب". الأقساط "المليونية" باتت تشكّل قلقاً مستمراً بالنسبة لكثيرين، خصوصاً إذا كان لديهم طفلان أو أكثر

سؤالٌ على كلّ لسان، أو على ألسنة أولئك الذين يدفعون مالاً كثيراً من أجل تعليم أولادهم: هل من زيادة هذا العام على الأقساط المدرسيّة؟ كان الجواب نعم بالنسبة إلى مدارس خاصة كثيرة. والبقيّة تنتظر حتى العام الجديد لإعلان قرارها. وفي حال أقرّت زيادة ما، غالباً ما سيكون وقعها أخفّ في منتصف العام الدراسي، ولن يهدّد الأهل بنقل أولادهم إلى مدارس أخرى. والحجّة واحدة، هي "سلسلة الرتب والرواتب".

في مدرسة "الليسيه فردان" في بيروت، أطفالٌ خارج الصف. ما من اكتراث لبكائهم أو خوفهم، ولزملاء لهم ينظرون إليهم من داخل الصف ربّما. كانوا يسألون: "لماذا نحن هنا؟ لأنّ أهلكم لم يدفعوا القسط كاملاً". خطوةٌ كهذه لم تُحرج أيّاً من المسؤولين في المدرسة. فعاديّ أن يبكي طفل، وعادي أن يبلّل طفل آخر ثيابه من الخوف. حصل هذا في اليوم الدراسي الأوّل، يوم الخميس في السابع من الشهر الجاري، وتكرّر يوم الإثنين الماضي، ما اضطرّ الأهالي إلى دفع الزيادة.

تقول أمّ لطفلين في المدرسة: "ماذا نفعل؟ هل نترك الأطفال خارج الصف؟". في اليوم الأول، وحين لم يُسمح لإبنها البكر في الصعود إلى صفّه، هاتفها قائلاً: "رجاءً أن تدفعي ما تبقى من القسط. يكفي ما جرى حتى الآن".

توضح الأمّ المذكورة أنّ الزيادة على الأقساط بدأت في عام 2012، تزامناً مع الحديث عن سلسلة الرتب والرواتب. والأزمة بين الأهل وإدارة المدرسة حصلت العام الماضي، مع إقرار زيادة جديدة. قُدّر عدد الأهالي الذين رفضوا الأمر بنحو 700، ثمّ تضاءل العدد إلى نحو 400. تقدّموا بدعوى في شهر مايو/ أيار الماضي، ودفعوا رسوم تسجيل العام الحالي، لضمان مقاعد دراسيّة لأبنائهم، في انتظار حسم الملف قضائياً. إذاً، دفع الأهالي كلّ ما يترتّب عليهم باستثناء الزيادة، إلّا أن المدرسة هدّدتهم بعدم استقبال أولادهم في حال عدم سداد القسط كاملاً. توضح الأمّ أنّه من الناحية القانونية، لا يمكن لإدارة المدرسة المطالبة بسداد مبلغ لم يحسم حوله النزاع قضائياً بعد.

في الصف (حسين بيضون) 


وجاء اليوم الدراسي الأوّل، ومُنع الأطفال، الذين لم تدفع عائلاتهم الأقساط كاملة، من الصعود إلى صفوفهم مع زملائهم، وطُلب منهم البقاء في ملعب المدرسة. تقول الأمّ إنّ إدارة المدرسة "أذلّت الأهالي والأطفال، حتى أنّها لم تسمح لنا باصطحاب أولادنا إلى المنزل، أو مقابلتها". إثر ما حدث، تقدّم الأهل، بشكل فردي، بدعاوى وذلك بسبب طريقة معاملة الأطفال، ومنعهم من الالتحاق بزملائهم في الصفوف، خصوصاً أنّ هذا التصرف "مخالف للقانون"، على حدّ قولها.



تكرّر المنع في اليوم الدراسي الثاني، ما اضطر الأهالي إلى دفع المبلغ المتبقي خوفاً على أطفالهم، وإن كانوا (الأطفال) يعرفون تفاصيل المشكلة، وهي زيادة غير مبرّرة على الأقساط.
ملايين... هو الرقم الذي يدفعه الأهالي ثمناً لرغبتهم في ضمان تعليم جيّد لأطفالهم، ليس متوفّراً في غالبية المدارس الحكومية. وبسبب هذه الأصفار، قرّرت لينا وزوجها الاكتفاء بطفل واحد. تقول لـ "العربي الجديد": "كثيراً ما شكّلت الأقساط المدرسية هاجساً بالنسبة لي. أقطن خارج العاصمة بيروت، ونسبة المدارس المحيطة محدودة". قسط إبنتها التي لم تتجاوز الثمانية أعوام، يتجاوز الستة ملايين ليرة لبنانية (أربعة آلاف دولار) في العام، وما زال طريقها طويلاً. "ماذا يكون حالي في حال كان لديّ طفلان؟". هذا العام، فرضت المدرسة زيادة على القسط. وبشكل فردي، توجّه بعض الأهالي إلى الإدارة للحصول على حسم. ويبدو أن المتكلّم الجيّد، أو الذي كان قد حسم قراره بإخراج ابنه من المدرسة، حصل على حسم أعلى من الذي اكتفى بالقول: "هذا لا يجوز". تؤكد لينا أن "هناك وساطة في ما يتعلق بقيمة الأقساط المدفوعة". من جانبها، لم تفكّر في التحدّث إلى إدارة المدرسة. تشرح: "لا أريد إذلال نفسي. كما أنهم سيقولون لي إنه بإمكاني اختيار مدرسة أخرى لابنتي".

السؤال مرّة أُخرى. هل فرضت المدرسة أيّة زيادة؟ محظوظ من يقول لا، وإن كان يخشى زيادة في منتصف العام. ومن يقول نعم، يجد نفسه أمام خيارات صعبة، وهي التحمّل أو البحث عن مدرسة أخرى أو عدم السكوت عن الحق، وقد يكون الخيار الأخير الأصعب على الإطلاق خاصةً وأن الأهل سيتحمّلون تبعاته لوحدهم.

مع بداية كلّ عام دراسي، يكثر الحديث بين الأهالي عن "ملايين" الأقساط والكتب والقرطاسية واللباس الموحّد. تقول والدة تلميذ في الخامسة من العمر: "المعطف بثمانين ألف ليرة (نحو 50 دولاراً أميركياً). لم يحدث أن اشتريت معطفاً بهذا السعر لإبني يوماً". إلا أنها ستفكّر بشكل إيجابي، سيما وأنها لن تشتري معطفاً له كل يوم.

وكالعادة، يتدبّر الأهالي الأقساط، ولو على حساب أشياء أخرى كثيرة. لكنهم يعرفون أن الزيادات ستستمر من دون رادع، طالما أن ملف السلسلة لم يحسم بعد، وطالما أن هناك ملفات أخرى.