توضع هذه الموسيقى اليوم ببساطة في رفّ كبير يسمّى "التراث"، والتراث حين يجري استدعاؤه بصفته تراثاً (أي كقطعة متحفية) فإن ذلك يعني غالباً محاولةً أو استعداداً لدفنه.
فالموسيقى الأندلسية هي اليوم حاضرة في أكثر من بلد بنصوصها القديمة وألحانها ومصطلحاتها، ولكنها لا تحضر بروحها وبفلسفتها وزخمها التاريخي؛ إنها عنوان ليس أكثر يُستعمل لاستجلاب أسماع سيّاح أجانب وهواة القديم عندنا.
المفارقة أننا حين نعود إلى القرون السبعة من الحضور العربي في إسبانيا، سنجد أن الأندلسيين كانوا هم أيضاً محمّلين ببضاعة تراثية كبيرة؛ بعضهم قادم من حواضر بغداد أو حلب، وبعضهم من بوادي الحجاز وبلاد البربر. هذا التراث الذي أتوا به لم يشغلهم عن "عيش اللحظة الأندلسية".
تلك لحظة لا تزال تعاد وتتكرّر في حركة دائرية كألحان كثيرة ذات أصل أندلسي، ومن خلالها يبدو رافعو شعار "إحياء التراث" مطمئنّي البال ولكنّهم منشغلون عن عيش اللحظة الحاضرة، وهي وحدها من يمكنها تغذية الموسيقى الأندلسية وتجديد دمائها.