فقد الكثير من المواقع الأثرية في فلسطين مقتنياته خلال العقود الماضية، بسبب الإهمال تارة وسياسات الاحتلال تارة أخرى. لكن، تبرز أخيراً محاولات جادة للحفاظ على هذا الموروث التراثي الأصيل. وآخرها تدشين "حديقة تل بلاطة الأثرية" من قبل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية.
يقع تل بلاطة الأثري إلى الشرق من مدينة نابلس في الضفة الغربية. وهو عبارة عن بقايا مدينة كنعانية يعود تاريخها إلى 3500 عام قبل الميلاد.
افتتحت "حديقة تل بلاطة الأثرية" في الموقع، في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي بعد سنوات من التحضير، كمبادرة للحفاظ على هذا الموقع الأثري الهام.
ويشير ممثل وزارة السياحة والآثار في نابلس، محمود البيراوي، إلى أنّ افتتاح "حديقة تل بلاطة الأثرية" تم بعد عدة سنوات من التجهيز والتحضير. كما أنّ هذا الموقع مرشح للإدراج على لائحة التراث العالمي من بين عدة مناطق أثرية.
ويضيف أنّ وزارة السياحة والآثار وجامعة لايدن الهولندية بدأتا العمل على دراسة إنشاء حديقة تل بلاطة الأثرية منذ عام 2010 بالتعاون مع منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، وبالشراكة مع المجتمع المحلي، وبتمويل من الحكومة الهولندية. وعام 2011، تم البدء في الحفريات الخاصة بالموقع بناء على دراسات. ومن ثم تأسس مركز الاستعلامات للموقع، ثم افتتحت حديقة تل بلاطة بشكلها النهائي.
ويضمّ موقع تل بلاطة الأثري آثار مدينة كنعانية. ويمكن أن يلحظ الزائر شكل ومعالم المدينة الكنعانية التي جرى التنقيب عنها. ومن الآثار الظاهرة سور المدينة المحصن، العائد إلى العصر البرونزي الوسيط (1650- 1450 قبل الميلاد). وتم الكشف عن جزء كبير منه في الجهة الشمالية الغربية للتل، وفيه بوابة حجرية ما زالت أساساتها ظاهرة للعيان.
من جهته، يشير المواطن مفيد ذياب، الذي كان يتجول بصحبة أطفاله في حديقة تل بلاطة، إلى أنّه يحضرهم دائماً إلى المكان، ليزرع في نفوس أطفاله حب التاريخ والتراث. لكنّه يضيف: "ليست لديّ معلومات كاملة عنه، لكنّ كلّ حجر فيه يقول: أنا كنعاني".
ويشمل الجناح الغربي للمدينة الكنعانية العديد من الآثار التي جعلت العلماء يرجحون أنّه كان يضم معبداً أو مزاراً ملحقاً بالقصر. ويتميز بوجود قواعد أعمدة ما زالت إحداها ماثلة. كما يضمّ الموقع معبداً محصناً إلى الجنوب من البوابة الشمالية الغربية.
كما عثر على مجمع من البيوت السكنية التي تعود إلى العصر الحديدي (1200- 600 قبل الميلاد) في الموقع. ووجدت في هذه المنازل أوانٍ فخارية من مدينة سبسطية التاريخية تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وهي أوانٍ فخارية دقيقة الصنع. كما عثر على أختام من العصر الحديدي، بالإضافة إلى 35 قطعة نقدية من فئات الدراخما داخل جرة تعود إلى الفترة الهلنستية.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الموقع يضمّ البوابة الشرقية، التي بنيت مدعمة ببرجين خلال العصر البرونزي الوسيط والمتأخر (1650- 1200 قبل الميلاد). وتم الكشف في هذه المنطقة عن بقايا تعود إلى العصر الحديدي. وإلى الجنوب منها مجموعة من الأدوات البرونزية وبعض الأسلحة.
وفي هذا الإطار، يشير البيراوي إلى أنّ مشروع حديقة تل بلاطة الأثرية يهدف إلى المساهمة في حماية التراث الثقافي في فلسطين وتعزيز التنمية السياحية، وذلك من خلال تأهيل وإدارة موقع من أكثر الموارد الأثرية أهمية في المنطقة. كما يهدف المشروع إلى حماية الموقع وتطويره وتأهيله كموقع سياحي قابل للزيارة، بالإضافة إلى وضع خطة مستدامة لإدارة الموقع.
ومن بين أهداف المشروع تعزيز ارتباط المواطنين والسكان المحليين بماضيهم، من خلال مشاركة المجتمع المحلي في المشروع، عن طريق خلق آلية اتصال مع هذا التراث.
من جهته، يكشف المتخصص في السياحة والآثار، أشرف جميل، أنّ "تل بلاطة مر بالكثير من عمليات الحفر والتنقيب، وأولها كان عام 1913، عندما أثبتت بعثة هولندية أنّ هذا التل هو مدينة شكيم القديمة. لكن المفاجأة كانت عام 1926 حينما عثر على بقايا معبد وقصر. ولذلك تكررت عمليات التنقيب في المكان بقيادة الخبير الأميركي رايت في الأعوام 1934، و1956، و1957. واكتشفت آنذاك آثار كنعانية تعود إلى عام 3500 قبل الميلاد". ويتابع جميل: "بقيت الجهود متواصلة حتى عام 1964. ثم احتلت إسرائيل الضفة الغربية، وأهمل المكان، وقام البعض برعي المواشي داخله. لكن، بجهود محلية، تم التنبه إلى مخاطر اندثار الموقع، فأعيد ترميمه عام 1984 مع تسييجه".