كاد تكون حركة أمل الحلقة الأضعف بين حلفاء حزب الله في لبنان. لا يعبر الضعف في هذا المجال عن الانتشار الشعبي أو التماسك التنظيمي أو الأثر السياسي للحركة وقيادتها، بل إنه يُعبر عن مزاج جمهور الحزب تجاه الحركة. لم يتجاوز جمهور الطرفين تداعيات "حرب الإقليم" (جنوب لبنان)، على الرغم من مرور سنين على هذه الحرب التي انتهت مع انتهاء الحرب الأهليّة في بداية تسعينيات القرن الماضي. وخلال أي نقاش مع جمهور الحزب، يظهر فوراً، شعور الفوقية لدى الحزب تجاه الحركة. إذ يعتبر مناصرو حزب الله، أنهم "متفوقون أخلاقياً ودينياً" على حركة أمل. يظهر الضعف في تردد جمهور حزب الله في الدفاع عن حركة أمل، مقابل تحفّز دائم للدفاع عن الحليف الآخر، أي التيار الوطني الحرّ. وهذا الأمر مفهوم. فميشال عون لا يُنافس الحزب على جمهوره، في المقابل هناك منافسة كبيرة بين حزب الله وحركة أمل، كون الحزبين يسعيان إلى جذب الجمهور الشيعي.
بعكس هذه "المسافة" بين الجمهورين، تسعى القيادة السياسيّة للطرفين إلى إظهار تناغم سياسي وتوافق بين "الثنائيّة الشيعيّة". وقد ظُهّر هذا الأمر بشكلٍ كبير منذ اغتيال رفيق الحريري، عندما كان نبيه بري عراب التحالف الرباعي الذي ضم حزب الله وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي إلى جانب حركة أمل. ثم تكرّس هذا التحالف خلال حرب يوليو/تموز 2006 عندما أدّى بري دور القيادة السياسية والدبلوماسية للمعركة، وفي العام 2010 كُرّس هذا التفاهم بخوض حركة أمل وحزب الله الانتخابات البلديّة بلوائح مشتركة.
وعلى الرغم من هذا التفاهم، راهنت قوى 14 آذار وسفارات غربية على زرع الشقاق بين "أمل" وحزب الله، واستمالة بري إلى محورها، من دون أن يُحقق هذا المسعى أي نجاح.
لكن منذ انطلاق الثورة السورية، برز تمايز لدى حركة أمل. ففي الأشهر الأولى للثورة عمّم بري على نواب الحركة ومسؤوليها عدم الحديث عن الأمر، في المقابل كان تلفزيون "الأن بي أن" (انتشاره ضعيف يملكه بري) رأس حربة متقدم في التغطية الإعلامية المؤيدة للنظام السوري.
وعبر بري بنفسه عن هذا التمايز باستخدامه مصطلح "المسألة السورية" في خطاباته التي تلت انطلاق الثورة السورية، وهو مصطلح أقرب للأكاديمي منه للسياسي. ومن أبرز مواقف بري فيما يخص "المسألة السورية" هو دعوته في كلمته، خلال مهرجان تغييب الإمام موسى الصدر في 31أغسطس/آب 2013، إلى خلية ينظمها رئيس الجمهورية حينها، ميشال سليمان، تبحث مواضيع مختلفة، ومنها "وسائل إخراج التداخلات اللبنانية في المسألة السورية". وتؤكّد مصادر رسميّة في حركة أمل (نواب ومسؤولون حزبيون) أن موقف بري كان ولا يزال "تأييداً للحلّ السياسي في سورية، لأن لا أفق للحلّ العسكري"، وهنا يظهر التمايز الأكبر مع حزب الله الجازم أبداً في القدرة على الحسم العسكري في سورية.
اقرأ أيضاً: لبنان يدخل الشلل الحكومي بعد فراغ الرئاسة وتعطيل البرلمان
وقد ترجم بري هذا الأمر، بامتناع حركة أمل عن المشاركة في المعارك الدائرة في سورية، على الرغم من مشاركة أحزاب لبنانيّة مختلفة، ووجود "حماسة لدى الشباب الشيعي" للمشاركة في هذه المعارك. وعندما سُربت صور تُظهر أعلاماً للحركة على آليات عسكرية، قيل إنها في جرود القلمون، سارعت قيادات الحركة إلى نفي الأمر بحسمٍ، لا بل يتردد أن أحد مسؤولي الحركة الكبار قال: "لو قتل نبيه بري في سورية لن تنعيه حركة أمل"، وقد انتشر كلامه هذا بشكل واسع بين الجمهور، واعتبر حينها بأنه مسعى من بري لوقف مشاركة شبان حركة أمل في القتال عبر "سرايا المقاومة" التي يقودها حزب الله.
لكن الأمر البارز، كان موقف النائب أنور الخليل، وهو عضو كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها بري ويُعد من المقربين منه، من جريمة "قلب لوزة" في ريف إدلب، إذ تماهى بالكامل مع موقف النائب وليد جنبلاط من هذه القضية. هذا الموقف الحذر في التعاطي مع "المسألة السورية" يعكس قناعة بري بأن النظام السوري لم يعد قادراً على الاستمرار، كما يقول أحد المقربين منه.
لم يقتصر الاختلاف على الملف السوري، بل إن موقفاً مشابهاً برز في الملف اليمني. ففي مقابل اندفاعة حزب الله للدفاع عن الحوثيين ومهاجمة السعوديّة، التقى بري السفير السعودي في لبنان، علي عواض العسيري، مرات عدة منذ بدء "عاصفة الحزم" وهو حاذر التعليق على هذه المعارك هناك. لا بل إن زوار العسيري ينقلون عنه تفهّم بري موقف السعودية ودعمه. وسعى بري لاستيعاب تداعيات هجوم الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، على السعوديّة، خصوصاً لجهة حماية اللبنانيين العاملين في دول الخليج. ويقول أحد المسؤولين في حركة أمل لـ"العربي الجديد"، إن بري يؤيّد الحوار في اليمن بين مختلف الأطراف.
أمّا داخلياً، فقد سعى بري إلى بلورة حوار بين حزب الله وتيّار المستقبل، وقد نجح في هذا الأمر حتى الآن. وبرعايته هذا الحوار، يضع بري نفسه خارج الاصطفافين، وهو الذي أعلن في عام 2011 وفاة تحالف 8 آذار وذلك بعد ابتعاد النائب، وليد جنبلاط، عن قوى 14 آذار، ليشكّل الرجلان تحالفاً غير معلن.
لكن الاختلاف الأبرز مع حزب الله وحلفائه حول ملف انتخابات رئاسة الجمهوريّة وتعطيل الحكومة وتعيين قائد جديد للجيش. فنواب حركة أمل يُشاركون في جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة، التي لا تُعقد بسبب عدم اكتمال النصاب نتيجة غياب نواب حزب الله والتيار والوطني الحرّ. كما أن بري يُحمّل من يُقاطع جلسات مجلس النواب (القوى المسيحيّة) والحكومة (حزب الله والتيار الوطني الحرّ) مسؤوليّة عدم دفع رواتب العاملين في القطاع العام في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، بسبب عدم توافر الأموال في المالية العامة والحاجة لإصدار سلسلة من القوانين والمراسيم بهدف توفير الأموال. كما يرفض بري تماماً "ابتزاز" عون للحكومة في موضوع تعيين قائد للجيش، ويقول أحد المسؤولين في حركة أمل لـ"العربي الجديد" إن "الرئيس يرفض تعيين قائد للجيش قبل انتهاء ولاية القائد الحالي لأن هذا يعني وجود قائدين للجيش في وقت واحد، وهذا غير منطقي، كما أنه لا يُمكن القبول بالفراغ في هذه المؤسسة، خصوصاً في الظرف الحالي، وفي حال فشل التوافق بهدف تعيين قائد جديد فإنه مع التمديد"، ويسأل مسؤول آخر "ألسنا في حالة حرب على حدودنا الشرقية، الدول لا تُغير قادة الجيوش خلال الحروب، بل تنتظر إلى انتهائها؟ فلنتفق هل نحن في حالة حرب أم لا؟".
تكثر "تمايزات" بري عن حزب الله، وهو أمر يراه "طبيعياً فضمن الحزب الواحد هناك اختلافات في الرأي" كما يقول أحد النواب في كتلة بري، ويضع آخرون من الوجهة عينها أن هذا التمايز في إطار توزيع الأدوار بين "أمل" وحزب الله. في المقابل هناك من يرى أنه يحمل أبعاداً أخرى، ويصل إلى حدود القول، إن هناك اختلافاً جدياً مع حزب الله، بغض النظر عن صوابية أيٍ من الاحتمالين، فإن بري يعيش في ظلّ حذر أمني شديد وهو يكاد يُلازم مقرّ إقامته في عين التينة، بسبب تحذيرات من أن أطرافاً مختلفة قد تجد من مصلحتها تهديد أمنه الشخصي.
اقرأ أيضاً: حزب الله بعد العودة من سورية: حساب الميدان والسياسة
بعكس هذه "المسافة" بين الجمهورين، تسعى القيادة السياسيّة للطرفين إلى إظهار تناغم سياسي وتوافق بين "الثنائيّة الشيعيّة". وقد ظُهّر هذا الأمر بشكلٍ كبير منذ اغتيال رفيق الحريري، عندما كان نبيه بري عراب التحالف الرباعي الذي ضم حزب الله وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي إلى جانب حركة أمل. ثم تكرّس هذا التحالف خلال حرب يوليو/تموز 2006 عندما أدّى بري دور القيادة السياسية والدبلوماسية للمعركة، وفي العام 2010 كُرّس هذا التفاهم بخوض حركة أمل وحزب الله الانتخابات البلديّة بلوائح مشتركة.
وعلى الرغم من هذا التفاهم، راهنت قوى 14 آذار وسفارات غربية على زرع الشقاق بين "أمل" وحزب الله، واستمالة بري إلى محورها، من دون أن يُحقق هذا المسعى أي نجاح.
لكن منذ انطلاق الثورة السورية، برز تمايز لدى حركة أمل. ففي الأشهر الأولى للثورة عمّم بري على نواب الحركة ومسؤوليها عدم الحديث عن الأمر، في المقابل كان تلفزيون "الأن بي أن" (انتشاره ضعيف يملكه بري) رأس حربة متقدم في التغطية الإعلامية المؤيدة للنظام السوري.
وعبر بري بنفسه عن هذا التمايز باستخدامه مصطلح "المسألة السورية" في خطاباته التي تلت انطلاق الثورة السورية، وهو مصطلح أقرب للأكاديمي منه للسياسي. ومن أبرز مواقف بري فيما يخص "المسألة السورية" هو دعوته في كلمته، خلال مهرجان تغييب الإمام موسى الصدر في 31أغسطس/آب 2013، إلى خلية ينظمها رئيس الجمهورية حينها، ميشال سليمان، تبحث مواضيع مختلفة، ومنها "وسائل إخراج التداخلات اللبنانية في المسألة السورية". وتؤكّد مصادر رسميّة في حركة أمل (نواب ومسؤولون حزبيون) أن موقف بري كان ولا يزال "تأييداً للحلّ السياسي في سورية، لأن لا أفق للحلّ العسكري"، وهنا يظهر التمايز الأكبر مع حزب الله الجازم أبداً في القدرة على الحسم العسكري في سورية.
اقرأ أيضاً: لبنان يدخل الشلل الحكومي بعد فراغ الرئاسة وتعطيل البرلمان
وقد ترجم بري هذا الأمر، بامتناع حركة أمل عن المشاركة في المعارك الدائرة في سورية، على الرغم من مشاركة أحزاب لبنانيّة مختلفة، ووجود "حماسة لدى الشباب الشيعي" للمشاركة في هذه المعارك. وعندما سُربت صور تُظهر أعلاماً للحركة على آليات عسكرية، قيل إنها في جرود القلمون، سارعت قيادات الحركة إلى نفي الأمر بحسمٍ، لا بل يتردد أن أحد مسؤولي الحركة الكبار قال: "لو قتل نبيه بري في سورية لن تنعيه حركة أمل"، وقد انتشر كلامه هذا بشكل واسع بين الجمهور، واعتبر حينها بأنه مسعى من بري لوقف مشاركة شبان حركة أمل في القتال عبر "سرايا المقاومة" التي يقودها حزب الله.
لكن الأمر البارز، كان موقف النائب أنور الخليل، وهو عضو كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها بري ويُعد من المقربين منه، من جريمة "قلب لوزة" في ريف إدلب، إذ تماهى بالكامل مع موقف النائب وليد جنبلاط من هذه القضية. هذا الموقف الحذر في التعاطي مع "المسألة السورية" يعكس قناعة بري بأن النظام السوري لم يعد قادراً على الاستمرار، كما يقول أحد المقربين منه.
لم يقتصر الاختلاف على الملف السوري، بل إن موقفاً مشابهاً برز في الملف اليمني. ففي مقابل اندفاعة حزب الله للدفاع عن الحوثيين ومهاجمة السعوديّة، التقى بري السفير السعودي في لبنان، علي عواض العسيري، مرات عدة منذ بدء "عاصفة الحزم" وهو حاذر التعليق على هذه المعارك هناك. لا بل إن زوار العسيري ينقلون عنه تفهّم بري موقف السعودية ودعمه. وسعى بري لاستيعاب تداعيات هجوم الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، على السعوديّة، خصوصاً لجهة حماية اللبنانيين العاملين في دول الخليج. ويقول أحد المسؤولين في حركة أمل لـ"العربي الجديد"، إن بري يؤيّد الحوار في اليمن بين مختلف الأطراف.
أمّا داخلياً، فقد سعى بري إلى بلورة حوار بين حزب الله وتيّار المستقبل، وقد نجح في هذا الأمر حتى الآن. وبرعايته هذا الحوار، يضع بري نفسه خارج الاصطفافين، وهو الذي أعلن في عام 2011 وفاة تحالف 8 آذار وذلك بعد ابتعاد النائب، وليد جنبلاط، عن قوى 14 آذار، ليشكّل الرجلان تحالفاً غير معلن.
لكن الاختلاف الأبرز مع حزب الله وحلفائه حول ملف انتخابات رئاسة الجمهوريّة وتعطيل الحكومة وتعيين قائد جديد للجيش. فنواب حركة أمل يُشاركون في جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة، التي لا تُعقد بسبب عدم اكتمال النصاب نتيجة غياب نواب حزب الله والتيار والوطني الحرّ. كما أن بري يُحمّل من يُقاطع جلسات مجلس النواب (القوى المسيحيّة) والحكومة (حزب الله والتيار الوطني الحرّ) مسؤوليّة عدم دفع رواتب العاملين في القطاع العام في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، بسبب عدم توافر الأموال في المالية العامة والحاجة لإصدار سلسلة من القوانين والمراسيم بهدف توفير الأموال. كما يرفض بري تماماً "ابتزاز" عون للحكومة في موضوع تعيين قائد للجيش، ويقول أحد المسؤولين في حركة أمل لـ"العربي الجديد" إن "الرئيس يرفض تعيين قائد للجيش قبل انتهاء ولاية القائد الحالي لأن هذا يعني وجود قائدين للجيش في وقت واحد، وهذا غير منطقي، كما أنه لا يُمكن القبول بالفراغ في هذه المؤسسة، خصوصاً في الظرف الحالي، وفي حال فشل التوافق بهدف تعيين قائد جديد فإنه مع التمديد"، ويسأل مسؤول آخر "ألسنا في حالة حرب على حدودنا الشرقية، الدول لا تُغير قادة الجيوش خلال الحروب، بل تنتظر إلى انتهائها؟ فلنتفق هل نحن في حالة حرب أم لا؟".
تكثر "تمايزات" بري عن حزب الله، وهو أمر يراه "طبيعياً فضمن الحزب الواحد هناك اختلافات في الرأي" كما يقول أحد النواب في كتلة بري، ويضع آخرون من الوجهة عينها أن هذا التمايز في إطار توزيع الأدوار بين "أمل" وحزب الله. في المقابل هناك من يرى أنه يحمل أبعاداً أخرى، ويصل إلى حدود القول، إن هناك اختلافاً جدياً مع حزب الله، بغض النظر عن صوابية أيٍ من الاحتمالين، فإن بري يعيش في ظلّ حذر أمني شديد وهو يكاد يُلازم مقرّ إقامته في عين التينة، بسبب تحذيرات من أن أطرافاً مختلفة قد تجد من مصلحتها تهديد أمنه الشخصي.
اقرأ أيضاً: حزب الله بعد العودة من سورية: حساب الميدان والسياسة