وقد يهدئ القرار الأوضاع السياسية في البلاد إلى حد ما، رغم ردود الفعل المناهضة والرافضة له، وهو يحمل في طياته الكثير من الرسائل المهمة، داخلياً وخارجياً. ومن أهم تلك الرسائل أنه يثبت أن المصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات الرئاسية أمران مختلفان. وكان المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد تحدث عن هذا الأمر أكثر من مرة، مشدداً على أن الأولوية هي للمصالحة ووقف دوامة العنف، ويجب اتخاذ أي خطوة لإنجاح مساعي المصالحة، مشيراً إلى إمكانية تأجيل الانتخابات من أجل المصالحة. الموقف نفسه تبناه الكثير من معارضي غني، الذي كان يشدد دائماً على أن المصالحة والانتخابات قضيتان مختلفتان وكلاهما مطلب الشعب. ويفرق قرار المحكمة، الذي يبقي غني في الحكم حتى إجراء الانتخابات وتعيين رئيس جديد للبلاد، بين القضيتين، إذ إنه يقرر بقاء الرئيس في الحكم حتى لو أجلت الانتخابات من أجل المصالحة.
ووضع القرار حداً لما كان يدعو إليه 12 مرشحاً للرئاسة الأفغانية وهو تشكيل حكومة انتقالية تشرف على سير الانتخابات بعد انتهاء مدة غني. وأعلن هؤلاء، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي السابق محمد حنيف، أنهم لن يتركوا غني في القصر الرئاسي بعد انتهاء فترة حكمه خلال شهر، وتوعدوا بتنظيم احتجاجات وتظاهرات ضد الحكومة إذا استمر الرئيس في الحكم. القرار أيضاً جاء على خلاف إرادتهم، وهو في الأصل تفسير للمادة الدستورية رقم 61، ما يعني أن أي حركة ضد القانون ستجعل مستقبل هؤلاء في خطر. ومعلوم أن لجنة الانتخابات لم تصدر بعد القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، وأنها لا تزال تنظر في أوراق هؤلاء، وبالتالي فإن أي خطوة ضد القانون والدستور ستجعل ترشحهم في خطر.
والأهم أن قرار المحكمة العليا، أعلى مرجع دستوري في البلاد، وجه رسالة إلى المجتمع الدولي، وتحديداً حلفاء كابول، لا سيما واشنطن، التي همشت نوعاً ما دور الحكومة الأفغانية في الحوار مع حركة "طالبان"، وأبدت من خلال تصرفاتها رضاها عن أي خطوة تُمكن البلاد من الخروج من المأزق، حتى لو كان ذلك من خلال تشكيل حكومة مؤقتة أو القضاء على حكومة غني. ويؤكد قرار المحكمة أنه يجب أخذ الحكومة الأفغانية بعين الاعتبار، لأنها حكومة دستورية وأن الرئيس الأفغاني يواصل عمله في الحكم وفق الدستور. وكان الكثير من الأفغان يزعمون أن حكومة أشرف غني، أو حكومة الوحدة الوطنية شكلت خلافا للدستور، ولا بد من القضاء عليها، لا سيما وأنها أكملت فترتها، لكن القرار أثبت أن الحكومة دستورية واستمرارها جاء نتيجة تفسير لمادة في دستور البلاد، ومن قبل أعلى سلطة في البلاد. كما أن القرار سيقوي موقف الحكومة إزاء المصالحة الأفغانية وملفات مهمة أخرى، لا سيما الاجتماع القبلي المعروف بـ"لويا جرغه" الذي سيعقد في كابول الأسبوع المقبل بشأن المصالحة الأفغانية، إذ إن الكثيرين كانوا يتساءلون عن أهمية نتائج الاجتماع، في وقت تقترب فيه فترة حكومة غني من الانتهاء.
في مقابل كل ذلك، فإن القرار قد يخلق مزيداً من الانشقاقات داخل الحكومة لأنه ينص على استمرار حكم الرئيس، لكنه لم يعط حلاً لموضوع منصب الرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله. ومعلوم أن حكومة الوحدة الوطنية شُكلت نتيجة جهود أميركية بين معسكري غني وعبد الله بعد جدل شديد وقع بين المتنافسين في انتخابات العام 2013، إذ ادعى كل معسكر فوزه. وقد يثير سكوت القرار حيال منصب الرئيس التنفيذي أسئلة كثيرة، وقد يؤدي مستقبلاً إلى جدل كبير بين غني وعبد الله، لأن القرار يؤكد أن استمرار غني في منصبه يأتي وفق الدستور، بينما عبد الله سيواصل عمله في منصبه خلافاً للدستور.