تناتيش ونغابيش

15 مايو 2015

يوسا: حتى الفساد ليس سهلا في بلادنا (20 إبريل/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
* يعني، هذه من المناسبات التي لن تدفعك للفخر بوجود ذكر لبلدك في الأدب العالمي، بقدر ما ستدفعك لكي تلعن سنسفيل من ذكرها بسوء. أتحدث عن رواية "حرب نهاية العالم" التي كتبها الأديب البيروفي الحاصل على نوبل، ماريو بارجاس يوسا، وترجمها إلى العربية أمجد حسين، وصدرت عن دار المدى، ويتحدث فيها رحالة اسكتلندي، اسمه غال غاليليو، عن صدمته من الفقر الذي يسكن مدينة باهيا البرازيلية، قائلاً: "أي ثوري مهزوز العقيدة بلزوم القيام بثورة عظمى، لو ألقى نظرة على ما أشاهده هنا لكان ذلك كفيلاً بإزالة شكوكه كلها"، واصفاً شوارع باهيا بأنها "ازدحمت بالمسنين والمرضى والبائسين الذين يتسولون أو يسرقون، وبالعاهرات اللواتي يذكّرن المرء بمومسات الإسكندرية والجزائر العاصمة، أفسد الموانئ على هذا الكوكب". وبالطبع، ليس غريباً أن تعرف بوجود مهنة الدعارة في الإسكندرية في نهاية القرن التاسع عشر الذي تدور فيه أحداث الرواية، لكن الجديد معرفة أن لهن سمعة تاريخية متفردة هن وزميلاتهن في الجزائر العاصمة، إلى درجة أن يُضرب بها المثل، في البرازيل. 
* في رواية أخرى لماريو بارجاس يوسا هي "قصة مايتا"، ترجمة صالح علماني، ستتذكر القاهرة، من دون أن يرد اسمها، حين يصف يوسا، في افتتاحية الرواية، مشهد الزبالة المتراكمة في مدينة ليما، قائلاً "إذا كان المرء يعيش في ليما، فعليه أن يعتاد على البؤس والقذارة، أو أن يصاب بالجنون أو ينتحر". وإذا جعلك هذا الوصف تشعر بالعزاء، لأنك لست وحدك، فدعني أذكّرك بأن يوسا يتحدث عن ليما في الستينيات من القرن الماضي، حين كانت ترزح تحت حكم الديكتاتورية العسكرية الفاسدة التي جعلت بطل الرواية يقول "هل فكرت في أنه حتى الفساد ليس سهلاً في بلادنا، إذ لا بد من توفر الفرصة، الأغلبية في بلادنا شرفاء، لأنه ليس لديهم بديل".
* في روايته متواضعة المستوى "الإرهابي"، يورد الروائي الأميركي الشهير، جون أبدايك، حواراً عن القرآن والجنة، بين بطل الرواية الشاب الأميركي من أصل مصري وشيخ الجامع الأميركي من أصل يمني، حيث يشير الشيخ إلى العالم الألماني، كريستوف لوكسمبورج، المتخصص في لغات الشرق الأوسط القديمة، الذي قال في كتاب له إن "أغلب مواطن الغموض في القرآن ستختفي، لو تمت قراءة بعض كلماته، على أنها من اللغة السريانية الآرامية القديمة، وليست من العربية"، زاعماً أن "في سورتي الدخان والطور كلمات تذكّر بالحور العين، معناها في السريانية الآرامية القديمة (العنب الأبيض)، وكذلك في سورة الإنسان نجد أن الغلمان المولدين الذين يطوفون في الجنة، كأنهم لؤلؤ منثور، ما هم إلا (الزبيب المبرد)، ما يشير إلى ضرب من الشراب المثلج الذي يقدم إلى أهل الجنة، مع شيء من كرم الضيافة، فيما يشرب أهل الجحيم من الحميم أو المعدن المذاب"، ليعلق الشيخ قائلاً "إني لأخشى أن يقلل هذا الحديث من حلاوة الجنة في أعين الشباب من أمثالك"، فيؤكد المريد لشيخه أن توقه إلى الجنة والشهادة لا علاقة له بتوقه إلى الحور العين.
في هوامش الرواية التي أصدرها المركز القومي للترجمة، يقول المترجم أحمد الشيمي إن كريستوفر لوكسمبورج، مؤلف كتاب "قراءة القرآن على ضوء اللغة الآرامية القديمة"، الصادر سنة 2000، اختار اسماً مستعاراً لنفسه، تجنباً لغضب المتشددين الإسلاميين. وبالطبع، يُحسب للمترجم وللمركز القومي للترجمة إصدار الرواية، ليُتاح للقارئ العربي معرفة ما يكتب عنه بالغرب، من دون أن تتعرض الرواية للتشويه والحذف، كما يحدث عادة في هذا النوع من الروايات. لكن، يبدو أن المترجم والمركز خشيا من التورط في أزمة، فقررا أن تهاجم مقدمة المترجم للرواية كاتبها، ربما لإبراء ساحتهما مما يمكن أن تثيره الرواية من هجوم، لتصادر تلك المقدمة على القارئ حقه في قراءة الرواية، من دون مؤثرات مسبقة، وكان يمكن أن يتحقق الغرض نفسه الذي يمكن تفهمه من دون مزايدة، لو تم الاكتفاء بدراسة ختامية في نهاية الرواية، لا تستخدم عبارات هجومية وأحكام إدانة، بقدر ما تحاول الرد على ما أثاره جون أبدايك في الرواية بشكل علمي وموضوعي، بالإضافة إلى دراسة أدبية، تقوم بتحليل مضمون الرواية، وربطها بالسياق العام الذي تروج فيه تصورات للإسلام والمسلمين، كالتي قدمتها الرواية، لتساعد القارئ على التفريق بين الأعمال التي تستثمر في الكراهية والإسلاموفوبيا، وبين الأعمال التي تعبر عن رفض مسبب للإسلام، بسبب ممارسات بعض المسلمين، أو حيرة صادقة تجاهه يؤكدها غرق العالم الإسلامي في التخلف والاستبداد. أتمنى أن ينتبه المركز القومي للترجمة إلى هذا في أعماله القادمة، احتراماً للقارئ الذي يقدر مجهودات المركز الرائعة.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.