وبعد وقت قصير من إعلان البنتاغون، على لسان وزير الدفاع أشتون كارتر، أن الولايات المتحدة ستشنّ حملات برية مباشرة على "داعش" في العراق وسورية، معتبراً أن "ذلك يُمثل تغييراً جوهرياً في الخطط الأميركية"، سارع البيت الأبيض إلى التقليل من شأن هذا التغيير، مشدداً على أن "الاستراتيجية المرسومة في العراق والسورية لم تتغيّر". مع العلم أن المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، ذكر في وقتٍ سابق، أن الرئيس باراك أوباما أجاز شنّ عمليات برية نوعية ضد "داعش" في العراق وسورية. وقد أسفر التناقض بين البيت الأبيض والبنتاغون، في توصيف الخطط الجارية والعتيدة، عن جدل واسع في الشارع الأميركي، بين المؤيدين والرافضين، لإرسال قوات برية إلى العراق وسورية، على حد سواء.
اقرأ أيضاً: التحالف الدولي ضد "داعش": نحتاج لقوات عسكرية برية
ويتساءل المحلل السياسي الأميركي في شبكة "سي أن أن" الإخبارية جيمي كراوفورد، عما إذا كانت القوات البرية الأميركية قد عادت إلى العراق سراً، من دون إبلاغ الشعب الأميركي بذلك. كذلك يُبدي آخرون استغرابهم من سياسة "الشيء ونقيضه"، والتي قالوا إن "البيت الأبيض مواكب على ممارستها بقصد أو من دون قصد".
وقد أجمع معظم التعليقات في المحطات الأميركية على أن "وزير الدفاع كان أكثر تحريّاً للدقة من البيت الأبيض لأنه كان يتحدث تحت القسم أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، ويشعر أنه سيكون محاسباً على أقواله، في حين أن المتحدث باسم البيت الأبيض يتحدث أمام مراسلين صحافيين، وهو غير ملزم بالإجابة عن كل تساؤلاتهم".
وكان كارتر قد أكد في كلمته أثناء إدلائه بشهادته يوم الثلاثاء أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي أن "العمليات البرية آتية، وأن الجيش الأميركي لن يتوانى عن تقديم الدعم للشركاء المحليين في المعركة في أي فرصة هجومية تسمح بذلك، سواء وجد شركاء محليين (كما هو الحال في العراق) أو من دونهم (كما هو الحال في غالبية المناطق السورية)".
مع العلم أن كارتر حاول وصف مفهوم "الدعم البري" بالاستعانة بواقعة حدثت الأسبوع الماضي، حين نفّذت وحدة من قوات العمليات الخاصة التابعة للجيش الأميركي عملية مشتركة مع قوات كردية عراقية، لإنقاذ سبعين رهينة كانوا يواجهون إعداماً جماعياً وشيكاً في أحد سجون "داعش"، في بلدة الحويجة، غربي كركوك العراقية.
لكن وزير الدفاع تعرّض لانتقادات على نطاق واسع، بعد إعلان تفاصيل خطته لتصعيد المواجهات البرية المباشرة مع "داعش" في سورية والعراق، والتي يصفها معلقّون كثر بأنها "غامضة"، وتتحدث عن شركاء محليين في سورية سبق للبنتاغون أن أوقف التعامل معهم واكتشف نواحي القصور لديهم.
اقرأ أيضاً: معركة تحرير الأنبار: حصار "داعش" واقتراب الهجوم البري
وتتضمن خطة كارتر تكثيف المواجهات على ثلاث جبهات رئيسية، أطلق عليها تسمية "الراءات الثلاثة" بالإنكليزية، نسبة إلى مدينة الرقة السورية، ومدينة الرمادي العراقية، وللغارات الجوية والعمليات البرية لأهداف انتقائية في سورية والعراق، اعتماداً على معلومات استخبارية دقيقة.
ويُعتبر الحديث عن تكثيف العمليات البرية، بحدّ ذاته، تعديلاً جوهرياً للاستراتيجية التي كانت معتمدة في السابق، والمقتصرة على استخدام القوات الجوية فقط. وفي مؤشر على شعوره بالثقة في إمكانية نجاح خطته الثلاثية، يقول كارتر إنه "يُمكن عن طريقها قياس مدى تقدم استراتيجية أوباما الحربية، للقضاء على داعش في نهاية المطاف".
ويشير وزير الدفاع الأميركي إلى أن "الدعم الجوي واللوجستي للشركاء المحليين سيظلّ هو الأسلوب الأمثل، لتحقيق الأهداف"، لافتاً إلى أن "المناوئين لداعش من العرب والأكراد السوريين، أصبحوا على بعد 50 كيلومتراً فقط من الرقة"، والتي وصفها بعاصمة "داعش". ويشدد على أن "الضغط على الرقة سيظل قائماً إلى أن يتم تحريرها، لما تمثله من أهمية للتنظيم وكونها قلبه".
اقرأ أيضاً: "قوات سورية الديمقراطية": نواة مواجهة "داعش" في الرقة
وعن جبهة الرمادي، يكشف كارتر أن "القوات الجوية العراقية باتت تستخدم طائرات أف 16 أميركية الصنع، كما بدأت بغداد تُشرك قوات مدرّبة من السكان السنّة المحليين. وهو تغيير نوعي سيُساعد على طرد داعش من عاصمة الأنبار".
أما التغيير الأكثر جذرية في خطة كارتر، فيتمثل في قرار الدعم البري، كلما دعت الحاجة إلى ذلك في جبهتي الرقة والرمادي، وخوض مواجهات مباشرة على الجبهة الثالثة غير المحددة. ويتجلّى ذلك في شنّ عمليات برية ضد مخابئ "داعش"، عن طريق عمليات القوات الخاصة داخل الأراضي السورية والعراقية على حد سواء.
ويلمّح كارتر إلى أن "هذه العمليات ستتعاظم خلال المرحلة المقبلة، بالتوازي مع عمليات الرمادي والرقة قبل الانتقال لمرحلة تحرير الموصل". وقد حاول الرجل التخفيف من وقع قرار خوض عمليات قتالية برية على معارضي التدخل البري في العراق وسورية، باستخدامه عبارة "من آن إلى آخر"، بعد إشارته للمواجهات البرية. كذلك يكشف كارتر أن "الحملة ضد داعش تتجه للتطور، وأن الجيش الأميركي يخطط لتعزيز وجوده على الأرض". وكان كارتر يتحدث في الجلسة، وإلى جانبه رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال جوزيف دنفورد، والذي قال للجنة إنه "سيدرس التوصية بنشر قوات أميركية إلى جانب القوات العراقية لمحاربة داعش" إذا اقتضت الحاجة لذلك.
ومن خلال تصريحات كارتر يمكن القول إن البنتاغون أبدى توافقاً مع البيت الأبيض في محاولته تغليف العمليات البرية بإطلاق صفة "السرية" عليها، تحت مبرر أنها ستكون عمليات خاصة. أما الخلاف فهو أقرب إلى كونه شكلياً لاعتبار البنتاغون أن "هذه العمليات تُمثل تغييراً جوهرياً في الاستراتيجية"، في حين أن البيت الأبيض لا يعترف بهذا التغيير. ويبقى القرار السيادي في نهاية المطاف بيد القائد الأعلى للقوات المسلحة، أي أوباما.
أما في شأن العملية العسكرية الأميركية ـ الكردية، فقد نشطت محطات التلفزة الأميركية في إظهار "بطولة الجنود الأميركيين وما أنجزوه" والإشادة بدور شركائهم الأكراد. غير أن المعارضين للتورّط البري في العراق، عبّروا عن غضبهم لمقتل جندي أميركي، في العملية التي قضى فيها 20 عنصراً من "داعش". وأثاروا تساؤلات عن حقيقة حجم الوجود البري الأميركي في كل من سورية والعراق، ومدى الأخطار التي يواجهها الجنود الأميركيون.
وقد أفردت محطات التلفزة العديد من العمليات الناجحة المماثلة، من بينها عملية إلقاء القبض على القيادي في "داعش" أبو سياف قبل أشهر قليلة، في دير الزور السورية. كذلك يتم تداول أخبار عن عمليات فاشلة تمّت في سورية لتحرير رهائن، ولم يتمّ الإعلان عنها رسمياً.
إلا أن العمليات الأميركية الخاصة لا تقتصر على سورية والعراق، بل يجري تنفيذها في مناطق مختلفة من العالم، فقد تمكنت على سبيل المثال قوة أميركية خاصة، من تحرير ثماني رهائن باليمن العام الماضي، كانوا محتجزين لدى تنظيم "القاعدة" في حضرموت، وقتل في العملية جميع الخاطفين.
كما تُعد عملية "اَدو" في الصومال، من أبرز العمليات الأميركية الناجحة لتحرير الرهائن، حيث تم تحرير رهينتين (أميركية ونرويجي)، وقتل جميع القراصنة وعددهم تسعة، في 25 يناير/كانون الثاني 2012، من دون وقوع إصابات في صفوف القوة الأميركية. وفي 7 أبريل/نيسان 2009، نفذت قوة أميركية خاصة عملية ناجحة لتحرير طاقم سفينة أميركية تجارية، احتجزهم قراصنة صوماليين في عرض البحر، وتمكنت القوة من قتل الخاطفين.
وأثار إشراك إيران في العملية السياسية تكهنات من احتمال التعاون معها ميدانياً لملاحقة "داعش" بسورية، بحكم أن لديها ما لا يقل عن 2000 ضابط عسكري ميداني في سورية. لكن اختلاف الهدف مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بحماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يلقي ظلالاً من الشكوك على إمكانية نجاح مثل هذا التعاون.
ومن أجل تلافي أي تداعيات غير محسوبة قد تنجم عن قراري إشراك إيران سياسياً وتكثيف العمليات البرية عسكرياً، بادر البيت الأبيض إلى التوضيح بأن إدارة أوباما لا تزال عند عهدها بعدم خوض معارك برية واسعة النطاق في العراق أو سورية، قد تتطلّب إرسال المزيد من القوات البرية النظامية.
كذلك أجرى أوباما اتصالاً هاتفياً بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، للتشاور بشأن الملف السوري، ولم يتم الكشف عن فحوى المباحثات، إلا أنه من الطبيعي، وفقاً لمراقبين، أن يعمد أوباما إلى تطمين العاهل السعودي، لناحية أن "إشراك إيران في جهود التسوية في الملف السوري، لن يكون على حساب جيران سورية العرب".
اقرأ أيضاً: تنافس أميركي روسي على أكراد سورية