وعلى الرغم من أن الحقوقيين والناشطين في مجال السلام ينظرون إلى دخول المعاهدة حيّز النفاذ على أنّه "فصل جديد في الجهود الجماعيّة لتحمّل المسؤولية والمساءلة والشفافية في تجارة الأسلحة الدوليّة"، على حدّ تعبير الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لكنّ الصراعات المسلّحة، التي تدور رحاها في مناطق عدّة، خصوصاً تلك المشتعلة في الشرق الأوسط، تثير الكثير من التساؤلات. وتدور التساؤلات حول ضوابط المعاهدة القانونية وقدرتها على ردع المخالفين ومساءلتهم، قبل محاسبتهم، في وقت ينتقل فيه السلاح بأشكال عدّة، من دون أي رقيب أو حسيب، ويتسبّب بمقتل مئات الآلاف من المدنيين.
ويأتي دخول المعاهدة حيّز النفاذ بعد توقيعها من قبل 130 دولة ومصادقتها من 60 دولة، منذ إقرارها في الأمم المتحدة في شهر أبريل/نيسان 2013، في فترة تُعدّ قياسيّة. وكان ينبغي أن تصادق 50 دولة خلال سنتين، كحدّ أقصى على المعاهدة، تمهيداً لدخولها حيّز النفاذ. وتُعدّ هذه المعاهدة الأولى التي تهدف إلى تنظيم تجارة الأسلحة التقليدية، على أنواعها، من المسدّسات إلى السفن الحربيّة مروراً بالصواريخ، في حين تُستثنى منه الطائرات بدون طيار وناقلات الجند المدرعة والتجهيزات المخصّصة لقوات الأمن. وتشمل المعاهدة كل العمليات الدولية لنقل الأسلحة من استيراد وتصدير ومرور عبر أراضي بلد ثالث، وكذلك أعمال الوساطة لبيع الأسلحة.
وفيما تقدّر تجارة السلاح الدولية بنحو 85 مليار دولار سنوياً، يوضح أبي علام أنّ "المعاهدة لا تمنع الاتجار، لكنها تمنع الاتجار غير المشروع، وهو أكثر الأنواع انتشاراً في منطقتنا العربيّة، ذلك أنّ الحروب ليست بين دول، بل بين دول ومجموعات أو بين مجموعات بحدّ ذاتها". ويتحدّث عن نوعين من أسواق السلاح: "السوق السوداء، والسوق الرمادية"، لافتاً إلى أنّ التسمية الأخيرة "تُطلق على الحالات التي يكون فيها المتلقي قانونياً وشرعياً، لكنّه يجيّر السلاح لمجموعات من غير الدول".
وبعد دخول المعاهدة حيّز النفاذ، يصبح المورّد والمتلقي شريكين في المسؤوليّة القانونية. ويقول أبي علام في هذا السياق: "قبل المعاهدة، كانت الجهة المورّدة للسلاح، وبموجب القانون الدولي، غير مسؤولة عن نقله وعن الجهة التي يصل إليها، بمعنى أنّها لا تتحمّل عواقب استخدامه، لكنّه بعد هذه المعاهدة، يصبح هذا الفعل "غير مشروع" وينتهك المعاهدة والقانون الدولي".
لا ينكر أبي علام أنّ "العالم عموماً، والمنطقة تحديداً، مليء بملايين قطع السلاح، الخفيف والصغير والأسلحة التقليدية بكافة أشكالها"، لكنّه في الوقت ذاته يعترف بأنّ "الضابط القانوني لا يكفي وحده، في ظلّ غياب الضابط القيمي، القائم على احترام حقوق الإنسان وكرامته وقبول الآخر". ويضيف: "بدء تطبيق المعاهدة أشبه ببناء حجر في مدماك السلام، لكن المعيار القيَمي يبقى الحجر الآخر".
ومن المقرّر أن تعقد الدول الأطراف في المعاهدة، مؤتمرها الأول في شهر فبراير/شباط المقبل في دولة ترينداد وتوباغو، لتحديد آليات العمل واختيار مقر السكرتاريا التي ستتولى التنسيق وتلقي تقارير نقل السلاح بما يراعي المعايير الموجودة في المعاهدة.
من جهته، يوضح أستاذ القانون الدولي الدكتور شفيق المصري لـ "العربي الجديد"، أنّ "ثمة اتفاقيات دولية عدّة، تحظر بعض الأسلحة التقليديّة والأسلحة النوويّة، من ناحية المبدأ، ويقتضي على كل دولة أن تلتزم بها، ولا يتعلّق المنع بالتجارة والاستخدام، بل بالاقتناء أيضاً، ما يعني أنّ الموجبات قائمة قبل الاتفاقيّة، لكنّ منافع الاتفاقيّة اليوم تفصيلية أكثر، في ما يتعلّق بالأسلحة غير الممنوعة، ووجوب التحقّق من وجهة استخدامها".
ويشير المصري إلى أنّ "الموجبات بالتالي ملقاة على عاتق هذه الدول"، لكنّه يلفت في الوقت ذاته، إلى أنّ "هناك شركات سلاح خاصة، قد لا تلتزم بالضرورة بقرارات الدول الموجودة فيها، ما يعني أنّ النقطة الأساسيّة لتنفيذ الاتفاقية، تتعلّق بقدرة هذه الدول على ضبط تجارة الشركات الموجودة فيها".
ويقول إنّ "الاتفاقيّة هامة بقدر ما تتناول الجانب الخلقي الإنساني، وبقدر ما يدخل فيها القانون الإنساني الدولي"، مضيفاً: "المطلوب تنفيذ الاتفاقيّة ضمن إطارها القيمي، ويقع ذلك على عاتق الدول ذاتها، وهذا الأمر أصعب من التشريع، لأنّ الدول، مصادر هذه الأسلحة، والشركات الخاصة فيها، هي التي تتعاطى العمليات التجاريّة".
وانطلاقاً من التجارب السابقة في مجال المعاهدات الدوليّة واستحالة تطبيق بعضها، وعمّا إذا كان دخول اتفاقية تجارة الأسلحة حيّز النفاذ يعني تطبيقها حكماً، يجيب المصري: "هناك ثلاثة مبادئ أساسيّة في المعاهدة، أولها الاستناد إلى الاتفاقيات الدولية التي تحظر استخدام أو اقتناء الأسلحة الممنوعة، وهذا ملزم لكافة الدول. وثانيها تقييد المعاهدة مبدئياً لحرية التجارة، لجهة الاعتبارات الإنسانيّة واعتبارات المجتمع المدني بأفراده ومنشآته. وثالثها أنّ الدول الموقّعة ملزمة بمتابعة حسن تنفيذها". ويستنتج أنّه "إذا كان لا جدال حول المبدأين الأول والثاني، لكنّ الأمر الثالث، يتوقف على صدقيّة الدول الموقّعة وإمكاناتها لضبط وحسن توجيه الشركات الخاصة".