تواجه المنظمات الدولية والمحلية وكذلك المبادرات المجتمعية في اليمن صعوبات في تنفيذ أنشطتها، لا سيّما تلك الخاصة بالتوعية، من جرّاء عدم فهم بعض سكان المناطق النائية طبيعة أعمالها أو التعبئة المستمرة ضدها. ويحدّ ذلك من تقديم المساعدات الإغاثية والتنموية بالطريقة المخطط لها، ويتسبب في حرمان يمنيين كثيرين في المناطق النائية من تلك المساعدات، بعدما جرى إدراجهم ضمن خطط الجهات المنفذة.
ابتسام محمد من العاملات في برنامج تنموي يشمل عدداً من القرى في محافظة شبوة (جنوب) وقد شاركت في تقديم دورات للنساء في مناطق نائية، لكنّها واجهت معوّقات كثيرة جعلت بعض مخرجات تلك الدورات غير مكتملة. تقول ابتسام لـ"العربي الجديد" إنّ "من أبرز المعوّقات التي نواجهها هو عدم سماح الأهالي لنسائهم بالمشاركة في الدورات، على الرغم من أنّها تهدف إلى توعيتهنّ"، مشيرة إلى أنّ "عشائر كثيرة تعدّ مشاركة المرأة في الدورات التدريبية أو لقاءات التوعية عيباً". وتؤكد ابتسام أنّ الأهالي بمعظمهم يتعاملون مع أنشطة منظمّتها بإيجابية، غير أنّ بعضهم لا يقبل بحضور الأمهات أو الزوجات أو الأخوات أو البنات للقاءات التوعوية "حتى ولو كنّا نعمد إلى التوعية حول أمراض على سبيل المثال". وتلفت ابتسام إلى أن "ثمّة من يضطر إلى السماح للنساء بالمشاركة، لأنهنّ قد يحصلنَ على مساعدة من المنظمة. الأغلبية من دون أعمال من جرّاء الحرب المستمرة منذ سنوات".
وتحرص المنظمات والمبادرات المجتمعية على إرسال ناشطات لتوزيع المساعدات على النساء في المناطق النائية أو تقديم الدورات لهنّ وتنظيم لقاءات التوعية، وذلك حتى يقبل أرباب العائلات بانضمام نسائهم إلى الأنشطة. أمل يحيى من الناشطات اللواتي ساهمنَ في إحدى المبادرات المجتمعية للتوعية حول مخاطر بقايا القنابل والمتفجرات والألغام في محافظة عمران، شماليّ البلاد. وقد وجدت أمل صعوبة في إقناع بعض الأهالي بالسماح للنساء بالمشاركة في جلسات التوعية التي كانت تقدّمها. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة اعتقاداً بأنّ مثل هذه المبادرات والمنظمات تستهدف الدين الإسلامي وقيم القبائل ومبادئها التي ترى في ظهور المرأة عيباً، فما بالك بالمشاركة في لقاءات مماثلة". تضيف أمل أنّ "سكان هذه المناطق يجبرون المرأة أن تعمل في أعمال شاقة مثل الزراعة والرعي وأحياناً جني المزروعات والقات، لكنّهم لا يسمحون لها بالمشاركة في اللقاءات التي نسعى من خلالها إلى توعيتهنّ حول مخاطر مخلفات الحرب والقصف".
وتشير أمل إلى أنّ "ثمّة أهالي يظنّون بأنّ أنشطتنا تسعى إلى جمع معلومات استخباراتية عن القبائل. فالمنظمات في نظرهم تخدم الكفار في الخارج، وهذا ما يجعلهم يرفضون التعامل معنا". وتخبر أنّه وُجّهت إليها في أكثر من مرّة ألفاظ مسيئة "لكنّني تجاهلتها، فأنا أؤمن بأنّهم ضحية للتعبئة المستمرة ولا يعرفون أنّنا جئنا لمساعدتهم". وكانت أمل ورفيقاتها قد نظّمنَ لقاءات توعية في بعض مدارس مدينة عمران التي تتعدد فيها القبائل وتنتشر فيها الأمية. تقول إنّه "خلال تقديمنا وجبات خفيفة للمتدرّبين، يظهر الرافضون لهذه الأنشطة ليحرّضوا الأهالي على أنّ في تلك الوجبات سموماً أو مواد تسبب العقم، وأنّها تنشر الأمراض لقتل اليمنيين خدمة للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل".
من جهته، يرى الناشط محمد العزب من صنعاء أنّ "هذه الممارسات تكون عادة فردية في مناطق كثيرة، وبعضها لأهداف خاصة". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة أهالي يفتعلون المشاكل مع المتطوعين أو العاملين في المنظمات المحلية والدولية، اعتقاداً منهم بأنّهم يقدّمون خدمة لقبيلتهم ووطنهم. ويكون ذلك بسبب تحريض أطراف معيّنة إمّا دينية أو قبلية". يضيف محمد أنّ "بعض مشايخ القبائل يخشون من تعلم الأهالي والنساء تحديداً، إذ إنّ الأمر يعني أنّ كثيرين منهم سوف يفقدون سلطتهم على هؤلاء، وبالتالي يحرّضون الأهالي ضد المنظمات والمبادرات".
ويشير محمد إلى أنّ "الذين يعوّقون أعمال المنظمات هم ممّن لم يتعلموا إطلاقاً، لهذا نقول دائماً إنّ الجهل أساس كل المشكلات في اليمن، ومنها رفض أولياء أمور كثيرين التحاق بناتهم بالمدارس أو المشاركة في دورات تدريب وتوعية". ويتابع أنّ "ذلك كان قد تراجع قبل عام 2014 غير أنّه عاد للظهور أخيراً في المناطق النائية مثل عمران وحجة وشبوة ومأرب والبيضاء وأبين ولحج وغيرها من المحافظات". يُذكر أنّ اليمن شهد زيادة في عدد منظمات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، ليتجاوز عددها ثمانية آلاف و300 منظمة مسجلة رسمياً. وقد تأسس ربع تلك المنظمات مع بدء الفترة الانتقالية في البلاد في عام 2011.