تونسيات قياديات في وجه الذكورية

08 فبراير 2020
زادت مشاركة المرأة التونسية (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

واجهت التونسيات صعوبات عدة قبل أن يتمكنّ من الوصول إلى مراكز قيادية في القطاعات النقابية. وإن كان عددهن قليلاً جداً، إلا أنهن يسعين إلى تكريس قدرات النساء، وبالتالي تحدي الذهنية الذكورية

نجحت نقابيّات تونسيّات في تحدّي الذهنية الذكورية المسيطرة على قطاعات عدة، ونجحن في إثبات قدرتهن على الدفاع عن الحقوق المهنية والمادية لزملائهم، علماً أن قلّة يصلن إلى مواقع القرار. وإن كان تمثيل النساء ضعيفاً في مراكز القيادة النقابية، إلا أن بعض الناشطات في قطاع النقابات نجحن في فرض وجودهن وإثبات قدراتهن، على الرغم من سيطرة الرجال، على غرار النقل الحديدي والصناعات البتروكيميائية وغيرها. وخلال 5 دورات متتالية، فازت النقابية منية بن نصر عيادي على منافسيها من الرجال، لتتولى قيادة نقابة عمال الشركة التونسية لصناعة الإطارات المطاطية. لم تكن مسيرة عيادي سهلة، بسبب العقلية الذكورية التي تطغى على العمل النقابي، كما تقول لـ"العربي الجديد". إلا أن المكاسب التي حققتها لزملائها مكّنتها من الاستمرار على رأس المكتب التنفيذي للنقابة التي شغّلت أكثر من 1500 عامل على مدى 15 عاماً.

عيادي تشارك في مسيرة نقابية (العربي الجديد) 












وتؤكد عيادي أن الحضور النسائي في القطاع يُعدّ ضعيفاً جداً، إذ لا يتجاوز عدد النساء العاملات في الشركة العشرة. هؤلاء يعملن في السلك الإداري، في وقت يعمل نحو 1500 رجل في الوحدات الصناعية، ما جعل ترؤسها لنقابة العمال أمراً صعباً أو شبه مستحيل بنظر زميلاتها.

على الرغم من ذلك، تقول القيادية النقابية إنها قبلت "تحدّي" الترشح لقيادة نقابة عمالية يغلب عليها حضور الذكور، مؤكدة أن إيمانها بقدراتها في إدارة الحوار الاجتماعي وتحقيق مكاسب لفائدة زملائها كان دافعها في الاستمرار في مهمتها طوال هذه الفترة. ولم تصل إلى هذا المنصب بسرعة أو بسهولة، بل تدرجت في العمل النقابي. وخلال هذا الفترة، عانت بسبب رفض الرجال عمل المرأة النقابي، معتبرة أن العمل الجاد والنتائج التي حقّقتها دفعتها للوصول إلى موقع متقدّم في العمل.




تقول عيادي إنها كانت تضطر إلى ترك بيتها وأبنائها للخروج في ساعة متأخرة من الليل لتلبية احتياجات زملائها الذين تعرّضوا لظلم أو مشكلة في العمل، الأمر الذي كان يتطلب تدخلاً ميدانياً من قيادة نقابية. وتؤكّد أنها تمكنت من تحسين الأوضاع المهنية للعمال وإلزام إدارة الشركة باعتماد معايير السلامة العامة، وخصوصاً أنهم يتعاملون مع مواد بلاستيكية. وهذا أمر أساسي حققته في مسيرتها في العمل النقابي، ومكّنها من الحصول على ثقة الناخبين لخمسة مؤتمرات متتالية نظمتها نقابة المؤسسة. مع ذلك، ترى أن صوت النساء في النقابات يظل ضعيفاً بسبب سيطرة العقلية الذكورية على الهياكل النقابية بمستوياتها كافة.

في يناير/ كانون الثاني عام 2017، أقرّ مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل حصول المرأة على مقعدين في قيادة الهياكل القطاعية والمركزية، وعلى مقعد في النقابات الوسطى بعد تنقيح (تعديل) النظام الداخلي للمنظمة. ويفرض التعديل الجديد أن تكون المرأة ممثلة بمقعدين في المركزية النقابية، بدءاً من المؤتمر المقبل للمنظمة، بعد حصول نعيمة الهمامي على أول مقعد في المكتب التنفيذي للاتحاد عقب 70 عاماً من تأسيس النقابة الأكثر تمثيلاً في تونس. وفازت الهمامي بعضوية المكتب التنفيذي للاتحاد، المؤلف من خمسة عشر عضواً، في ختام المؤتمر العام الثالث والعشرين للمنظمة.

عيادي في لقاء نقابي (العربي الجديد) 












منية بن نصر العيادي ليست الوحيدة التي قادت نقابة عمالية، إذ خاضت النقابية كلثوم برك الله تجربة مماثلة في نقابة السكك الحديدية التابعة للاتحاد العام التونسي الذي يسيطر عليه الرجال بحكم عملهم في ورش إصلاح القطارات وقيادة العربات. وتتحدث النقابية آمنة العوادي عن صعوبة مهام النقابيات، لأن العقلية الذكورية تلغي حق المرأة في القيادة، إذ "يرى الذكور أن النساء يصلحن للعمل الميداني ولا يصلحن للقيادة".

واحتاجت آمنة، كما تقول لـ"العربي الجديد"، إلى نحو 25 عاماً من العمل في وظائف غير قيادية في الاتحاد العام التونسي للشغل ولجنة المرأة العاملة، حتى تحصل على فرصة في المكتب التنفيذي لنقابة التعليم الأساسي. تضيف: "تواجه المرأة النقابية مجتمعاً ذكورياً"، لافتة إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل بمختلف مكوناته هو بمثابة مجتمع صغير، ويعكس عقلية ذكورية تسيطر على الحقل السياسي والمنظماتي وغيرهما. المرأة بنظر الغالبية جنس لطيف، ولا تصلح للقيادة". وتشير إلى أن النقابيات يحتجن إلى بذل أضعاف الجهد الذي يبذله الرجال لتحصيل موقع متقدم.




وتفوق نسبة انخراط النساء في النقابات العمالية المنضوية في إطار الاتحاد العام التونسي للشغل 70 في المائة، غالبيتهن من العاملات في قطاعات النسيج والتعليم الأساسي والثانوي والصحة وغيرها، إلا أن الحضور النسائي يبقى بعيداً عن المناصب القيادية.

وعلى الرغم من تطوّر العمل النقابي في تونس، وحضور المرأة في الشأن العام وتمتعها بالكثير من الحقوق، يشكل حضور النساء في الهياكل النقابية القاعدية 13 في المائة، و4 في المائة فقط في الهياكل الوسطى والعليا. ولم تتمكن المرأة من الوصول إلى المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل إلا بعد مرور 70 عاماً من إنشائه.