قرار العودة إلى المدارس في تونس لا يبدو أنه يرضي العديد من الأهالي خوفاً على أطفالهم من الإصابة بكورونا في ظل عودة الفيروس إلى التفشي في البلاد، خصوصاً أن الأطفال لا يستطيعون الالتزام بالإجراءات الوقائية
"العدوى المدرسية قريباً"، و"المدارس بؤر الوباء القادمة"، وغيرها من التعليقات عكست ردود أفعال الشارع التونسي حول قرار العودة إلى المدرسة في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، على الرغم من ارتفاع حالات الإصابة بعدوى كورونا، بعد فتح الحدود في 27 يونيو/ حزيران الماضي.
ومؤخراً، تفشى الفيروس في بؤر عدة، ما أدى إلى حظر التجول فيها على غرار مدينتي الكاف والحامة في محافظة قابس. كما أغلقت منطقة الحمامات (تقع على البحر الأبيض المتوسط في الشمال الشرقي لتونس) ومنعت الأسواق الأسبوعية في مناطق عدة سجلت عدد إصابات مرتفعة.
وأعرب مواطنون عن امتعاضهم من قرار فتح الحدود الذي كان سبباً في عودة انتشار العدوى، وأكثر من الموجة الأولى التي سجلتها البلاد منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، والتي تمت السيطرة عليها في وقت بسيط بسبب فرض حجر صحي شامل. ومنذ فتح الحدود في 27 يونيو الماضي، تم تسجيل 2260 حالة مؤكدة حاملة للفيروس، منها 521 حالة وافدة و1731 حالة محلية. وفي المستشفيات 54 مريضاً، من بينهم 12 مريضاً في أقسام العناية المركزة. ويبلغ عدد الحالات النشطة 1860، وعدد المرضى الحاملين للأعراض 277.
وأبدت بعض العائلات تخوفها من إصابة أبنائها بالعدوى مع العودة للمدرسية، لا سيما في المدارس التي تشهد اكتظاظاً كبيراً ويصعب معها الحفاظ على التباعد. وسجلت العديد من الصفوف خلال السنوات الأخيرة اكتظاظاً بلغ 40 تلميذاً في الصف الواحد. وحسم بعض الأهالي موقفهم من مسألة العودة، رافضين إلحاق أبنائهم بالمدارس إذا ما استمر الوضع على هذا الحال.
وتقول والدة أحد التلاميذ في الصف الرابع، مفيدة بن فرحات، لـ "العربي الجديد"، إنّها تستعد لعودة ابنها إلى الدراسة وتوفير ما يلزمه من كتب وأدوات، لكنها لن تسمح بالتحاقه بالدراسة بسبب انتشار الوباء من جديد، حتى وإن كان التغيب على حساب تحصيله العلمي. تضيف أن "الكمامات مفروضة على كل من تجاوز 12 سنة، وابني يبلغ من العمر 9 سنوات وغير معني بارتداء الكمامات، ولا يمكنني المجازفة بإلحاقه بالدراسة وجلّ الأطفال غير واعين بالإجراءات الصحية ولا يستطيعون تطبيقها".
القرار اتخذه خالد حافظي الذي يرفض إلحاق ابنه في المعهد مع العودة إلى المدرسة، والحال أنّ الوباء عاد للانتشار من جديد وبوتيرة أسرع من قبل. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّه "حتى إذا كان الوباء لا يؤثر غالباً على صحة الأطفال ولا يشكل خطراً على صغار السن، إلا أنهم قد يصبحون سبباً في تفشي الوباء أكثر ونقل العدوى لكبار السن. كما أنّ الأطفال غالباً لن يلتزموا بالإجراءات الصحية أو الوقائية. ولا يمكن تحقيق أو فرض تباعد اجتماعي في عالم الأطفال، خصوصاً داخل المدارس والمعاهد، وإجبار أي تلميذ على ارتداء الكمامة طيلة ست ساعات متتالية". يضيف: "ربما لو قُسّم التلاميذ بين دوامين، واحد صباحي وآخر مسائي، يكون أفضل لتخفيف الاكتظاظ، على الرغم من صعوبة الأمر الذي يتطلب زيادة عدد الأساتذة وهذا مستبعد جداً، مع إقرار حصص تعليمية عن بعد".
وفي 18 أغسطس/ آب الحالي، عقد مجلس وزاري تحت إشراف رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ، لبحث العودة للمدرسية. وأكد الفخفاخ على "ضرورة تأمين العودة إلى المدرسة في ظلّ هذا الظرف الصحي الذي يتميّز بعودة انتشار كورونا، ما يقتضي اتخاذ أقصى درجات الحذر واليقظة والالتزام بالشروط الصحية اللازمة".
وقرّر المجلس العودة إلى المدرسة يوم 15 سبتمبر المقبل. واتخاذ كافة الإجراءات الصحية والوقائية والتسريع في إعداد البروتوكولات الصحية الخاصة بالعودة إلى المدرسة والجامعة لتأمين العودة في أحسن الظروف.
من جهتها، أكدت وزارة التربية أنّها ستراعي الوضع الصحي في ما يتعلق بانتشار كورونا في بعض الجهات خلال العودة إلى المدرسة، لافتة إلى اعتمادها آليات ما يمكّنها من اتخاذ إجراءات استثنائية. وأصدرت قراراتها بشأن البرتوكولات الصحية التي تتضمن جملة من الإجراءات الوقائية داخل المعاهد والمدارس. وتنص على التباعد الجسدي بين التلاميذ، وإخضاعهم للفحص الدوري لدرجات الحرارة، مع فرض ارتداء الكمامات بالنسبة للعاملين في المؤسسات التعليمية، مع استثناء التلاميذ أقل من 12 عاماً، وتعقيم المؤسسات التعليمية مرتين أسبوعياً وتنظيم حملات توعوية داخلها.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ بعض النقابات التعليمية ترفض أيضاً قرار العودة إلى المدرسة في 15 سبتمبر المقبل. ويشير الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ العودة إلى المدرسة في هذا التاريخ أمر خطر على التلاميذ والإطار التعليمي، مؤكداً على ضرورة تأجيلها إلى حين السيطرة على انتشار الوباء الذي عاد من جديد بعد فتح الحدود، وتقييم الوضع أكثر. ويؤكد على "صعوبة تحقيق الإجراءات الصحية التي تحدّثت عنها وزارة التربية، ولا يمكن تطبيقها في معاهد ومدارس عدة بسبب عدم توفر المياه في بعضها وسوء بنيتها التحتية".
على صعيد آخر، يشير إلى "ضرورة عقد لقاءات عدّة بين وزارتي الصحة والتربية لإقرار إجراءات صحية عدة، وبحث إمكانية التعليم عن بعد مع تقسيم الدروس أو الحصص لتفادي الاكتظاظ داخل المدارس.