دفعت العمليّة الإرهابيّة التي راح ضحيتها 15 جندياً، الحكومة التونسيّة إلى اتّخاذ جملةٍ من القرارات في إطار محاربة الإرهاب، ومن بينها إغلاق معظم المساجد التي قالت إنها أنشِئت بعد الثورة بطرق عشوائيّة. وهو ما أثار جدلاً كبيراً وتبايناً في الآراء، بين مؤيّد لقرارات إغلاق دور العبادة وبين رافض لها.
وقد أشار وزير الشؤون الدينيّة، منير التليلي، إلى أن الإغلاق اقتصر على المساجد غير المرتبطة بوزارة الشؤون الدينيّة وغير المصرّح بها، والتي قال إنها تنشر في جزء كبير منها خطاباً متشنجاً يحرّض على الإرهاب. وأكّد على أن اتخاذ القرار بالإغلاق سيكون مؤقتاً إلى حين تعيين أئمة من قِبل الوزارة يخضعون لإشرافها، في أقرب وقت ممكن.
وتمكّنت السلطات الأمنيّة أخيراً، من إغلاق 21 مسجداً وجامعاً في مختلف أنحاء تونس، جرى بناؤها بعد الثورة بطريقة عشوائيّة، وهي مصنّفة "خطيرة".
وأوضح رئيس ديوان وزير الشؤون الدّينية، عبد الستار بدر، في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّه وتنفيذاً لقرارات خليّة الأزمة المكلفة بمتابعة الوضع الأمني والمكوّنة من وزارة الدفاع والداخليّة، تمّ إغلاق 21 مسجداً من جملة 91 جرى بناؤها من دون تراخيص من وزارة الشؤون الدينيّة.
وأكد بدر أنّ الخليّة ماضية في إغلاق بقيّة المساجد التي ثبت استغلالها من قبل بعض المتشدّدين والتكفيريّين، والتي باتت بؤراً لبثّ الخطاب التكفيري والتشدّدي وتحريض الشباب على الانضمام إلى العصابات الموجودة في الشعانبي تحت مسمّى الجهاد.
على صعيد آخر، أشار بدر إلى أنّه جرى استرجاع عدد كبير من المساجد التي تشرف عليها وزارة الشؤون الدينيّة والتي كانت قد تمّت السيطرة عليها من قِبل المتشدّدين. وفي خلال الفترة الماضية، أعيدت السيطرة على 112 مسجداً بواقع عشرة مساجد في كل أسبوع، في حين بقي 38 منها تحت إشراف المتشدّدين. كذلك تولت الوزارة في الفترة الأخيرة إنهاء تكليف 200 من أئمة المساجد، لتعمّدهم نشر خطبٍ حزبيّة أو تكفيريّة.
رفض وتأييد
ولقيت قرارات الإغلاق رفضاً كبيراً من قبل البعض، كالنائب في المجلس التأسيسي عن حركة النهضة، الحبيب خضر، الذي أشار إلى أنه "لا يوجد في البلاد أي مسجد أو جامع يُجمع كل مرتاديه على مباركة الخروج عن القانون. وإن وُجد منهم أصلاً مَن يذهب في هذا الاتجاه، فما ذنب المصلي الذي سيتضرّر من قرار الإغلاق من دون أن يكون قد صدر عنه أي فعل يوجب معاقبته؟". ويسأل: "هل يعقل أن يحرم الناس من أداء الصلوات المفروضة والتراويح والقيام وإحياء ليلة القدر لأنّ بعضاً منهم، إن وُجد، قد ارتكب فعلاً جرماً؟".
بالنسبة إلى أمين العبيدي (مواطن)، كان من الأولى بالحكومة احتواء هذه المساجد وجعلها تحت إشرافها، وتعيين أحد الأئمة لإدارة شؤون المسجد بدلاً من إغلاقه، ولا سيّما أنّ قرارات الإغلاق تزامنت مع حلول شهر رمضان الذي يكثر فيه ارتياد دور العبادة.
من جانبه، رأى ناجي حلمي أنّ الحكومة اتخذت خطوة إيجابية بالتوجّه نحو القضاء على كل الأماكن المحرّضة على الإرهاب. لكنه أشار إلى أن إغلاق المساجد بسبب الخطب التكفيريّة والتحريضيّة التي تلقى في بعض منها، سيحرم المؤمنين من صلاة الجماعة.
في المقابل، قال مكرم الحمراوي إنه كان من الأفضل لو نفّذت الحكومات قرارات الإغلاق قبل زمن، طالما أنّ تلك المساجد شيّدت بطرق عشوائيّة ويديرها أناس مشتبه في انتمائهم إلى بعض التيارات المتشدّدة. ولفت إلى أنّ ما تمرّ به البلاد من أحداث إرهابيّة وتهديدات ناهيك عن تسفير الشباب للقتال في سوريا، يؤكد تورّط بعض تلك المساجد التي تبثّ خطاباً متشدداً يصل إلى تكفير الناس والتحريض على الإرهاب.
خطر إغلاق المساجد
إلى ذلك، لم تبدِ أطرف أخرى عدّة رفضها لقرار الإغلاق، لكنها حذّرت من تبعات ذلك على المستوى الأمني. ورأى الخبير الأمني، نور الدين نيفر، احتمال ذلك "إذ من الممكن أن تعتبر الجماعات التكفيريّة أنّ الحكومة أعلنت الحرب على الإسلام باتخاذ هذا القرار. الأمر الذي سيزيد من إصرارها على محاربتها بقوة السلاح".
ولفت نيفر إلى أنّ المجموعات التكفيريّة المسلحة المتمركزة في الشعانبي، ستعتمد جميع الوسائل والطرق لإلحاق الضرر بمصالح الدولة انتقاماً منها للإسلام. وأشار إلى أنّ تلك المجموعات ستعمل على تغيير وجهتها إلى مساجد أخرى لترويج معتقداتها والتسويق لخطاب معاداة الحكومة للدين.