وأقرّ المكتب السياسي للحزب هذا الخيار في اجتماعه الأخير من أجل تسيير الشؤون اليومية الحزبية وتفعيل اللجان المختصة والإعداد لمؤتمر الحزب. ويطال هذا القرار، إضافة إلى البكوش، وزيرة السياحة وأمينة مالية الحزب سلمى اللومي، والوزير المكلّف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والمتحدث الرسمي باسم الحزب، لزهر العكرمي، ومستشار رئيس الجمهورية والمكلف بالعلاقات الخارجية في الحزب محسن مرزوق.
وجاء القرار نتيجة ضغوط عدة مارسها التيار التصحيحي، الذي يقوده حافظ قائد السبسي منذ مدة، وطالب من خلالها بعدم الجمع بين مفاصل الحكومة والحزب في آنٍ. ودعا إلى التفرّغ للحزب، بعد حالة الفراغ الكبيرة التي خلّفها تشكيل الحكومة وديوان الرئاسة، وما تلاها من خلافات كادت تعصف بالحزب برمّته. وتحاول الهيئة التأسيسية الحالية والمكتب السياسي إيجاد حلول تقلّص من حدة الخلافات وتُقرّب بين وجهتي النظر.
وبالعودة إلى قرار عدم الجمع بين الوظائف، كان الجميع يتوقع أن يعارض البكوش هذا الخيار، أو أن يعلن تمسكه بالخارجية، غير أنه، وفي خطوة مفاجئة، أيّد الفكرة وعبّر خلال اجتماع المكتب السياسي عن استعداده للتخلّي عن حقيبة وزارة الخارجية من أجل البقاء في الأمانة العامة للحزب.
كما ذكرت مصادر من الحزب، لـ"العربي الجديد"، أن "محسن مرزوق مستشار السبسي، عبّر بدوره عن استعداده للاستقالة من منصبه في القصر، لتولّي منصب الأمين العام، في حال تشبّث البكوش بالخارجية، مع الإشارة الى أن مرزوق يحظى بدعم أوسع في الحزب من البكوش، الذي قطع أمامه الطريق بقراره المفاجئ.
اقرأ أيضاً: تشكيك في خبر مقتل الصحافيين التونسيين سفيان ونذير
وعكس قرار البكوش "حكمة كبيرة وبعد نظر"، بحسب أعضاء في النداء تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فالرجل لا يحظى بدعم كبير في قواعد الحزب، ولا يلقى دعم السبسي أيضاً ولا رضاه عن أدائه في الخارجية. كما أن مواقفه السابقة، كانت معارضة لخيارات السبسي الاستراتيجية، وأبرزها خياره التقارب مع حركة "النهضة"، فقد كان من أشد المعارضين للتحالف الحكومي معها، واستبسل في الدفاع عن رأيه إلى آخر لحظة في المشاورات الحكومية، ما كاد يعصف بالآجال الدستورية ويُعطّل التشكيل الحكومي الذي طال أكثر من اللزوم.
ويدرك البكوش أن بقاءه في الخارجية، إذا تخلّى عن الأمانة العامة للحزب، لن يدوم طويلاً بسبب المشاكل المتراكمة التي أثارها منذ توليه المنصب. ما سيُمهّد لإبعاده عن المشهد بشكل كامل، حتى أن بعض المصادر رجّحت سابقاً في أن يكون تعيينه في الخارجية، تمّ أصلاً بهدف إبعاده عن الحزب، غير أن قراره الأخير خلط الأوراق من جديد. وأفادت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، بأنه "سيتمّ في هذه الحالة اقتراح تعيين أمناء عامين مساعدين، بمسؤوليات وأجندات واضحة، تمنع هيمنة طرف على الحزب خلال إعداده للمؤتمر".
ولفتت إلى أن "من المتوقع تعيين نائبين لرئيس الحزب محمد الناصر، الذي لن يشمله قرار عدم الجمع بين الوظائف، حتى الآن، وقد يكون حافظ قائد السبسي أحد النائبين". وأضافت أن "هذه الخطوات ستُشكّل نوعاً من انتصار التيار التصحيحي، الذي أثبت أن القواعد الجهوية والمحلية تدعمه في مختلف المحافظات التونسية". بالإضافة إلى كل هذه المشاكل أمام البكوش، يتواصل الجدل القوي بشأن قضية الصحافيين المفقودين في ليبيا، حتى أن حزب "الاتحاد الوطني الحر" (أحد أحزاب التحالف الحكومي)، دعا لمساءلة وزير الخارجية.
وكان مجلس نواب الشعب قد تداول، يوم الاثنين، في شأن تقديم عريضة تُطالب بمساءلة البكوش، وفتح تحقيق ضد وزير الخارجية السابق المنجي الحامدي، في ملف الصحافيين سفيان الشورابي ونذير القطاري، بناءً على طلب من لجنة مساندة لعائلتيهما. وتضمّنت العريضة دعوة لتخصيص جلسة عامة علنية لمساءلة وزراء الخارجية والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى كل من تولّى مسؤولية دبلوماسية وقنصلية في ليبيا، خلال اختفاء الصحافيين والاستماع إلى شهاداتهم، وفتح تحقيق إداري وقضائي إذا تطلّب الأمر.
وقال رئيس كتلة الاتحاد في البرلمان، محسن حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه المسائلة لا تعني تحميل وزارة البكوش مسؤولية ما حدث، بقدر ما تهدف إلى فهم ما يحدث بالتفصيل. ومن حق النواب والشعب معرفة الحقيقة بكل تفاصيلها وتحديد المسؤوليات، وإن كانت تميل لتحميلها لحكومة مهدي جمعة في الغالب ووزير خارجيته الحامدي". وأشار إلى أن "خبر مقتل الصحافييْن التونسيين يخفي ابتزازاً مالياً وسياسياً واضحاً، وأن طلباً للفدية كان مطروحاً في بداية اختطافهما، ولكن تعامل الحكومة السابقة كان سلبياً في هذا الشأن".
اقرأ أيضاً: ضرورة التغيير الحكومي في تونس..