اقرأ أيضاً تونس: الاحتجاجات تتصاعد على قانون "المصالحة الاقتصادية"
وقد عاد سجال توحد المعارضة من جديد إلى الواجهة بعد تباين مواقف الأحزاب من مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي اقترحته رئاسة الجمهورية ودافع عنه حزب "نداء تونس" ودعمته حركة النهضة من دون أن يلجأ أي من حزبي التحالف الحكومي الآخرين، "آفاق تونس" و"الاتحاد الوطني الحر"، إلى إبداء معارضة أو مساندة صريحة للمشروع.
ولا يعود تباين المعارضة إلى محتوى مشروع القانون نفسه، إذ تجمع المعارضة، بمختلف أطيافها، على رفضه وطلب سحبه قبل تمريره إلى مجلس النواب. وهو ما يدفع إلى الاستغراب من حالة "المراهقة السياسية" التي تحكم تعاطيها مع أشكال وهوية المشاركين في الاحتجاج على مشروع القانون، بعدما تبيّن رفض بعضها مشاركة آخرين في الاحتجاج.
وفيما كانت الأحزاب المعارضة داخل وخارج البرلمان تستعد يوم الجمعة الماضي للاجتماع والتنسيق بشأن "مبادرات للتحرك ضد هذا المشروع، وفتح الفضاء العام أمام التحركات الاحتجاجية والتظاهرات الرافضة له"، لجأت الجبهة الشعبية إلى إرجاء موعد الاجتماع، وتتلكأ في الالتقاء بباقي الأحزاب.
وكان من المفترض أن يجمع اللقاء كلاً من الحزب الجمهوري، ائتلاف الجبهة الشعبية، التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، التحالف الديمقراطي وحركة الشعب والتيار الديمقراطي، غير أن الجبهة راوغت الجميع ولم تحضر الاجتماع.
وتعليقاً على هذا الغياب، أوضح محمد جمور، المتحدث الرسمي لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (أحد أحزاب الجبهة)، أن الجبهة الشعبية لديها تحفظات على مشاركة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في تحركات الأحزاب المعارضة لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، مشيراً إلى أن الجبهة لا ترى إمكانية تعامل مشترك مع هذا الحزب. من جهته، قال زعيم الجبهة، حمة الهمامي، إن الأخيرة لديها تحفظات على مشاركة التكتل (الذي يرأسه رئيس المجلس التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر) بسبب انتمائه السابق للترويكا إلا إذا اعتذر عن ذلك.
ويعود موقف الجبهة من المؤتمر إلى موقف الأولى التي عارضت دعم المرزوقي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وما أعقب ذلك من تلاسن بين قيادات الحزبين استمر إلى الأسبوع الماضي، بسبب حوار عن بعد حول المعارضة الحقيقية وما إذا كانت داخل البرلمان أو خارجه.
ويرجع هذا الاختلاف إلى تنافس بين الحزبين حول قيادة المعارضة. وفيما ترى الجبهة الشعبية نفسها جديرة بهذا الموقع بحكم أنها أكبر الأحزاب المعارضة داخل البرلمان والأعلى صوتاً خارجه، يعتبر حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس السابق منصف المرزوقي) أو بالأحرى حراك شعب المواطنين، أنه الأكثر انتشاراً بين التونسيين المعارضين بحكم النتائج التي أحرزها المرزوقي في الانتخابات الرئاسية الماضية.
ويبدو التنافس في غير محله ولا توقيته، نظراً للظروف التي تتطلب توحد المعارضة في هذه الفرصة الفريدة التي جمّعت مواقفها من دون استثناء من مشروع قانون المصالحة الذي اعتبرته أهم معاركها، ولا سيما أن السياسة الأمنية تتجه إلى منع الاحتجاجات، بحسب ما أعلنه عصام الشابي، القياديّ في الحزب الجمهوري، في تصريح صحافي.
ويمثّل يوم السبت المقبل، التاريخ الذي حددته الأحزاب التي اجتمعت يوم الجمعة الماضي من دون الجبهة الشعبية لانطلاق تحركاتها، اختباراً مهماً لصلابة الحكومة في مواجهة هذه التحركات بحكم قانون الطوارئ. وهو ما حاولت أن تثبته في كل التحركات التي جرت خلال الأسبوع الماضي، إذ قابلت هذه المحاولات بمقاربة أمنية بحتة، وحاولت إفشال كل المسيرات والاحتجاجات.
كما يمثّل يوم السبت موعداً حاسماً لاختبار مدى قدرة المعارضة على تحريك الشارع وإقناع التونسيين بالانضمام إليها في معارضة القانون.
وكانت الجبهة قد أعلنت، يوم الإثنين الماضي، أنها شكلت "لقاءً سياسياً" جديداً يجمعها بحزبين يساريين آخرين هما المسار والاشتراكي وبعض المنظمات الأخرى، للتظاهر، يوم السبت أيضاً وفي نفس الشارع وضد نفس القانون. وهو ما يعني أن التونسيين سيجدون أنفسهم أمام مسيرتين احتجاجيتين للمعارضة مع فارق توقيت يؤكد انقسامها، وربما إضاعتها لفرصة التوحد الأخيرة.
في غضون ذلك، لجأت الجبهة الشعبية إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، طالبةً منه أن "يتحمل مسؤوليته في هذا الشأن"، بحسب تصريحات لبعض قيادييها. غير أن الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، بوعلي المباركي، أكد في تصريح صحافي أنّ موقف اتحاد الشغل من مشروع قانون المصالحة الاقتصادية كان واضحاً منذ البداية، وهو سحبه وإدخال تعديلات على بعض فصوله لأنه لا يمكن قبوله في صيغته الحالية. وأشار المباركي إلى أنّ الاتحاد كان قد نادى منذ سنتين بالمصالحة الوطنية، لأن في ذلك مصلحة البلاد.
كما أكد المباركي أنّ الاتحاد هو الذي يحدد مواقفه عن طريق مؤسساته القائمة من دون سواها، وأنه يؤدي دوره قبل دعوة الجبهة الشعبية، مشدداً على ضرورة أن يحظى مشروع قانون المصالحة بأكبر توافق ممكن.
وفي كل الحالات تبقى المعارضة التونسية مطالبة بالبحث عن أرضية مشتركة وعقلية جديدة تسمح لها بالتحرك بعيداً عن الحسابات الحزبية، وخصوصاً أنها ستكون قريباً في مواجهة استحقاق بالغ الأهمية وهو الانتخابات المحلية.
اقرأ أيضاً سبعة أشهر على حكومة "نداء تونس" و"النهضة"... تحالف التناقضات