أنهى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي آخر لقاءاته التشاورية بإعلان انتصاره أمام المشككين في مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، وشكر المنظمات والأحزاب المشاركة على إسهامها في إنجاح المرحلة الأولى من المفاوضات، لكنه حمّلها في الوقت نفسه مسؤولية المرحلة الثانية، مرحلة البحث عن رئيس الحكومة وتشكيلتها وهيكلتها.
وقال السبسي بكل وضوح إن مهمته انتهت بنجاح وإن المسؤولية باتت تقع على الأحزاب السياسية للتوافق حول الحكومة العتيدة ورئيسها، لا سيما أن الدستور لا يعطي رئيس الجمهورية الحق بترشيح اسم لرئاسة مجلس الوزراء.
ويعرف المتابعون في تونس أن ما قاله السبسي ليس سوى تصريح شكلي، أدلى به احتراماً للدستور، لكنه هو الذي يمسك فعلياً بكل خيوط اللعبة، ولا يمكن قطعاً أن يتم التوافق على شخصية رئيس الحكومة المنتظرة وعلى توزيع المناصب الوزارية دون أن يكون للسبسي الرأي الفصل في هذه الأمور.
وبعد الانتهاء من عقدة استقالة رئيس الحكومة الحالية، يفترض أن ترمى الكرة في ملعب مجلس نواب الشعب لتشكيل الحكومة المرتقبة استناداً إلى موازين القوى فيه. وينصّ القانون على أن يرشح الحزب الأول في البرلمان، أي حركة النهضة حالياً، رئيساً للحكومة. لكن هذا الأمر يطرح مشكلة ثانية للسبسي ولـ"نداء تونس" ولـ"النهضة" أيضاً، التي أعلنت بوضوح أنه سيتم احترام نتائج الانتخابات التي سبق أن قادت حزب "نداء تونس" للأغلبية النيابية، وليس المتغيرات الحالية في البرلمان التي تصب لمصلحة "النهضة".
على أية حال، ليس قرار الحل والربط في هذه المسألة بيد "النهضة" دستورياً، وسيكون على "النداء" أن يعود للمرتبة الأولى نيابياً، قبل أن يقترح رئيس الحكومة الجديد. أما إذا فشل في مساعيه الحالية، فستختلط كل الأوراق أمام "النداء" والسبسي و"النهضة" وكامل المشهد السياسي التونسي. ولكن هذه المعضلة الكبيرة التي تواجه "النداء" ليحافظ على شرعيته الانتخابية والدستورية في اختيار المرشحين، ليست مسألة سهلة. ويجب الآن ترقب نتائج مساعي قيادات "نداء تونس" من أجل استمالة نواب داخل البرلمان وضمهم لكتلته، التي تضم حالياً 64 نائباً، في حين تضم كتلة "النهضة" 69 نائباً.
في هذا الإطار، تؤكد مصادر من الحزب لـ"العربي الجديد" أن هناك حركية كبيرة يشهدها "النداء" من أجل العودة للمركز الأول في البرلمان، وربطت ذلك باستقالة بعض النواب من "كتلة الحرة"، ومحاولة ضم آخرين من أحزاب قريبة. وتجدر الإشارة إلى أن النائب عن هذه "الكتلة"، محمد الناصر جبيرة، كان أعلن عن استقالته منذ أيام والتحاقه بـ "نداء تونس" مجدداً، فيما يعوّل "النداء" على استعادة نوابه الذين غادروا كتلته البرلمانية، دون الالتحاق بأحزاب أخرى على غرار النواب بشرى بلحاج حميدة، وألفة السكري، وفاطمة المسدي.
وتؤكد مصادر لـ "العربي الجديد" أن استقالة النائبين عن حزب "المبادرة"، المنضويين تحت لواء "الكتلة الديمقراطية الاجتماعية"، لطفي علي وأحمد السعيدي، جاءت في إطار تفاهمات خارج البرلمان مع رئيس الحزب، كمال مرجان، في إطار إشراكه في الحكومة مقابل انضمام هذين النائبين إلى كتلة "النداء"، ما سيتيح تفوق هذا الحزب عددياً على "النهضة" في البرلمان. ويبدو أن حزب "النداء" يعدّ لعودته كحزب أول في أقرب وقت، حتى يصبح بذلك قادراً على الاضطلاع بدوره الدستوري كحزب أول لتشكيل الحكومة وتعيين رئيسها.
لكن المصادر نفسها تقول لـ"العربي الجديد" إن تعدد المقترحات حول أسماء أعضاء الحكومة المقبلة، خلق شرخاً داخل حزب "النداء"، إذ نشأت خلافات حول الأسماء التي تدعمها مجموعات داخله وترفضها مجموعات أخرى. ووفق تصريحات قياديي "النداء"، في الفترة الأخيرة، فإن تضارباً في المواقف بدا جلياً حول الأسماء، وخاصة التي ستكون ضمن حكومة الوحدة الوطنية، الأمر الذي زاد الحزب انقساماً وتصدعاً.
وفي انتظار ذلك، سيكون على المتحاورين من منظمات وأحزاب، التوافق حول الأسماء الجديدة، وهو تحدٍّ أكبر من وضع برنامج الحكومة، بسبب اختلاف الآراء حول معنى الوحدة الوطنية، وإن كانت تعني التمثيل الحزبي أم لا، وفي ظل الدعوة إلى تجنب المحاصصة الحزبية من ناحية، والتأكيد على أن يكون الوزراء الجدد من السياسيين، من ناحية أخرى.