03 نوفمبر 2024
تونس... النقابيون ينحازون للتوافق
أسدل الستار على مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تابعت فعالياته مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية، إلى جانب الحكومة والسفارات ومؤسسات التمويل الدولية، مثل البنك وصندوق النقد الدوليين. واكتسب المؤتمر أهمية خاصة، نظراً للمكانة الاستراتيجية التي تتمتع بها النقابات في تونس، فهي تعتبر أحد الأعمدة الأساسية للنظام الاجتماعي والسياسي، لا يتحقق الاستقرار بدونها، ولا تكتمل شروط التنمية إلا بمشاركتها. لهذا، يلاحظ أن كل من يمسك السلطة يحرص على البحث عن تحقيق تسويةٍ ما مع النقابات، حتى يضمن لنفسه أحد مقومات الاستمرارية والقوة.
وحتى لا نعود إلى الماضي البعيد، عمل الرئيس الباجي السبسي، منذ تولى رئاسة الجمهورية، على أن يكسب ثقة الأمين العام لاتحاد الشغل، حسين العباسي، الذي انتهت مهامه في المؤتمر أخيراً، وكان يكثر من اللقاء به ومشاورته، كما طلب منه التدخل، في أكثر من مناسبة، لإطفاء هذا الحريق أو ذاك. ولم يتردد السبسي، أحياناً، عند تشكيل حكومة حمادي الصيد أو خصوصاً حكومة يوسف الشاهد، أن يبدي حرصه على أن يشارك اتحاد الشغل في الحكومة، وعندما امتنع العباسي عن ذلك، حتى يحمي استقلالية قرار المنظمة النقابية، كان رئيس الدولة يبقي الباب مفتوحا، من خلال تشجيع رئيس الحكومة على عدم تعيين وزيرٍ للشؤون الاجتماعية، لا يتمتع بثقة المركزية النقابية وموافقتها. وذلك كله من أجل تجنب الدخول في صدامٍ مع أقوى النقابات التي يمكنها أن تربك الأوضاع، وأن تدخل البلاد في حالة شلل كامل.
سبق لحركة النهضة، في أثناء حكم الترويكا، أن جرّبت الدخول في مواجهةٍ شرسةٍ مع النقابيين، لكنها سرعان ما أقرّت بفشلها في محاولة تطويعهم أو تهديدهم أو إقناعهم بضرورة الفصل بين النقابي والسياسي. وهو ما اضطرّها إلى مراجعة نفسها إلى أن تمكّنت من تطبيع علاقاتها بالقيادة النقابية، وأن تلزم نفسها بمنهجيةٍ تقوم على الحذر والتفكير في المستقبل، حتى لا يجد النهضويون أنفسهم مقصيين من الفضاء النقابي.
فشلت مجموعات أقصى اليسار في تغيير موازين القوى داخل هياكل الاتحاد. وهو ما أثبتته نتائج المؤتمر أخيراً، إذا أطاحت الانتخابات مرشحين عديدين مدعومين من هذه المجموعات. وهو ما اعتبره بعضهم انتصارا للخط النقابي المعتدل الذي يرفض التصعيد غير المبرّر، ولا يتفق مع المؤمنين بمنهجية "النقابات الحمراء"، ويعمل هذا الخط، في المقابل، على ما لخصه الأمين العام الجديد للاتحاد، نور الدين الطبوبي، في ثلاث كلمات: التوافق والحوار والشراكة.
كان انتصار القائمة الوفاقية إعلانا عن وجود أغلبيةٍ واسعةٍ في صفوف النقابيين، ترفض منطق المغامرة، ولم تستجب لمن دعاها إلى القطيعة مع الخطاب النقابي المتمسك بالاستمرارية، كما تعتقد هذه الأغلبية أن عدم الانضباط ومحاولة إضعاف المركزية النقابية من خلال التمرد عليها، وجرّها إلى معارك مفتوحة ضد الحكومات المتعاقبة، وضد أصحاب المؤسسات، لن يكون في صالح العمال، ولا في صالح البلاد. وعلى الرغم من أن المكتب التنفيذي الجديد يضم قياديين معروفين بقربهم من هذا التيار السياسي أو ذاك، إلا أن الأمين العام الجديد قد أكّد، في أكثر من مناسبة، أنه متحرّر من كل ارتهانٍ للسياسي والأيديولوجي، وينتسب إلى ما يعرف بالتيار العاشوري، نسبة للزعيم النقابي الحبيب عاشور الذي خاض معركةً صعبةً ضد الحزب الدستوري، دفاعا عن استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل ضد هيمنة الحزب الحاكم، كما أنه "تيار نقابي برغماتي ووطني".
يتفق المراقبون حول القول إن المرحلة المقبلة في تونس ستكون صعبةً على الصعيدين، الاقتصادي والاجتماعي، وهما بعدان متلازمان، يتبادلان التأثير، ويشتركان في توجيه البعد السياسي وتكييفه. وبناء عليه، سيكون الاتحاد مشاركا بقوة في معالجة الملفات الشائكة، ومنها إصلاح الصناديق الاجتماعية المهدّدة بالإفلاس، ومأسسة الحوار الاجتماعي، وإنجاز الإصلاحات الكبرى التي ستشمل قطاعات استراتيجية عديدة.
لن تكون مهمةً سهلة، فتحقيق التوافق في المجال الاقتصادي والاجتماعي أصعب بكثير من تحقيقه في المجال السياسي. وهنا التحدّي الكبير.
وحتى لا نعود إلى الماضي البعيد، عمل الرئيس الباجي السبسي، منذ تولى رئاسة الجمهورية، على أن يكسب ثقة الأمين العام لاتحاد الشغل، حسين العباسي، الذي انتهت مهامه في المؤتمر أخيراً، وكان يكثر من اللقاء به ومشاورته، كما طلب منه التدخل، في أكثر من مناسبة، لإطفاء هذا الحريق أو ذاك. ولم يتردد السبسي، أحياناً، عند تشكيل حكومة حمادي الصيد أو خصوصاً حكومة يوسف الشاهد، أن يبدي حرصه على أن يشارك اتحاد الشغل في الحكومة، وعندما امتنع العباسي عن ذلك، حتى يحمي استقلالية قرار المنظمة النقابية، كان رئيس الدولة يبقي الباب مفتوحا، من خلال تشجيع رئيس الحكومة على عدم تعيين وزيرٍ للشؤون الاجتماعية، لا يتمتع بثقة المركزية النقابية وموافقتها. وذلك كله من أجل تجنب الدخول في صدامٍ مع أقوى النقابات التي يمكنها أن تربك الأوضاع، وأن تدخل البلاد في حالة شلل كامل.
سبق لحركة النهضة، في أثناء حكم الترويكا، أن جرّبت الدخول في مواجهةٍ شرسةٍ مع النقابيين، لكنها سرعان ما أقرّت بفشلها في محاولة تطويعهم أو تهديدهم أو إقناعهم بضرورة الفصل بين النقابي والسياسي. وهو ما اضطرّها إلى مراجعة نفسها إلى أن تمكّنت من تطبيع علاقاتها بالقيادة النقابية، وأن تلزم نفسها بمنهجيةٍ تقوم على الحذر والتفكير في المستقبل، حتى لا يجد النهضويون أنفسهم مقصيين من الفضاء النقابي.
فشلت مجموعات أقصى اليسار في تغيير موازين القوى داخل هياكل الاتحاد. وهو ما أثبتته نتائج المؤتمر أخيراً، إذا أطاحت الانتخابات مرشحين عديدين مدعومين من هذه المجموعات. وهو ما اعتبره بعضهم انتصارا للخط النقابي المعتدل الذي يرفض التصعيد غير المبرّر، ولا يتفق مع المؤمنين بمنهجية "النقابات الحمراء"، ويعمل هذا الخط، في المقابل، على ما لخصه الأمين العام الجديد للاتحاد، نور الدين الطبوبي، في ثلاث كلمات: التوافق والحوار والشراكة.
كان انتصار القائمة الوفاقية إعلانا عن وجود أغلبيةٍ واسعةٍ في صفوف النقابيين، ترفض منطق المغامرة، ولم تستجب لمن دعاها إلى القطيعة مع الخطاب النقابي المتمسك بالاستمرارية، كما تعتقد هذه الأغلبية أن عدم الانضباط ومحاولة إضعاف المركزية النقابية من خلال التمرد عليها، وجرّها إلى معارك مفتوحة ضد الحكومات المتعاقبة، وضد أصحاب المؤسسات، لن يكون في صالح العمال، ولا في صالح البلاد. وعلى الرغم من أن المكتب التنفيذي الجديد يضم قياديين معروفين بقربهم من هذا التيار السياسي أو ذاك، إلا أن الأمين العام الجديد قد أكّد، في أكثر من مناسبة، أنه متحرّر من كل ارتهانٍ للسياسي والأيديولوجي، وينتسب إلى ما يعرف بالتيار العاشوري، نسبة للزعيم النقابي الحبيب عاشور الذي خاض معركةً صعبةً ضد الحزب الدستوري، دفاعا عن استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل ضد هيمنة الحزب الحاكم، كما أنه "تيار نقابي برغماتي ووطني".
يتفق المراقبون حول القول إن المرحلة المقبلة في تونس ستكون صعبةً على الصعيدين، الاقتصادي والاجتماعي، وهما بعدان متلازمان، يتبادلان التأثير، ويشتركان في توجيه البعد السياسي وتكييفه. وبناء عليه، سيكون الاتحاد مشاركا بقوة في معالجة الملفات الشائكة، ومنها إصلاح الصناديق الاجتماعية المهدّدة بالإفلاس، ومأسسة الحوار الاجتماعي، وإنجاز الإصلاحات الكبرى التي ستشمل قطاعات استراتيجية عديدة.
لن تكون مهمةً سهلة، فتحقيق التوافق في المجال الاقتصادي والاجتماعي أصعب بكثير من تحقيقه في المجال السياسي. وهنا التحدّي الكبير.