03 نوفمبر 2024
تونس بلاد المفارقات
عندما يقول الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إن "الوضع سيئ ويسير نحو الأسوأ" فهو يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه في بعض ما كتبناه في هذه الزاوية في "العربي الجديد". كان صوته هو الصوت المتبقي لامتصاص الأزمة، باعتبار منصبه، إلى جانب قدرته على التواصل مع المواطنين، بأسلوبه السلس والواضح والمباشر. لكن، على الرغم من ذلك، من غير المؤكد أن يكون خطابه الذي انتظره كثيرون قد وصل إلى التونسيين، أو حقق أغراضه بالنجاح المتوقع.
كانت الصخرة التي اصطدمت بها حركة النهضة وحكومة الترويكا هي الوضع الاقتصادي الصعب بدرجة أساسية. كانت المسافة شاسعة بين آمال التونسيين وما تم إنجازه في عهد تلك الحكومة. وعلى هذا الأساس، أقام السبسي وحزبه "نداء تونس" استراتيجيتهما للوصول إلى الحكم، وهو ما تحقق عمليا. وكان ينتظر أن تتجه الأوضاع، بعد ذلك، نحو التهدئة، خصوصاً أن النقابيين قد شكلوا قوة احتياط مهمة، عززت من حظوظ منافسي حركة النهضة.
كانت المفاجأة صادمةً، عندما عاد الاحتقان الاجتماعي بالقوة نفسها التي كان عليها خلال سنتي 2012 و2013، مناطق بكاملها في حالة تمرد، ومواجهات مع قوى الأمن في مدن وقرى عديدة، وسلسلة من الإضرابات القاسمة للظهر لا تزال مستمرة في نسق تصاعدي، مع عودة ظاهرة الاعتصامات الفوضوية في أكثر من مكان، إلى جانب التهديد بالانتحار الفردي والجماعي، وكأن عجلة الزمن ترفض أن تتقدم إلى الأمام في تونس. وكما سبق للإسلاميين أن اعتبروا سلطتهم مستهدفة بمؤامرة لإطاحتهم، عادت الحجة نفسها لتستعملها هذه المرة حكومة حزب نداء تونس المدعومة من أغلبية برلمانية مريحة جدا.
من يتآمر على من؟ هذا السؤال المحير حاليا في تونس، فالحزب الذي أسسه الباجي قايد السبسي، إلى جانب الحكومة التي شكلها، تضم ثلاثة أطرافٍ، كان يقال إنها تحالفت من قبل لإطاحة راشد الغنوشي ومن معه. أولها الدستوريون، وأنصار الحزب الحاكم المنحل الذي أسسه بن علي، والذين لا تخفى الخصومة بينهم وبين الإسلاميين. وقد كانوا الرافد الأساسي لدعم السبسي. أما الرافد اليسار الذي وضع ثقله في تأسيس حزب نداء تونس، واستعمل خبرته الطويلة لإيجاد رأي عام مضاد لحركة النهضة. الشق الثالث، النقابيون الذين قرروا خوض غمار السياسة من بابها الواسع.
ليست المشكلة اليوم فقط في الصراع المتواصل داخل حزب نداء تونس بين مكوناته، ولكن، أيضاً، أن هذه الروافد الثلاثة وغيرها عجزت عن إقناع ماكينة الاتحاد العام التونسي للشغل بإعادة النظر في أولوياتها واتجاهاتها. لم يستطع الرافد النقابي للحزب الحاكم أن يقنع النقابيين الماسكين قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل بضرورة التوافق على الحد الأدنى من الهدنة الاجتماعية. ولم يتمكن اليساريون الذين يحتلون مواقع قيادية في حزب نداء تونس من أن يتفقوا مع يساريين، لهم موقع قدم في الحركة النقابية حول طبيعة المرحلة الحالية التي تقتضي التوافق على الحد الأدنى، بحكم أن الذين يحكمون حاليا ليسوا إسلاميين.
من مفارقات عجيبة في الحالة التونسية أن الدستوريين الذين كانوا من بين أهم الخصوم للإسلاميين، في معظم مسارات الدولة الوطنية، يصبحون حالياً الأقرب إليهم، ولا يستبعد أن تتجه العلاقة بينهما نحو بناء تحالف استراتيجي طويل المدى، خلافا لكل التوقعات التي كانت سائدة.
ومن المفارقات، أيضاً، أنه بدل أن تعيد حركة النهضة الصاع صاعين، لتنتقم بنفسها ولنفسها من خصومها الذين استغلوا ضعفها، عندما أحاط بها الجميع، ودفعوها نحو الانسحاب من السلطة، إذا بها الآن من أكثر الأطراف السياسية دفاعاً عن رئيس الجمهورية وحكومة الحبيب الصيد. وتتمثل المفارقة الثالثة والأخيرة في أنصار حزب نداء تونس، وكذلك أنصار حركة النهضة المنتسبين للاتحاد العام التونسي للشغل الذين يقفون داخل الاتحاد، وراء القيادة النقابية في معركتها ضد الحكومة؟
من له قدرة على التحليل عليه أن يستعرض عضلاته.
كانت المفاجأة صادمةً، عندما عاد الاحتقان الاجتماعي بالقوة نفسها التي كان عليها خلال سنتي 2012 و2013، مناطق بكاملها في حالة تمرد، ومواجهات مع قوى الأمن في مدن وقرى عديدة، وسلسلة من الإضرابات القاسمة للظهر لا تزال مستمرة في نسق تصاعدي، مع عودة ظاهرة الاعتصامات الفوضوية في أكثر من مكان، إلى جانب التهديد بالانتحار الفردي والجماعي، وكأن عجلة الزمن ترفض أن تتقدم إلى الأمام في تونس. وكما سبق للإسلاميين أن اعتبروا سلطتهم مستهدفة بمؤامرة لإطاحتهم، عادت الحجة نفسها لتستعملها هذه المرة حكومة حزب نداء تونس المدعومة من أغلبية برلمانية مريحة جدا.
من يتآمر على من؟ هذا السؤال المحير حاليا في تونس، فالحزب الذي أسسه الباجي قايد السبسي، إلى جانب الحكومة التي شكلها، تضم ثلاثة أطرافٍ، كان يقال إنها تحالفت من قبل لإطاحة راشد الغنوشي ومن معه. أولها الدستوريون، وأنصار الحزب الحاكم المنحل الذي أسسه بن علي، والذين لا تخفى الخصومة بينهم وبين الإسلاميين. وقد كانوا الرافد الأساسي لدعم السبسي. أما الرافد اليسار الذي وضع ثقله في تأسيس حزب نداء تونس، واستعمل خبرته الطويلة لإيجاد رأي عام مضاد لحركة النهضة. الشق الثالث، النقابيون الذين قرروا خوض غمار السياسة من بابها الواسع.
ليست المشكلة اليوم فقط في الصراع المتواصل داخل حزب نداء تونس بين مكوناته، ولكن، أيضاً، أن هذه الروافد الثلاثة وغيرها عجزت عن إقناع ماكينة الاتحاد العام التونسي للشغل بإعادة النظر في أولوياتها واتجاهاتها. لم يستطع الرافد النقابي للحزب الحاكم أن يقنع النقابيين الماسكين قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل بضرورة التوافق على الحد الأدنى من الهدنة الاجتماعية. ولم يتمكن اليساريون الذين يحتلون مواقع قيادية في حزب نداء تونس من أن يتفقوا مع يساريين، لهم موقع قدم في الحركة النقابية حول طبيعة المرحلة الحالية التي تقتضي التوافق على الحد الأدنى، بحكم أن الذين يحكمون حاليا ليسوا إسلاميين.
من مفارقات عجيبة في الحالة التونسية أن الدستوريين الذين كانوا من بين أهم الخصوم للإسلاميين، في معظم مسارات الدولة الوطنية، يصبحون حالياً الأقرب إليهم، ولا يستبعد أن تتجه العلاقة بينهما نحو بناء تحالف استراتيجي طويل المدى، خلافا لكل التوقعات التي كانت سائدة.
ومن المفارقات، أيضاً، أنه بدل أن تعيد حركة النهضة الصاع صاعين، لتنتقم بنفسها ولنفسها من خصومها الذين استغلوا ضعفها، عندما أحاط بها الجميع، ودفعوها نحو الانسحاب من السلطة، إذا بها الآن من أكثر الأطراف السياسية دفاعاً عن رئيس الجمهورية وحكومة الحبيب الصيد. وتتمثل المفارقة الثالثة والأخيرة في أنصار حزب نداء تونس، وكذلك أنصار حركة النهضة المنتسبين للاتحاد العام التونسي للشغل الذين يقفون داخل الاتحاد، وراء القيادة النقابية في معركتها ضد الحكومة؟
من له قدرة على التحليل عليه أن يستعرض عضلاته.